الوضع القانوني لفلسطينيي العراق
بقلم: محمد المحمدي
من أهم عوامل استقرار اللاجئين في الدول التي يعيشون فيها، وضوح القوانين التي ترعى إدارة حياتهم وتنظم العلاقة بينهم وبين الدول التي تستضيفهم. وما تدهور أحوال اللاجئين الفلسطينيين في العراق إلا نتيجة لغياب القانون عن التطبيق في هذا البلد، "العراق الجديد"، ما جعل الفلسطينيين في العراق في مهبّ الريح، فيما كان اللاجئون من قبل يعيشون بأمان، لا لأنهم من أعوان النظام السابق كما يروّج الشعوبيون والطائفيون في العراق، بل لأن القانون كان محترماً في العراق.
وربما بات من الضروريات في هذا الوقت أن يتداعى المهتمون بالشأن الفلسطيني لصياغة معاهدة دولية تنظم حياة اللاجئين الفلسطينيين مع الدول التي تستضيفهم، وخصوصاً في المنطقة العربية التي تجري فيها إعادة صياغة للمواقف تجاه القضية الفلسطينية؛ فلا يعقل أن يكون الخاسر الأول من أي تغيير سياسي في المنطقة هو الفلسطينيين.
مَن المسؤول عن اللاجئين الفلسطينيين في العراق؟
أولاً: وزارة المهجرين والمهاجرين
نص النظام الداخلي لهذه الوزارة التي نشأت بعد احتلال العراق على أن اللاجئين الفلسطينيين في العراق هم إحدى الفئات التي ترعاهم هذه الوزارة، وتملكت هذه الوزارة كل الملفات التي كانت موجودة في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية – مديرية شؤون الفلسطينيين في النظام السابق، وأصبح كل فلسطيني لا يملك ملفاً في هذه الوزارة لا يُعَدّ من فلسطينيي عام 1948 الذين تطبق عليهم القوانين العراقية التي صيغت لهذه الفئة.
ثانياً: وزارة الداخلية – مديرية الإقامة
وهذه المديرية هي أكثر مكان يراجعه اللاجئ الفلسطيني في العراق؛ فهي مسؤولة عن إقامة اللاجئ بصورة رسمية؛ فمن ليس لديه ملف في هذه المديرية، تكن إقامته في العراق غير شرعية. وهذه المديرية مسؤولة عن إصدار وثائق السفر العراقية، وهي المسؤولة عن إصدار هويات الإقامة للفلسطينيين من غير فئة فلسطينيي عام 1948، وهي المؤثر الأقوى في حياة اللاجئين، والتعليمات التي يتعامل وفقها اللاجئ الفلسطيني هي نفسها التي كانت متَّبَعة في النظام السابق إلى حد كبير.
ثالثاً: وزارة الداخلية – اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين
وهذه اللجنة مسؤولة عن كل اللاجئين الموجودين على أرض العراق، ومنهم الفلسطينيون. وتطبق هذه اللجنة القانون الـ51 الصادر عام 1971 على اللاجئين الفلسطينيين، وهو قانون اللجوء السياسي، وهو قانون لا يمتّ إلى الوضع الفلسطيني في العراق بأي صلة، ولا يمكن تطبيقه عليهم، لما يحويه من فقرات تخالف طبيعة وجودهم التاريخية في العراق الممتدة لأكثر من ستين عاماً، وتخالف ثوابت القضية الفلسطينية وآلية التعامل معها كقضية شعب سلبت أرضه فاستضافته دولة عربية ونقلته إلى أرضها بسياراتها لحين تحرير فلسطين. وهذا الأمر فيه ما فيه من علامات الاستفهام، ابتداءً بإدراج اللاجئين الفلسطينيين في العراق ضمن الفئات التي تشرف عليهم هذه اللجنة، وانتهاءً بما يمكن أن يستخدَم من بنود هذا القانون في التضييق على اللاجئين. إلا أن هذا القانون هو الذي اعتمد لإصدار الهويات التعريفية للاجئين في العراق، ومنهم الفلسطينيون.
أصدرت هذه اللجنة هويات تعريفية للاجئين الفلسطينيين، وهي ذات لون أحمر وتعني أن حاملها قد قبل بصفة لاجئ في العراق "الجديد" وكأنه تقدم بطلب لجوء إلى العراق الآن، فيما بين الفلسطينيين من يحمل هويات صفراء من الذين دخلوا إلى العراق عام 1967 أو في السبعينيات أو الثمانينيات أو الذين دخلوا العراق بعد أحداث الكويت. وهؤلاء يُعَدّون طالبي لجوء، وليسوا لاجئين.
صحيح أن هذه الهوية هي التعريف الرسمي للاجئين الفلسطينيين، وهي التي يكون التعامل بها مع دوائر الدولة في المعاملات الرسمية، وهي المعتمدة في نقاط التفتيش المنتشرة بكثافة في العراق في هذا الزمن، ولكنها في الوقت نفسه لا تمثل الإقامة الشرعية للفلسطيني الذي يجب أن يكون لديه ملف في مديرية الإقامة. أما مَن هم مِن حملة الهويات الصفراء، فهؤلاء يجب أن تصدر لهم هويات إقامة عن مديرية الإقامة تجدَّد سنوياً.
