القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

اليرموك غراد

اليرموك غراد

المحامي ناصر السعدي

اليرموك.. هذا المخيم القابع في قلب العاصمة السورية دمشق على ضفافها الجنوبية، ويعتبر أهم مخيمات اللجوء الفلسطيني في الجمهورية السورية بل أكبرها على الإطلاق، وهو الشاهد وأحد إرهاصات نكبة فلسطين ومأساتها كباقي أشقائه من مخيمات اللجوء الفلسطينية على امتداد تواجدها على وجهة هذه المعمورة.

منذ بدايات الأزمة السورية الحالية ونحن الآن على أعتاب إتمام سنواتها الثلاث من عمرها كان الموقف الفلسطيني الممثل بفصائله الفاعلة والموقف الشعبي أيضاً يقف عند سياسة عدم التدخل في الأزمة السورية، باعتبارها أزمة داخلية، وتطبيقاً لمبدأ عدم التدخل بالشأن الداخلي للدول، والتزام الحياد بأقصى درجاته بل كان في كثير من الأحيان حياداً إيجابياً من خلال التوسط بين أطراف النزاع في تلك الأزمة من دافع مصلحة سوريا الدولة والكيان وسوريا فقط، وتمثل ذلك في أكثر من مناسبة ليس هنا صلة لعرضها بإسهاب وتعدادها، وبالفعل كان الوجود الفلسطيني على الأرض السورية يتخذ موقف الحياد، وكان ذلك في بدايات الأزمة في المخيمات الفلسطينية العشرة الممتدة من درعا جنوبا إلى حلب شمالا، ومن اللاذقية غرباً إلى الحدود العراقية السورية شرقاً، حيث إن هذا الموقف والقرار لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة تجارب مريرة للشعب الفلسطيني في أكثر من مناسبة أهمها الساحة اللبنانية، وقد دفع الوجود الفلسطيني وقواه الفاعلة هناك ما دفع من كلف وأثمان ولا ننكر أن التدخل الفلسطيني في الأزمة اللبنانية في منتصف سبعينيات القرن الماضي قد أوقعه في أخطاء، والذي بدوره ساهم بشكل أو بآخر بإضعاف الموقف الفلسطيني وصورة قضيته تجاه مسيرة الصراع التاريخي مع الدولة العبرية، وفي باكورة ذلك صب في مصلحة هذا الكيان وصورته لدى الدوائر الفاعلة في الدول الكبرى وأبعد فلسطين الأرض والتاريخ. هذه المرة وبمناسبة الأزمة السورية تم إقحام الوجود الفلسطيني في سوريا في أزمتها، وما زالت من خلال حروب الآخرين على الأرض السورية، رغم اعتماد الحياد بل الإصرار عليه وهو موقف سياسي بامتياز وبهذا السياق لا تنحصر مشكلة الوجود الفلسطيني في الصراع في سوريا فقط على مخيم اليرموك بل تكاد تشمل كافة المخيمات الفلسطينية المعترف بها دولياً من خلال هيئاتها ذات الصلة (الممثلة بوكالة الغوث) او التجمعات الفلسطينية غير المعترف بها ضمن معايير تلك الوكالة، إلا إن اليرموك يمثل رمز هذه المأساة وباكورته في سوريا لعدة عوامل أولها: وجود هذا المخيم في قلب العاصمة السورية دمشق، ثانيا: لكبر حجمه، حيث يعتبر هذا المخيم اكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا ويعتبر عاصمة لها، ثالثا: الموقع الإستراتيجي لهذا المخيم المنكوب الواقع على خط التماس بين القوات المصطرعة على شقي معادلة الصراع النظام وقواته وفرقه العسكرية من جانب والمعارضة السورية على تعدد أهوائها واتجاهاتها وعقائدها على الجانب الآخر.

اليرموك.. هذا وما شهده ويشهده من مأساة العصر من تقتيل وجوع وحصار وتجويع على مرئى ومسمع من العالم اجمع، في زمن الفضائيات ومقاربة ما حصل في مدينة ستلن غراد وهو الاسم لهذه المدينة زمن روسيا السوفيتية، ان الأخيرة كان شعبها يدافع عن تراب روسيا من الغزو الجيش الألماني الهتلري في حقبة الحرب العالمية الثانية، حيث دافع شعبها ببسالة وذاقت ما ذاقته وكان يقف وراء تلك المدينة دولتها الاتحاد السوفيتي آنذاك بكل إمكانياتها وما وراءها من حلف الحلفاء الممتد من الولايات المتحدة غربا إلى الصين شرقا مرورا بالدول الأوروبية وأهمها بريطانيا وفرنسا، بالمقابل نجد اليرموك وشعبه صامداً في وجه اقتتال الآخرين ضمن معادلة الصراع في سوريا دون ان يكون طرفا فيه او الاصطفاف مع احد الفرقاء بل التزم الحياد وما زال وحيداً في وجهة الأمواج المتلاطمة للأزمة بدون دعم دولي أو إقليمي فاعل ومترجم على الأرض يخفف من وطأة معاناته هو وأشقائه من المخيمات الفلسطينية على الأرض السورية باستثناء بعض المبادرات التي لم تصمد كثيرا في وجه معادلة الصراع هناك التي كان ينقصها وما زال إرادة دولية او اهتمام بقضية هذا المخيم وأشقائه وما زال مسلسل المأساة مستمرا منتظرا عدالة الأرض.

المصدر: السبيل