النكبة في ذكراها الـ 65
بقلم: فايز رشيد
أمس صادف ذكرى النكبة الـ65, هذه التي نحييها في
15 يونيو من كل عام, يوم استولت الحركة الصهيونية على أغلب مناطق فلسطين, وبمساعدة
بريطانيا أقامت دولتها على أرضنا. ما بين الأمس واليوم سنوات طويلة, لم تزدد فيها إسرائيل
إلا عدوانية وصلفا, عنجهية وعربدة, عنصرية وحقدا, غطرسة وتعنتا في رفض حقوق شعبنا الوطنية.
لقد قامت إسرائيل بسن قوانين جديدة: تمنع أهلنا في منطقة عام 1948 من إحياء ذكرى النكبة
تحت طائلة المسؤولية والسجن سنوات طويلة.
لكن شعبنا ورغم أنوف الصهاينة يحيي هذه الذكرى الأليمة
في كل مواقعه, بما في ذلك في فلسطين المحتلة عام 48.
ما الذي تطور في إسرائيل بمضي 65 عاما على إنشائها؟
سؤال برسم الإجابة عنه من كل فلسطيني وعربي. نتحدى أن يكون التطور بغير المظاهر تلك
التي عددناها في السطور السابقة.
بعد مضي كل هذه السنوات يمكن القول وبراحة ضمير: إن
المتغيرات الإسرائيلية خلال هذه العقود تتمظهر في جملة من الحقائق الإسرائيلية على
صعيد السياستين الداخلية والخارجية, المستندة إلى خلفية أيديولوجية توراتية. هذه الحقائق
لو أدركها الساسة الفلسطينيون والعرب لما طرحوا مبادرات سلام مع إسرائيل، ولصاغوا إستراتيجية
وتكتيكا سياسيا جديدين متوائمين مع هذه الحقائق من حيث مجابهتها وليس التأمل معها كأمر
واقع, ولعل من أبرز المتغيرات يتلخص فيما يلي:
أن المشروع الصهيوني للمنطقة العربية
وبفعل مستجدات واكبت تطور الصراع فيها، وبحكم حقيقة تتمثل في فشل إسرائيل في إقناع
غالبية يهود العالم في الهجرة إليها, فإن مشروع إسرائيل في بناء دولتها من الفرات إلى
النيل وإن غاب في أذهان الساسة (حاليا) باستبداله من الاحتلال الجغرافي إلى السيطرة
الاقتصادية وبالتالي السياسية, لكنه يتعمق في أذهان المتطرفين الإسرائيليين المرشحين
لازدياد قاعدة وهرم تأثيرهم في الحياة السياسية الإسرائيلية.
إن التحولات الجارية في داخل إسرائيل
مذهلة في استطلاعاتها وكلها تشي بارتفاع نسبة الأصوليين بين اليهود إلى مستويات قياسية
عالية، فقد قال أبحاث أجرتها جامعة حيفا ومعاهد متخصصة ونشرت نتائجها التي تقول في
غالبيتها: إنه وفي العام 2030 فإن نسبة المتدينين اليهود سترتفع إلى 62-65% من الشارع
الإسرائيلي. هذا ما رأينا بعضا منه في الانتخابات التشريعية الأخيرة وتلك التي سبقتها
قبل بضعة أعوام. هذا سيؤثر على الحياة المدنية الإسرائيلية, ليس من حيث التداعيات في
الحياة الاجتماعية, ولكن بالضرورة أيضاً على الانعكاسات على السياستين الداخلية والخارجية
وتحديداً الصراع الفلسطيني العربي-الصهيوني. إذا ما بقيت إسرائيل حتى ذلك الزمن فسنواجه
إسرائيل جديدة. هذا لا يعني على الإطلاق الاستهانة بالسياسات الإسرائيلية السابقة والحالية،
ولكن المقصود القول: إننا سنشهد تشدداً إسرائيلياً أضعاف أضعاف التشدد السابق والحالي.