الغريب والعجيب أن مديرية الإقامة لا تعترف بالهويات التي تصدر عن اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين، علماً بأنها تتبع لوزارة الداخلية؛ فمديرية الإقامة تطلب من الفلسطيني المتقدم للحصول على وثيقة السفر أو الذي ينوي فتح ملف جديد في المديرية أن يثبت أنه من فلسطينيي عام 1948 بكتاب صادر عن وزارة المهاجرين والمهجرين، فيما الهوية الحمراء الصادرة عن اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين، وهي الهوية التعريفية الرسمية للاجئ الفلسطيني، لا تصدر أيضاً إلا بالإثبات نفسه عن وزارة المهاجرين والمهجرين. ورغم ذلك، لا تعترف مديرية الإقامة هذه الهوية ولا بإثباتها للاجئ الفلسطيني بأنه من فئة 1948.
القانون 51 لعام 1971
صدر هذا القانون في زمن الرئيس الراحل أحمد حسن البكر، ويتعامل فيه مع اللاجئين السياسيين الذي يلجأون إلى العراق. ولم يطبق هذا القانون على الفلسطينيين منذ إصداره لغاية عام 2008، عندما طُبِّق على اللاجئين الفلسطينيين بحجة أنه القانون الوحيد الذي من الممكن أن تصدر من خلاله هويات تعريفية للفلسطينيين في العراق، متجاوزين حقيقة أن الفلسطيني ليس لاجئاً سياسياً في العراق، ولم يلجأ إلى العراق بإرادته، ولا يرغب في البقاء في العراق بإرادته، ومتجاوزين كذلك التعليمات المتبعة في زمن النظام السابق في آلية إصدار هويات الإقامة الدائمة التي ميزت الوجود الفلسطيني وأعطت? إقامة دائمة لحين تحرير أرضه. بيد أن التعليمات السابقة هي المتبعة في التعامل مع اللاجئ الفلسطيني باستثناء هذه الجزئية الخطيرة والمهمة.
القانون 202 لعام 2001
في عام 2001 صدر عن مجلس قيادة الثورة في العراق قرار يعامل فيه الفلسطيني معاملة العراقي في الحقوق والواجبات، باستثناء الحصول على الجنسية. ورغم أن هناك قرارات قريبة من مضمونه سبقته، وصدرت في زمن النظام السابق، إلا أنها كانت تحتمل التأويل، وهذا أول قرار واضح ولا يحتمل التأويل يعامل فيه الفلسطيني معاملة العراقي. لكنّ الفلسطينيين لم يستفيدوا منه؛ بسبب ما حصل من احتلال للعراق في عام 2003، لتاتي الحقبة الجديدة التي ظُلم فيها الفلسطينيون أيما ظلم، حتى أُعيد تفعيل هذا القانون بتعليمات من مجلس شورى الدولة ومن رئاسة ?لوزراء في عام 2010.
المشكلة أن كل مفصل من مفاصل الدولة العراقية "الجديدة" يحتاج إلى معركة من المراجعات ومن كتب التوضيح حتى يقبل التعامل مع هذا القرار، وبالتالي فإن القرار عملياً يطبق وفق المزاج الذي يحمله الموظف تجاه الفلسطيني الذي يراجعه؛ فمنهم من يرفض التعامل بهذا القرار، ومنهم من يتعامل به على استحياء، ومنهم من يقبله بمهنية... إلخ من الأصناف. ولأن القانون في العراق في حقبة ما بعد الاحتلال إلى الآن غير محترم، فإنّ هذا ينعكس على التعامل القانوني مع اللاجئين الفلسطينيين ويفقد هذا القانون المهم قيمته.
وثيقة السفر العراقية
وثيقة السفر العراقية تصدر للفلسطيني من فئة 1948 أو من يحصل على موافقة خاصة من الفئات الأخرى، وفق تعليمات صدرت في ستينيات القرن الماضي.
شكل الوثيقة بدائي جداً، وتكتب بخط اليد، وفيها مشاكل كثيرة في التصميم، منها على سبيل المثال لا الحصر أنّ صورة حامل الوثيقة في صفحة واسمه في صفحة أخرى.
الوثيقة صالحة لمدة عام من تاريخ صدورها، تجدَّد سنوياً وينتهي العمل بها كلياً خلال خمس سنوات. ويجب على اللاجئ أن يروّج معاملة إصدار وثيقة جديدة بعد هذه السنوات الخمس.
معظم السفارات العراقية في الخارج لا تتعامل مع الوثيقة العراقية من حيث تمديدها أو تجديدها، ولا تعدّ حاملها من الرعايا العراقيين، رغم أنها تصدر باسم وزير الخارجية العراقي.
الوثيقة لا يسمح لها بدخول كل الدول العربية إلا بموافقات أمنية نسبة حصولها تقترب من الصفر.
خاتمة
إن سبب عدم حصول الاستقرار القانوني للاجئين الفلسطينيين في العراق، رغم وجود الأرضية المناسبة متمثلة في القانون 202 لعام 2001، يعود إلى عدم احترام القانون وعدم تطبيقه على الجميع من دون تمييز، إضافة إلى الجو العام في العراق والكاره للوجود الفلسطيني نتيجة التحشيد الذي يقوم به الطائفيون والشعوبيون في العراق.
المصدر: مجلة العودة العدد 51