النكبة وخارطة اللجوء القسرية
نبيل السهلي
تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين من أولى نتائج إنشاء
"إسرائيل" قبل 66 عاما (1948-2014)، وفي الوقت الذي تنفي فيه
"إسرائيل" مسؤولياتها عن معاناتهم، تسعى جاهدة للخلاص من مشكلتهم
باعتبارها عنصر استمرار رئيسيا للصراع العربي "الإسرائيلي"، خصوصا أن
قرارات الأمم المتحدة نصت على عودة هؤلاء اللاجئين إلى وطنهم، وتعويضهم عن الأضرار
التي لحقت بهم في الوقت ذاته.
وتبعا لبروز قضية اللاجئين، فإن هناك ضرورة ملحة لإجراء تقدير لأعدادهم
وتوزعهم بين فترة وأخرى، مما يكشف حجم المشكلة الناشئة نتيجة الطرد القسري
الصهيوني الذي لحق بنسبة كبيرة من العرب الفلسطينيين عام 1948.
وتشير المعطيات الإحصائية إلى أن عدد سكان فلسطين بلغ في نهاية الانتداب
البريطاني 2.1 مليون نسمة، بينهم 30.9% من اليهود، و69.1% هم أصحاب الأرض الأصليون
من العرب الفلسطينيين، أي كان هناك مليون و454 ألف عربي، في مقابل 650 ألف يهودي
عشية بروز النكبة.
وقد لوحظ وجود ميل سياسي في أثناء تقدير اللاجئين تبعا لخلفية الباحث أو
الجهة التي أعدت تقديرا حول اللاجئين آنذاك، وقد راوح التقدير بين 960 ألف لاجئ
فلسطيني، بحسب وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين وتشغيلهم عام 1949، و940 ألفا
بحسب الجامعة العربية، و726 ألفا بحسب معطيات أخرى للأمم المتحدة ووكالاتها
المختلفة.
وتبعا لحجم النكبة وتداعياتها على الشعب الفلسطيني، تحتم الضرورة تسجيل
التأريخ الشفوي للاجئين الفلسطينيين لدحض الرواية الإسرائيلية، وكشف مزيد من
المجازر التي ارتكبت بحقهم على يد العصابات الصهيونية.
خارطة اللجوء
إذا أخذنا أقل التقديرات للاجئي عام 1948، فإنه من بين مجموع الشعب
الفلسطيني عام 1949 والبالغ مليونا و466 ألف فلسطيني، بات نحو 736 ألفا منهم
لاجئين، و730 ألفا مواطنين أصليين في ديارهم. أي أصبح أكثر من 50% من سكان فلسطين
العرب لاجئين، استأثرت الضفة الغربية بـ38% منهم عام 1949، في حين تركز 25.1% في
قطاع غزة الذي لا تتعدى مساحته 364 كيلومترا مربعا، وفي لبنان 13.6%، وسوريا
11.5%، والأردن 9.5%، ومصر نحو 1%، أما العراق فاستحوذ على نحو 0.5% من إجمالي
مجموع اللاجئين عام 1948، وأغلب الذين تركزوا في العراق من قرى قضاء مدينة حيفا
الساحلية من عين غزال، وعين حوض، وكفر لام، وغيرها من قرى القضاء.
ومنذ بروز قضية اللاجئين قبل 66 عاما أصدرت هيئة الأمم المتحدة عشرات
القرارات التي تقضي بوجوب عودتهم إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم
نتيجة الطرد القسري وتدمير قراهم.
ورفضت "الدولة العبرية" على الدوام تنفيذ القرارات الصادرة عن
الشرعية الدولية، ومن أهم هذه القرارات القرار (194) الصادر عن الجمعية العامة
للأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 1948، والقرار (302) الصادر في الثامن من
ديسمبر/كانون الأول 1950، والقرار (512) الصادر في 26 يناير/كانون الثاني 1952.
هذا إضافة إلى قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة
اللاجئين إلى ديارهم وتعويضهم في أقرب فرصة ممكنة. ودخلت قضية اللاجئين
الفلسطينيين مرحلة جديدة بعد دخول منظمة التحرير الفلسطينية مفاوضات تسوية مع
"إسرائيل"، وتوقيع "اتفاقية أوسلو" في سبتمبر/أيلول 1993، إذ
أجّل المفاوضون من الطرفين قضية اللاجئين وغيرها من القضايا الجوهرية إلى مفاوضات
الوضع الدائم، وهكذا دخلت قضية اللاجئين في إطار عملية تسوية رسمتها الولايات
المتحدة وبدأت أولى خطواتها في العاصمة الإسبانية مدريد نهاية عام 1991.
ومنذ ذلك العام بدأت التصورات "الإسرائيلية" إزاء قضية
اللاجئين تظهر إلى العلن، سواء تلك الصادرة عن مراكز البحث
"الإسرائيلية"، أو أصحاب القرار في "إسرائيل"، وجميع تلك
التصورات تركز على عملية إعادة تأهيل اللاجئين وتوطينهم في الدول المضيفة، وترفض
تلك التصورات مبدأ مسؤولية "إسرائيل" عن بروز قضية اللاجئين وتبعاتها،
ولكنها في الوقت ذاته تعتبر أن حلَّ هذه القضية مدخلا لحل مجمل قضايا الصراع
العربي "الإسرائيلي"، هذا في وقت يؤكد فيه اللاجئون الفلسطينيون في
أماكن وجودهم المختلفة -وخصوصا خلال الذكرى السنوية لنكبتهم الكبرى- أن حق العودة
هو حق شرعي ولا يتقادم مع مرور الوقت.
