القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

النبي قَبِلَ الهدية

النبي قَبِلَ الهدية

/cms/assets/Gallery/1048/p20_20130708_pic2.jpg

بقلم: أماني شنينو

... ولأني بنت، ما إن أصل الشارع العام عند خط السيارات، حتى أجد أكثر من سيارة تتوقف سريعاً لتقلَّني. وهذه، صراحة، ميزة مهمة من «ميزات البنت» النادرة هنا في قطاع غزة. أركب في السيارة، وطبعاً بعد أن يتفحَّصني السائق، وكذلك الركاب الأعزاء، رجالاً ونساءً، الأمر لا يخلو.. وكأنني مُشتبه فيه بجريمة ما!

ما علينا. بعد الكشف الأمني الأول أجلس في المقعد، يعلو صوت الإذاعة. اليوم كان مزاج السائق قديماً وعليه غبرة، فوضع كاسيت لأُم كلثوم والساعة الثانية عشرة ظهراً! والطبيعي جداً كما العادة أن يكون الصوت مرتفعاً مراعاةً لمشاعر السائقين الآخرين ممن لا يملكون مسجلاً أو (فلاش ميموري) في سيارتهم! وهذه ثانية ميزات هذا المجتمع العظيم، للأمانة العلمية!

وفتح «المقهى» أبوابه، بدءاً بأُم كلثوم، والآن سجائر الراكب في الكرسي الخلفي، الذي أخرج سيجارته وعرض على السائق الذي خجل من أن يرد الهدية، فـ«النبي قبل الهدية»، هكذا قال السائق مبرراً قبوله السريع وإشعاله للسيجارة مع الراكب..

الجو بارد في الخارج، ومع ذلك فتحت النافذة لكي أستطيع التنفس، وأنا أُعاني من ضيق في النفس، وكحّة قوية، وللأسف رماد السجائر كان يتطاير عليّ من الجهتين. علَت كحّتي وضاع تنفسي...شعرت بدوار وبداية إغماء. قلت للسائق: عمّو معليش السيجارة تطفيها عندي ضيق نفس ومريضة.. ردّ بضحكة ساخرة مستهجنة: «عمّو؟ شو عمّو؟ لساتني شباب. أنا في مقام أخوكي الصغير.. وإنتي سامعة أم كلثوم يعني الجو بده سجاير»!

وبما أنه كان وقحاً، فقد أجبته: «هادي سيارة مش قهوة مفتوحة! نزلني عندك».

كنت قد أعطيته الأُجرة، وعرض عليّ «عزومة مراكبية» أن يردّ لي نصف الأُجرة، لكنني أخبرته أني لا أُريدها وأقفلت باب السيارة ورائي بكل ما أُوتيت من قوة، تمنيت لو ينكسر.. لو تنفجر السيارة بكل ما فيها، لو يحصل حادث.. وقلت في نفسي «وخلّي القهوة اللي عاملي اياها تنفعك». شعرتُ بعصبية لا يمكنني أن أصفها: غضب سيطر عليَّ. أعرف أنني في كل مرة أمرض فيها تكون حساسيتي عالية، لكن ليس بسبب المرض فحسب. هذا الموقف يتكرر كثيراً بأشكال مختلفة ومضمون واحد، قلة ذوق.. وتدخين في سيارة المتر ونصف! ماذا لو كان الراكب طفلاً؟ ماذا لو كان هناك مُسنَّ؟ ماذا لو كانت الراكبة امرأة حاملاً؟

وهذا يحدث أيضاً. وقد رأيته بعيني. في اليوم أقلَّ شيء أركب سيارتين، ومرَّت العديد من الوجوه، غالباً أخلاق السائقين واحدة وسيّئة، ونادراً ما تجد سائقاً مُختلفاً لا يُعاكس ولا يُدخن داخل السيارة!

انتظرت قدوم سيارة أخرى، لكن ما الذي يضمن أنها لن تكون مجرد مقهى آخر!

المصدر: الأخبار