القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

الوطن البديل - يحيى محمود

الوطن البديل
الثلاثاء، 05 تموز، 2011

من المفارقات المثيرة للانتباه ان هاجس يهودية الدولة، الذي وضعه رئيس الوزراء الاسرائيلي على راس قائمة شروطه للوصول الى حل سلمي للقضية الفلسطينية، يتزامن مع ازمة لا يستهان بابعادها المستقبلية تهدد هذا الهاجس من داخل المجتمع الاسرائيلي نفسه.فهناك الاراء الاسرائيلية التي ترى بان مثل هذا الشرط للاعتراف بيهودية الدولة لاقيمة واقعية له في ضوء الكثافة السكانية الفلسطينية المتزايدة داخل اراضي عام 48. كما ان الارقام التي يجري الكشف عنها تباعا

بخصوص الهجرة اليهودية الى اسرائيل والهجرة المضادة منها تقدم مؤشرا مهما على طبيعة المأزق الذي لاتوجد اجابة عليه لدى الإسرائيليين. ووفقا للارقام المنشورة مؤخرا فان حجم المهاجرين في الاتجاهين وصل تقريبا الى نقطة التعادل، بعد ان كان قد شهد فورات متتالية خلال العقود الماضية لصالح الهجرة الى اسرائيل.كما ان الارقام كشفت ايضا عن تصاعد وتيرة سعي مئات الالوف الجديدة من الاسرائيليين للحصول على جنسيات اميركية واوروبية تحوطا من المجهول الذي قد يهدد اسرائيل كدولة، وبرسم ضمان توفير وطن بديل يلجأون اليه حال تدهور الاوضاع.

ومن يتمعن بتوقيت الكشف عن هذه الارقام يلحظ انه يأتي واسرائيل تعيش ذروة قوتها الاقتصادية العسكرية الأمنية، الامر الذي يؤشر الى مدى هشاشة بنيتها السكانية، وامكانية توظيف هذا الضعف الاسرائيلي لصالح القضية، التي لم يحشد من اجلها في المقابل القوة المتناسبة مع الامكانات الفلسطينية والعربية الحقيقية منذ كانت القضية.وفي ضوء صحوة التغيير التي تشهدها المنطقة العربية، وفلسطين بضمنها، فان تجدد الآمال بامكان تعديل موازين القوى المختلة مع اسرائيل في جوانبها المختلفة اصبح امرا ممكنا وليس بالضرورة ان يتركز هذا التعديل على القوة العسكرية في المدى المنظور.ومن الواضح ان الاسرائيليين يرقبون بقلق شديد عاصفة التغيير التي تجتاح المنطقة وتتسارع مؤشرات هبوبها باتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة.

وبالنظر الى ان التقارير الاسرائيلية لاحظت زيادة حركة الهجرة الى الخارج وتصاعد وتيرة البحث عن جنسية بديلة، في توقيت متزامن مع انطلاق ثورات التغيير العربية، فان الوعي الفلسطيني العربي على قيمة الطاقات الكامنة لديهم والمقلقة جدا للاسرائيليين سيسهم في توظيف هذه الطاقات لزيادة الضغوط التي تخدم القضية وانتشالها من مستنقع الركود، الذي اغرقتها فيه سياسات النظام العربي الفلسطيني الاخذ بالافول، والسياسات الاسرائيلية التي ارادت في افضل الاحوال اختصار القضية باقامة الدويلة الفلسطينية المجردة من مقومات الدولة بدون حل مقبول لقضيتي القدس واللاجئين. وطالما ان الاسرائيليين يتحوطون للوطن البديل في اميركا واوروبا، وهم في ذروة قوتهم واستقرار دولتهم وازدهارها، فلنا ان نتخيل ما يمكن ان يشهده مسرح الاحداث من تطورات مع البدء بالتوظيف الحقيقي للطاقات الفلسطينية العربية الكامنة وبدون الحاجة لاطلاق رصاصة واحدة باتجاه الحدود مع اسرائيل.ومثل هذا التوظيف لم يعد حلما بعيد المنال بعد ان دخلت المنطقة العربية وبضمنها فلسطين مرحلة تحول تاريخي يمضي متسارعا الى غاياته في اقامة نظام عربي جديد يثير قلق الاسرائيليين وتؤكده ارقامهم حول بحثهم عن وطن بديل واصوات انقسامهم المرتفعة حول طبيعة السلام الذي يريدون.

المصدر: جريدة الرأي الاردنية -  يحيى محمود