القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

النكبة... ذاكرة ليست للنسيان

النكبة... ذاكرة ليست للنسيان
 

بقلم: محمد أبو طربوش

عندما نتحدث عن نكبة فلسطين، نتحدث عن جرح مستمر منذ التشريد الأول حتى اليوم، نتحدث عن مأساة ومؤامرات ومجازر مختلفة ترتكب بحق شعب تخلى عنه الصديق والقريب من أجل عيون دولة الكيان الغاصب" إسرائيل" التي أقامها الإستعمار البريطاني بموافقة الأمم المتحدة والدول الغربية كعربون صداقة لحل قضية اليهود وكأن حل المشكلة اليهودية لا يتم إلا على أكتاف وجراحات الشعب الفلسطيني.

ففي عام 1917 بدأت جذور المؤامرة الاستعمارية تتضح معالمها عندما أصدرت بريطانيا على لسان وزير خارجيتها وعد بلفور في 2 ت2 1917 الذي ينظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، فكان هذا وعد من لا يملك لمن لا يستحق دون علم صاحب الحق، وخلال ثمانية وعشرين عامًا من حكم الانتداب البريطاني سنت بريطانيا القوانين واتخذت الإجراءات التي سهلت إنشاء هذا الكيان الغاصب من خلال تسهيل الهجرة لليهود إلى فلسطين حيث كان عدد اليهود عند الاحتلال البريطاني(ست وخمسين الفًا) أي 9% من مجموع سكان فلسطين ليصبحوا عام 1948 ست مئة وخمسة آلاف يهودي أي 30% من سكان فلسطين البالغ عددهم أنذاك مليوني نسمة، وكان لقرار الأمم المتحدة 181 مساره السلبي في القضية الفلسطينيية ككل حيث قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين دولة يهودية تقام على 54% من أرض فلسطين ودولة عربية فلسطينية تقام على 46% من أرض فلسطين.

وفي 14-5-1948 غادر المندوب السامي البريطاني القدس إلى بريطانيا وذلك تمهيدًا لإعلان قيام دولة الاحتلال"إسرائيل" في اليوم التالي، ولكن اليهود لم ينتظروا ففور مغادرة المندوب السامي البريطاني في الساعة الرابعة ظهرًا، أعلن بن غوريون قيام دولة الاحتلال وبعد احدى عشرة دقيقة من الإعلان قام الرئيس الأمريكي ترومان بإعلان اعتراف الولايات المتحدة بقيام دولة الاحتلال مما يدل بوضوح على تنظيم الأمر قبل مدة من صدوره.

وبعد إعلان دولة الاحتلال خاضت عدة جيوش عربية معظمها غير نظامي في قتال اليهود وحققت انتصارات في الجولة الأولى، فتدخل مجلس الأمن بضغط من الولايات المتحدة وفرضت هدنة بحجة إفساح المجال للوسيط الدولي(الكونت برنادوت) لإيجاد اتفاق بين الطرفين، فاستغلت دولة الاحتلال هذه الهدنة واستقدمت حوالي 70 ألف متدرب من المتطوعين اليهود من أوروبا، بالإضافة إلى الأسلحة المتطورة والمدفعية الثقيلة والطائرات التي شنت عدة غارات على عدد من الدول المجاورة لفلسطين، فانسحبت القوات العربية واحتلت دولة الاحتلال 78% من أرض فلسطين وأصبح وجودها أمرًا واقعًا بفضل الدعم الدولي، ففصل الشعب الفلسطيني عن أرضه وطرد أهالي خمس مئة وواحد وثلاثين مدينة وقرية من ديارهم، ولكن النهم اليهودي المستمر لم يتوقف فقد استطاعت دولة الاحتلال بعد هزيمة الجيوش العربية أمام دولة الاحتلال فيما عرف بالنكسة الكبرى أو حرب الأيام الستة في حزيران عام 1967 من احتلال الضفة الغربية وغزة بقية الأراضي الفلسطينية التي عرفت بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بالإضافة إلى احتلال سيناء ومرتفعات الجولان وجنوب لبنان.

خلاصة القول إن احتلال فلسطين أغرب سابقة في التاريخ الحديث حيث استوطنت أقلية أرض الأكثرية بدعم سياسي ومالي وعسكري من الخارج، حيث يعيش اليوم حوالي خمسة ملايين ومئتين ألف فلسطيني في شتات قسري، ومن هؤلاء أقل من أربعة ملايين مسجلون لدى وكالة الغوث الدولية -التي تقدم لهم ضروريات الحياة بشكل يتناقص كل عام-، وهكذا يجد اللاجئون أنفسهم في أسوأ حال منذ النكبة، يطلب منهم تحت غطاء السلام أن يسقطوا حقوقهم ولا سيما حق العودة إلى أرضهم التي هجروا منها والذي تحميه كل الشرائع والقوانين، فهؤلاء لم ينتظروا أكثر من نصف قرن في الشتات، مقاومين مناضلين صابرين، خارجين من غبار ستة حروب وعدد لا يحصى من الغارات والإغارات لكي يقّروا بعدها أنه ليس لهم وطن وليس لهم حق أو تاريخ، وأن هذا كله وهمٌ وخيالٌ كما أراد المتلفعون بجلد اسمه السلام حتى أصبح الصائح أن القدس عربية إسلامية مختل العقل أو إرهابيًا تطارده الأنظمة والحكومات المحبة للسلام، وبالمقابل فإنه رغم كل النوائب سيبقى الشعب الفلسطيني مكافحًا عن حقوقه حتى يعود لأرضه، ففي زمن التهميش والتشظي لن يكون للضعفاء مكان في مسيرات الخالدين، أما الذين ارتضوا لأنفسهم العزة والمكانة والعلو العدلي في الأرض فستكتب لهم الحياة، ورحم الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث تحدث عن العزة بقوله "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام وإذا طلبنا العزة بغيره أذلنا".

المصدر: البراق - العدد الخامس والثمانون، آذار 2012