النازحون الى الجليل ... التشريد قدر والكرامة خيار
بقلم: فرج أبو شقرا
المخيم الصغير في البقاع، أصبح قبلة النازحين الأولى، يولون وجوههم قبله إثر كل تطور عسكري وأمني في مخيمات سوريا. يرتحلون ببعض أوراقهم الثبوتية لا شئ غيرها، يلتحفون ثياب النوم الوحيدة التي استطاعوا الفرار بها من بين الركام، ويخونهم البقاع القارس فيرتجفون برداً لا خوفاً على مصير أسود لم يعرفوه بعد، وتتساقط الدموع من النساء والأطفال لتمتزج بقطرات المطر المنهمر بغزارة، فترتسم الصورة وتتضح معالمها وتتبين أولى صفحات مستقبل اللجوء في مخيم الجليل.
650 عائلة فلسطينية استقبلهم مخيم الجليل في بعلبك، جل هؤلاء من مخيم اليرموك، المخيم الأقرب إلى الجليل، حيث بعض الأقارب والأصدقاء، علهم يجدون مأوى آمناً لهم وحضناً دافئاً يقيهم برودة الطقس القارس. كان لهم ما تمنوا رغم ما يعانيه المخيم من ويلات، فتكدست العائلات على بعضها فقلما تجد منزلاً لا يحوي عائلتين أو ثلاثة في غرفتين صغيرتين، تكرست فيها اللحمة والأخوة الفلسطينية في أبهى صورها. إلا أن ذلك شكل مشكلة اجتماعية جديدة تضاف على سجل مشاكل المخيم الضيق الذي يعاني أهله أصلاً، فعائلات المخيم تعاني من نسبة فقر شديد ومن حالة بطالة تتعدى 60% الأمر الذي أنذر بكارثة إنسانية تطال أهالي المخيم وضيوفهم على حد سواء.
بعد تفاقم الأزمة السورية واتساع رقعة الأحداث التي طالت مخيم اليرموك بالقصف والاشتباكات نزح مئات العائلات الفلسطينية منه إلى الجليل، وبعضه لا يجد قريباً أو صديقاً ولم يجدوا من مضيف يستقبلهم في منزله، فلم يعد بالإمكان أن تجد بيتاً لم يستضف إخواناً لهم من سوريا، فاضطر البعض إلى استئجار شقق سكنية قريبة من المخيم بمعدل 350$، والبعض الآخر لم تسعفه قدراته لفعل ذلك، فحالت به السبل، فالأونروا لم تحرك ساكناً قط تجاههم وكل ما قدمته 40$ لكل عائلة إضافة إلى بون مازوت وفرشات وحرامات، أما اللجان الشعبية فإنها توجهت إلى الصليب الأحمر وبعض الجمعيات الإغاثية التي قدمت مساعدات عينية عبارة عن فرشات وحرامات وبعض مواد التنظيف والمطبخ وعدد من المدافئ، وبقيت مشكلة المأوى المشلكة الضروس التي تواجه النازحين، الأمر الذي دفع بحركة المقاومة الإسلامية حماس لإفراغ مكاتبها ومراكزها في المخيم وتجهيزها وتقديمها كمراكز إيواء للنازحين، الأمر الذي ساهم نسبياً في التخفيف عنهم، أضف إلى ذلك فقد أطلقت حماس حملة إغاثة للنازحين قدمت خلالها المواد العينية كالفرشات والحرامات وكرتونة المؤونة ومادة المازوت، هذا وأعلنت حماس عن استمرارها في تقديم يد العون لأهلهم النازحين حتى يمن الله عليهم بالعودة إلى ديارهم.
قدر اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أن يشردوا مرتين، وقدرهم ايضاً أن يجربوا ولو مؤقتاً أن يكونوا لاجئين فلسطينيين في لبنان محرومين من أبسط حقوقهم، لكن لسان حالهم يقول كل من له بقية من ضمير " من حقنا أن نعيش بكرامة لحين عودتنا".
المصدر: جريدة البراق، عدد كانون الثاني، 2013