اللاجئون عام 2014
يقدر عدد اللاجئين عام 2014 بنحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، منهم خمسة
ملايين لاجئ مسجلون في سجلات الأونروا، 42% يتركزون في الأردن، في حين تستحوذ غزة
على 22% من اللاجئين، والضفة على 16%، وينتشر 10% في سوريا داخل المخيمات وخارجها،
وكذلك الحال في لبنان. وتتفاوت نسبة المقيمين في المخيمات التي تديرها الأونروا في
مناطق عملياتها الخمس، لكن مخيمات قطاع غزة هي الأكثر كثافة واكتظاظا باللاجئين
الفلسطينيين، تليها مخيمات لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية.
ويتضاعف مجموع اللاجئين كل عشرين عاما نظرا لارتفاع معدلات الخصوبة لدى
المرأة اللاجئة، وبفعلها يتضاعف عدد اللاجئين خمس مرات منذ عام 1948، ولا بد من
الإشارة إلى أن هناك نحو 250 ألف لاجئ داخل الخط الأخضر، يشكلون نحو 20% من إجمالي
مجموع الأقلية العربية داخل الخط الأخضر خلال العام الحالي.
تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين من أهم القضايا المؤجلة إلى مفاوضات
الوضع الدائم بين الطرف الفلسطيني والطرف "الإسرائيلي"، ففي وقت ظهرت
فيه التصورات "الإسرائيلية" إزاء تلك القضية إلى العلن منذ عام 1991،
حصلت تحركات عدة بين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وداخل الأراضي الفلسطينية في
الضفة والقطاع، تدعو في إطارها العام إلى حشد الطاقات الفلسطينية المادية
والمعنوية والقانونية كافة، لمواجهة التعنت الإسرائيلي إزاء أهم قضية من القضايا
الناشئة نتيجة إقامة "إسرائيل" في ظروف دولية استثنائية عام 1948، فقضية
اللاجئين أصابت أكثر من ثلثي مساحة فلسطين التاريخية وكذلك النسبة الأكبر من الشعب
الفلسطيني.
التأريخ الشفوي
يلاحظ المتابع لشؤون القضية الفلسطينية منذ بروزها عام 1948، أن العرب
-ومن بينهم الفلسطينيون- لم يؤرخوا لحرب عام 1948 بشكل يرقى إلى حجم الكارثة التي
حلت بالفلسطينيين وهويتهم الوطنية، بيد أن ذلك لم يمنع في ذات الوقت من ظهور بعض
الكتابات العربية عن الحرب، لكنها بقيت في حدودها الدنيا، بعيدة عن العمل البحثي
الجاد من جهة، وغير قادرة على توصيل الحقيقة إلى خارج الحدود من جهة أخرى.
وذلك أمر جعل الرواية الإسرائيلية المزيفة للحرب -وما نتج عنها- تسود في
الغرب، على مستوى القرار ومنظمات المجتمع المدني -وإن بشكل أقل- وقد دفعت بهذا
الاتجاه قدرة إسرائيل على بناء تحالفاتها، التي مكنتها من الحفاظ على قوتها
المحلية: السياسية والعسكرية والدبلوماسية والإعلامية، وعززت ذلك المؤسسات
الصهيونية المختلفة، خاصة الوكالة اليهودية ورأس المال اليهودي المنظم لخدمة
الرواية والدعاية الإسرائيلية منذ قيام إسرائيل عام 1948.
في مقابل ذلك، باتت الضرورة بعد مرور 66 عاما على نكبة الفلسطينيين
الكبرى (1948-2014)، تحتم تسجيل ذاكرة أهل النكبة لتاريخ أهم مرحلة من مراحل
القضية الفلسطينية، ويتطلب ذلك تأسيس عمل مؤسسي فلسطيني حقيقي جامع وإعطاءه بعدا
عربيا، يتم من خلاله البدء في تسجيل ذاكرة كبار السن من اللاجئين الفلسطينيين.
وتتبوأ عملية تسجيل ذاكرة اللاجئين الفلسطينيين أهمية خاصة لأسباب عديدة،
في المقدمة منها ضرورة ذلك لأن نسبة الذين سيتم استطلاع رأيهم وتسجيل ذاكرتهم لا
تتعدى 3% من مجموع اللاجئين الفلسطينيين، وهي نسبة اللاجئين الفلسطينيين الذين
تتجاوز أعمارهم 75 عاما، وإن تأجيل عملية التسجيل عبر عمل مؤسسي وليس فرديا -كما
هو حاصل حتى اللحظة- سيجعلنا نعتمد في كتابة تاريخنا على ما يؤرخ له الإسرائيليون،
حيث سادت حتى اللحظة الرواية الإسرائيلية لحرب عام 1948 وتداعياتها، وكذلك عمليات
طرد العرب والسيطرة على أرضهم.
وكباحث شارك منذ عام 1982 وحتى نهاية عام 2007 في المسوح الميدانية لمكتب
الإحصاء الفلسطيني في مناطق وجود اللاجئين المختلفة، لمست أهمية تسجيل الذاكرة
والتأكيد على ذلك من قبل شرائح فلسطينية عديدة، خاصة عند الحديث عن النكبة والقرية
والأهل قبل عام 1948، حيث يرى الكثيرون أن الذاكرة ستشطب بعد سنوات بفعل التقدم في
السن، وتراجع نسبة من هم قادرون على تسجيل ذاكرتهم من اللاجئين الفلسطينيين.
ووفق رأي شخصي، يمكن القول إن كافة الأعمال التي تمت لتسجيل ذاكرة
اللاجئين في كافة أماكن وجودهم حتى بداية العام الحالي 2014، إنما هي من قبيل
التجربة القبلية، خاصة في ظل عدم بروز مؤسسة متكاملة للقيام بذلك عبر تجميع الجهود
وتوحيد الأهداف والرؤى.
الجزيرة نت، الدوحة، 21/5/2014