علي بدوان
لا أحد من سكان مخيم اليرموك، وحتى من دمشق،
لايعرف (شارع لوبية) بمخيم اليرموك. فالمعرفة والشهرة لهذا الشارع تأتت من ثلاثة أسباب.
أولها أنه يقع في منتصف مخيم اليرموك تماماً، واصلاً بين شارعي اليرموك وفلسطين، وهما
الشارعان الرئيسيان في اليرموك، ومنه على جنباته وعلى طول إمتداده تتفرع العديد من
الشوارع الفرعية التي تحمل مُسميات فلسطينية خالصة. وثانيها أن هذا الشارع بات ومنذ
زمن طويل سوقاً تجارياً عريقاً يضاهي في حجم مبيعاته وتبادله التجاري أرقى وأعرق أسواق
دمشق كسوق الحميدية وسوق الحمرا. وثالها وجود عدد من المؤسساتية الخدمية والمجتمعية
والمكاتب في هذا الشارع أو على إمتداداته وتفرعاته.
جائت تسمية هذا الشارع باسم (شارع لوبية)
لوجود غالبية سكانية في الأبنية المقامة على جنباته تنمتي لبلدة (لوبية) الفلسطينية
المدمرة منذ عام النكبة، والتابعة لقضاء مدينة طبريا داخل حدود فلسطين المحتلة عام
1948. وهو عُرف سارت عليه اللجنة المحلية لمخيم اليرموك (البلدية) منذ عام 1961 بتسمية
الشوارع الرئيسية والفرعية في المخيم بأسماء فلسطينية. لكن كثافة (اللوابنة) في هذا
الشارع تراجعت بفعل عملية التطور الديمغرافي في اليرموك، وتوالد حالات الإنتقال السكاني
والتوسع العمراني، والتحوّل المُتدرج لغالبية المباني لمحال تجارية ومكاتب وغيرها،
ومع هذا بقيت تُقيم في المنطقة إياها عشرات العائلات الفلسطينية المنتمية لبلدة لوبية.
ففي ساحة المخيم الرئيسية سابقاً (قرب سينما النجوم) وهي نقطة تقاطع شارع لوبية مع
شارع فلسطين مازالت تتركز غالبية (لوبانية) مع محلاتها التجارية.
قامت النهضة التجارية لهذا الشارع مع بداية
العام 1970 تقريباً، لكنها تعاظمت بشكل كبير، مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، حيث
شَهِدَ الشارع قيام المحلات التجارية التي حولته لسوق تجاري ضخم، ومتنوع في عروضه من
محلات الملابس والأزياء والكهربائيات وصولاً لمحلات الصاغة، فكل شيء تحتاجه تجده في
محلات هذا الشارع. وكان بداية تلك المحلات : محلات كرزون ومحلات الخالد وهكذا ... حتى
بات الإخوة السوريين من تجار دمشق يملكون نصيباً وافراً من تلك المحلات التجارية.
وفي هذا السياق، بَرَعَ أهالي بلدة لوبية
في الأعمال التجارية وأعمال التعهدات، وأمتلكوا الجرأة والإقدام في الدخول بعوالم التجارة،
وراكموا خبرات كبيرة في هذا الشأن. وأستطاعوا بالتالي تحسين أوضاعهم الحياتية من كافة
الجوانب خصوصاً منها الجانب الإقتصادي، وهو ما أنعكس على وضع محالهم التجارية على إمتداد
شارع لوبية وعلى جنباته، وعلى تطوير الشارع ذاته حتى غدا بحلته قبل محنة اليرموك الأخيرة
: سوقاً تجارياً ضخماً في مخيم اليرموك، وشعبياً في الوقت نفسه لكل طالبي البضائع الجديدة
والمعقولة في أسعارها من عموم مواطني دمشق ومحيطها.
وبمناسبة الحديث عن (شارع لوبية) نشير بأن
غالبية سكان هذه البلدة الفلسطينية لجؤا لسوريا عام النكبة بنسبة تقارب (70%) منهم،
غالبيتهم تقيم في مخيم اليرموك، فيما لجأ الى لبنان نحو (20%) منهم غالبيتهم في مخيمي
البص والبرج الشمالي في مدينة صور، ومخيم ويفل (قرب بعلبك)، وتوزع الباقي في مختلف
مناطق الشتات، فيما بقيت منهم أعدادٌ قليلة جداً داخل فلسطين المحتلة عام 1948، وهم
يقيمون كلاجئين في أماكن عديدة من شمال فلسطين مثل دير حنا والمكر والناصرة وكفر مندا
..
اللوابنة في اليرموك، تراث يرموكي بإمتياز،
إصطبغوا بصفات ذات طابع وبعد إجتماعي (موروثة متوارثة) وبعضها مستحدثة (ففي كل عرس
لهم قرص) على حد تعبير المثل الشعبي الفلسطيني. عدا أنهم يبدعون في لهجتهم ولكنتهم
المترافقة بحرف (القاف) والألقاب والأسماء المترافقة بــ (آلــ التعريف)، وبمزايا لها
علاقة بتراث البلدة منذ أيام فلسطين. وكما يشير لنا إخوتنا اللوابنة، فإن حمائل تلك
البلدة عديدة، ومنها : العطوات، الشهابية، العجاينة، الشناشرة، العوايدة، الفقرا،
.. ومن عائلاتها المتواجدة في مخيم اليرموك : الشهابي، اليوسف، الرفاعي، يونس، العاصي،
، ابو دهيس. خليل، المهرجي، الصمادي، عودة، العايدي، عايد، محمد، الكيلاني، كرزون،
الخالد، الكفري، فريج، حجو، رشدان، هدروس، عطية، حماده، جوده، بكراوي، العموري، رشراش،
الديراوي، حمدان ... اليرموك سيعود كما كان، وشارع وسوق لوبية التجاري وكل شوارع اليرموك
وأسواقه التجارية ستعود أفضل مما كانت عليه قبل محنة اليرموك، والمسألة هنا مسألة وقت
لا أكثر. فالشعب فلسطيني وأبناء مخيم اليرموك من قومٍ يقومون وينهضون من بين الركام
أشد صلابة مما كانوا عليه قبل كل مصيبة تنزل على رؤوسهم.