اليرموك
وخيش أكياس الأونروا
بقلم:
علي بدوان
كانت
أكياس الطحين التي كانت توزعها وكالة الأونروا، زاداً ثميناً لكل لاجئي فلسطين في
سورية ضمن الإعاشة الشهرية التي كانت تُقدم لكل عائلة وفق عدد أنفارها. كما كانت
معها باقي المواد الغذائية هي الزاد المُساند في توفير جزءاً هاماً من مستلزمات
الحياة المعيشية اليومية لكل أسرةٍ فلسطينية.
لكن
الملفت للأمر هنا أن خيش أكياس الأونروا، كانت بدورها مادة جيدة لمختلف
الإستعمالات اليومية، وقد وصلت لحدود صناعة الملابس الداخلية منها، وشورتات
الرياضة لأطفال اليرموك وعموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية وحتى في لبنان،
حيث سبق وأن أورد الشهيد ناجي العلي بعضاً من ذكرياته عن أكياس خيش الأونروا في
أزمنة اللجوء الأولى في مخيم عين الحلوة عبر نصوصٍ من المقابلات التي كان قد
أجراها قبل إستشهاده.
خيش
أكياس الأونروا تعددت في ماركاتها ومنشأها، وفق البلد الذي تأتت منه تلك المساعدات
العينية التي كانت تتبرع بها بعض دول العالم لوكالة الأونروا من أجل توزيعها على
اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة كندا والولايات المتحدة واستراليا ..
لقد
كانت شورتات الرياضة لأطفال مخيم اليرموك وغيره، والمُصنعة من خيش أكياس طحين
الأونروا مدموغة على نسيجها بدمغات تلك البلدان، ولكلِ طفلٍ حظه، فهذا الطفل يرتدي
شورت مدموغ بدمغة أمريكية، وأخر بدمغة كندية، وذاك بدمغة أسترالية، لكن الدمغة
الأكثر إنتشاراً كانت هي الدمغة الكندية نظراً للمساهمة الأكبر لكندا في تقديم
مساعدات الطحين لوكالة الأونروا.
زمن
أكياس طحين الأونروا، وخيش أكياس الطحين، هو زمن العراك الصعب، الذي شق فيه شعبنا
الفلسطيني اللاجىء في سورية وعموم دياسبورا المنافي والشتات طريقه الوعر بالإصرار
والكد والتعب والعمل. إنه الزمن الجميل الملىء بالأحلام الوردية المشروعة لشعبٍ
مازال بالرغم من كل المصاعب والإلتواءات مصمماً على التمسك بحلمه الوطني المشروع
وإن ضاقت آفاق المرحلة أمامه.
زمن
أكياس طحين الأونروا، وخيش تلك الأكياس، زمن الأمهات الجميلات، الكادحات،
الصبورات، زمن الأمهات التي لم تعرف الواحدة منهن معنى المستحيل. فكان عليها
القيام بأعمال شاقة فجر كل يوم لعائلة متوسط أفرادها يفوق العشرة أنفار، من عجن
الطحين وإعداده، وغسل الملابس بـ (اللجن) .. وتأمين ذهاب الأطفال والفتيان للمدارس
ومراكز التعليم التي أقبل عليها الفلسطينيون بشكلٍ إستثنائي.
في
هذا السياق، نقش الفنان الفلسطيني عبد عابدي المقيم على أرض فلسطين في وادي النسناس
في حيفا، بعضاً من تلك اللحظات عبر معرضه الفني قبل فترة قصيرة تحت عنوان : عودة
الطائر بأكياس الأونروا، وذلك في مدينة رام الله في قاعة زاوية السبت. ونرفق عملاً
من أعمال المعرض.