انتخابات بيرزيت والمشهد الفلسطيني
بقلم: ماجد عزام
لم تنته تبعات نتائج الانتخابات الطلابية في جامعة
بير زيت وتداعياتها، كون دلالاتها السياسية من الأهمية بمكان، بحيث لا يمكن تجاهلها،
أو تجاوزها ببساطة. ومن هنا، عقدت اللجنة المركزية لحركة فتح اجتماعاً عاصفاً، مساء
الاثنين 27 إبريل/نيسان، خصصته لمناقشة أسباب الهزيمة في بير زيت وخلفياتها. وشهد الاجتماع
تقديم مسؤول التعبئة والتنظيم، محمود العالول، استقالته التي رفضتها اللجنة. وفي المقابل،
كلّفته برئاسة لجنتين، الأولى لمناقشة الوضع التنظيمي، وتحديداً في ضوء ما جرى في الجامعة
العريقة، والثانية لمناقشة الوضع الفتحاوي بكل مستوياته وتشعباته. وضمت قادة كبارا
من الحركة من أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري، على حد سواء.
كانت المقدمة السابقة ضرورية، للتأكيد على أهمية
ما جرى في انتخابات بير زيت، مع العلم أن الأمر لم يكن يحتاج، أصلاً، إلى نقاش أو جدل.
ففي مجتمع مسيّس، مثل المجتمع الفلسطيني، كل الانتخابات النقابية تحمل مضموناً، أو
جوهراً سياسياً، لا يمكن إنكاره، كما أن الشريحة الشبابية الطلابية تصوّت، في العادة،
حسب مزاجها السياسي، وبغض النظر عن الأبعاد النقابية للامتحان الانتخابي.
للتذكير، أسفرت الانتخابات عن فوز حركة حماس بـ26
مقعدا من أصل 51 (3000 صوت) وفتح بـ 19 مقعدا (2000 صوت) والجبهة الشعبية بخمسة مقاعد
(600 صوت) وتكتل يساري صغير بمقعد واحد، ومع الأصوات اللاغية والبيضاء بلغت نسبة التصويت
77%، وبمقاطعة بلغت 23% تقريباً، وهي نسبة لافتة، قياساً إلى الانتخابات الطلابية التي
تشهد، في العادة، إقبالاً كثيفاً.
بناء على ما سبق من معطيات وأرقام، يمكن تقديم
قراءة سياسية للانتخابات، على النحو التالي:
حازت حركة حماس على ثلث أصوات الطلاب، بينما حازت
فتح على 22% تقريباً، أي أن الحركتين حصلتا معاً على 55%، وهي نسبة قريبة من حجم شعبيتهما
أو جماهيرتهما في الشارع، والتي تقارب 60%. وبينما حصل اليسار على سبعة ونصف في المائة
من الأصوات، وهي، أيضاً، نسبة قريبة لشعبيته في الشارع، ما يعني أن ثلث الكتلة الانتخابية
في الجامعة والشارع، بشكل عام، يقاطع أو يصوت بورقة بيضاء، باحثاً عن خيار أو طريق
ثالث، ما زال غير متوافر حتى الآن، على الرغم من الانقسام والأزمات العاصفة التي يعيشها
المشروع الوطني الفلسطيني بشكل عام.
حققت الحركة الإسلامية انتصاراً صريحاً لا يمكن
الجدال فيه، قياساً إلى التضييق على الحريات العامة والخاصة والملاحقات التي تتعرض
لها في الضفة الغربية (الوضع ليس أفضل حالاً في غزة)، وحازت نسبة تتجاوز حجم شعبيتها
أو جماهيريتها في الشارع، ولا يمكن إنكار أن جزءاً من التصويت كان ضد حركة فتح وخياراتها،
إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة التصويت السياسي لصالح حماس وخياراتها، وتحديداً خيار المقاومة،
بأشكاله كافة، الذي يراه الفلسطينيون الأفضل لانتزاع الحقوق، خصوصاً مع السياسات الإسرائيلية
المتغطرسة وغير المبالية بهم.
في المقابل، لا يمكن إنكار الخسارة التي تعرضت
لها "فتح" في معقلها الرئيس، ومركز ثقلها، أي الضفة الغربية، وللهزيمة أبعاد
أو جوانب مختلفة، تتعلق بالوضع التنظيمي المهترئ والانقسامات والتباينات العاصفة بالحركة.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل البعد السياسي، كون التصويت مثّل اعتراضاً، أو رفضاً للخيارات
السياسية التي تتبناها الحركة، والتي وصلت إلى طريق مسدود عاجزة عن تحقيق أهدافها المعلنة
بإقامة الدولة المستقلة كاملة السادة، والتي عاصمتها القدس، ضمن حدود يونيو/حزيران
67 مع حلّ عادل لقضية اللاجئين، وفق القرارات الدولية ذات الصلة.