إن المتتبع لمسيرة الداخل الإسرائيلي
يلحظ وبلا أدنى شك أن إسرائيل تتفنن تماماً في المزاوجة بين القوننة والسياسة بما معناه:
أدلجة السياسة الخارجية بقوانين فيما يتعلق بالصراع مع أعدائها، وأدلجة السياسة الداخلية
بقوانين تعمل على تحصين إسرائيل من تأثيرات العرب بداخلها من جهة، ومن جهة أخرى تعبّد
الأرضية لبقاء هيمنة يهودية في محاولة استباقية للتغلب على إمكانية قيام أغلبية عربية
في إسرائيل (مثلما تشير بعض الاستطلاعات التي تتنبأ بحصول ذلك في العام 2025). بالتالي
هي تفرض مجموعة من القوانين العنصرية (بقراءاتها الثلاث في الكنيست)، وكان العامان
2012 و2013 مميزين في فرض القوانين (منع العرب من الاحتفال بذكرى النكبة، إمكانية سحب
الجنسية منهم...إلخ)، إضافة إلى خلق واقع اقتصادي-اجتماعي يصبح استمرار العربي في العيش
في بلده مستحيلاً وبالتالي فليس أمامه سوى الهجرة.
الغريب أن إسرائيل ورغم قوننتها
للعنصرية (على شاكلة النظام العنصري الأبيض السابق في جنوب إفريقيا) تبقى في عرف الدول
الغربية والكثيرين الآخرين (دولة ديموقراطية)، ففي الوقت الذي أدان فيه العالم عنصرية
جنوب إفريقيا وروديسيا يقف صامتاً أمام العنصرية الإسرائيلية!.
لقد سبق لدول عديدة أن اعترفت بـــ(يهودية
دولة إسرائيل) ووفقاً لما ورد على لسان نتنياهو والقادة الإسرائيليين الآخرين أصبح
هذا شرطا على الفلسطينيين والعرب مقابل التطبيع
الإسرائيلي للعلاقات معهم ولإنجاز حتى التسوية المذلة (لهم ) معهم.
جاء وعد بلفور في عام 1917 ليؤكد
هذا الهدف (يهودية الدولة)، وكذلك نص قرار التقسيم للأمم المتحدة في عام 1948 على إنشاء
هذه الدولة.
إسرائيل في بداية تكوينها لم تركز على تحقيق هذا الشعار
لاعتبارات تكتيكية ليس إلاّ، عنوانها: ترسيخ دعائم دولتها أولاً ومن ثم وحين تتحسن
الظروف: تطرح الشعار للاعتراف به دولياً، وذلك للتغطية على أي خطوات عنصرية مستقبلية
تقوم بها تجاه حرمان العرب فيها (في منطقة 48) من كل حقوقهم وصولاً إلى إجراء الترانسفير
بحقهم وإيجاد الحلول الملائمة والمناسبة لإخراجهم من وطنهم، إما عن طريق تبادل الأراضي
أو بطرق أخرى.
ثبت بالملموس أن إسرائيل ترفض في
صميم الأمر حل الدولتين، فهي ترى في وجود الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة
(على شاكلة الدول كافة) نقيضاً لوجودها.
من جانب آخر فإن تحقيق شعار يهودية الدولة يقطع الطريق
على كافة الحلول المطروحة الأخرى: الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، الدولة ثنائية
القومية، وحتى حل الدولة لكل مواطنيها.
كثيرة هي المتغيرات في إسرائيل
مع مضي كل هذه السنوات على إنشائها, ومن أبرزها أيضا: زيادة تأثيرات الجناح الديني
على الحياة في إسرائيل إن بالمعاني السياسية والاقتصادية أو الاجتماعية, وهذا مما سيدفع
أيضا الدولة نحو سياسات أكثر تطرفا وعدوانية على الفلسطينيين والعرب خلال السنوات القريبة
القادمة. ومنها أيضا: المزيد من الاستناد في السياسة إلى الأسس التوراتية والتلمودية
التي جعلت منها الحركة الصهيونية أيديولوجيا معتنقة متطورة باستمرار. تدعيم أواصر التحالف
الإستراتيجي والارتباط الوثيق مع الإمبريالية وأشكال الاستعمار الجديد والعنصرية.
في الذكرى 65 للنكبة يمكن القول
إن عودة الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية لن تتحقق ضمن الاعتراف الإسرائيلي
بها وإنما تصبح واقعاً عندما يجري فرضها على هذه الدولة الصهيونية المشبعة بالتعاليم
التوراتية فرضاً! هذه أبرز المتغيرات التي تحتم على الفلسطينيين والعرب اتباع نهج إستراتيجي
وسياسي تكتيكي جديد في التعامل مع دولة الكيان.
الشرق، الدوحة، 16/5/2013