كان اليسار بلا شك خاسراً رئيسياً في معركة بير
زيت التي مثّلت، تاريخياً، أحد قلاعه الرئيسية في الضفة الغربية، وأي نتيجة غير الحصول
على عدد من المقاعد يمنع "حماس" أو "فتح" من تشكيل الهيئة القيادية
للاتحاد الطلابي بشكل منفرد، تعتبر خسارة لا يمكن الجدال فيها، ونسبة السبعة ونصف في
المائة متدنية تظهر، في الحقيقة، واقع حال اليسار في الجامعات، كما الشارع الفلسطيني
بشكل عام، و إذا ما أراد التحوّل إلى لاعب رئيسي لا يمكن تجاوزه أو تجاهله، أو إلى
بيضة القبان بين الحركتين الكبيرتين، فعليه التوحد وتقديم برنامج موحد سياسي اقتصادي
اجتماعي، يلامس حاجات الناس ومشكلاتهم بعيداً عن الأيديولوجيا والخطابات الفارغة، وتقديم
خيار أو طريق ثالث للناس. المهمة صعبة وشاقة، نعم، لكنها بالتأكيد ليست مستحيلة.
كانت حركة الجهاد الإسلامي الغائب الأبرز عن انتخابات
بير زيت والانتخابات الطلابية الأخرى في جامعات الضفة، في السنوات الماضية، وهي عجزت
عن تشكيل لائحة مستقلة، أو حتى فرض حضورها لدفع حماس، أو أي من المتنافسين للتحالف
والتنسيق معها، وهذا غير مستغرب أو مفاجئ، كون الحركة تفتقد إلى بنى وأطر مؤسساتية
وتنظيمية في الضفة الغربية، أو في الخارج مع تنظيم ذي بعد أو جوهر عسكري في غزة، وإذا
ما تواصل واقع الحركة التنظيمي، كما هو حاصل الآن، معطوفاً على استمرار التهدئة، بأشكالها
ومسمياتها المختلفة في الضفة وغزة، ومع التطورات الإقليمية العاصفة، والسقوط الحتمي
للنظام السوري الذي بات، في الحقيقة، مسألة وقت فقط، فإن الحركة التي حملت، ذات يوم،
خطاب المستقبل، ستواجه مصير حركات يسارية فلسطينية، امتلكت طروحات وأسساً فكرية مثل
جبهة طلعت يعقوب وجبهة النضال الشعبي، لكنها اهتمت أساساً بالعمل المقاوم، وفي بعده
العسكري فقط من دون الانتباه إلى الأبعاد التنظيمية والمؤسساتية الأخرى، فاختفت، الآن،
أو كادت تختفي من المشهد السياسي والحزبي الفلسطيني.
عموماً، وعلى الرغم من الفارق في الأصوات وعدد
المقاعد بين حماس وفتح، إلاّ أن الانتخابات لم تكسر جدّياً حالة التكافؤ أو التعادل
النسبي بين الحركتين، خصوصاً إذا ما نظرنا إليها من زاوية انتخابات نقابة المحامين
التي جرت في غزة، وفازت بها حركة فتح، ويبدو أننا أمام واقع أو مشهد قد يبدو غريباً
تفوز فيه حماس في الضفة وفتح في غزة، ما يكرّس في الحقيقة الندية بينهما، ولا ينفيها،
مع الانتباه إلى أن الانتخابات الطلابية والنقابية ترسم فقط صورة عن المشهد السياسي،
إمّا الأصل فلا يمكن تظهيره، إلا عبر انتخابات سياسية عامة في الضفة وغزة، على حد سواء،
بعدما بات حلم إجرائها في الخارج مستحيلاً، مع الانتباه إلى أن المزاج الشعبي الفلسطيني
متشابه، أو متطابق بين الداخل والخارج، مع فروق أو اختلافات تثبت القاعدة، ولا تنفيها.
في التداعيات السياسية لما جرى في بير زيت، وبدلاً
من أن تطلق الانتخابات، مرة أخرى، عجلة أو سيرورة الحوار والتنافس السلمي الديمقراطي
في انتخابات طلابية ونقابية مشابهة، أدت، للأسف، إلى موجة من الملاحقات والتضييق على
الحريات، شملت اعتقالات بحق أعضاء الكتلة الفائزة في الضفة، وإلغاء نتائج نقابة المحامين
في غزة وسجالا سياسيا إعلاميا حادا، وتبادل تهم بين حركتي حماس وفتح، امتد ليطاول كل
جوانب الخلاف بين الحركتين.
في التداعيات أيضاً، وعلى عكس ما كان متوقعاً،
أضعفت نتائج انتخابات بير زيت من احتمال الذهاب إلى انتخابات عامة، في المدى المنظور.
فحركة فتح تخشى من هزيمة مدوّية، خصوصاً في ظل الانقسامات والخلافات السياسية والتنظيمىة
العميقة العاصفة بها، بينما حماس المتأكدة من وجود نواة صلبة داعمة لها، وتراهن على
عجز منافستها على التوحّد، تربط الانتخابات بالسلة، أو الحزمة الكاملة للمصالحة التي
تتضمن تفعيل عمل حكومة التوافق في غزة، فتح المعابر، رفع الحصار، وإعادة الإعمار، ودمج
المؤسسات، وطبعاً حل قضية الموظفين المستعصية، وهي سلة تحتاج إلى سنوات لإنجازها وشهوراً
طويلة للإقلاع، أو حتى وضعها على السكة جدياً. ومن هنا، يمكن استنتاج أن لا انتخابات
عامة ولا مصالحة فى المدى المنظور؛ والانقسام مستمر ومتعمق، إلى أن يقضي الله أمراً
كان مفعولاً.
المصدر: العربي الجديد