انعقاد المجلس
الوطني يؤسس لمرحلة من العنف
أحمد الحاج
أولى الخطوات
على طريق العنف، هي قتل المسار الديمقراطي، وتجاهل الرأي الآخر. وإذا قرأنا ما
يفعله المجلس الوطني الفلسطيني فيجب علينا أن نخشى مرحلة من العنف في المجتمع
الفلسطيني، بدأها هذا المجلس برفض الاعتراف بالصوت الآخر الرافض لانعقاده تحت حراب
الاحتلال. كما أنه حين ينعقد بمخالفة اللوائح الناظمة فإنه يعلن الانتحار الذاتي،
وإعلان عدم إمكانية ترميمه، وفشله بأن يصبح مؤسسة رقابية تمنع العمل السياسي
الفلسطيني من الانفلات الكامل.
ما قاله
الكاتب ناجي علوش عام 1971 يصلح لوصف الحال اليوم أكثر من أي زمان فات "انتهى
المفهوم الثوري للديمقراطية ليصبح النقد جريمة، ولتصبح المناقشة تهمة، وليكون
التهديد أو السخرية المرة جواب الرأي الواضح السليم". هذا ما يفعله قادة
السلطة، حين يطالهم انتقاد بسبب انعقاد المجلس الوطني.
عندما يُغلق
المجلس بوجه المعارضين، دون إعلان، فأين سيتحاور الفلسطينيون، وأين سيبحثون
خلافاتهم، ومن هو المخوّل مراقبة أداء اللجنة التنفيذية للمنظمة؟ إذا كان ذلك كله
غير متوافر، فستنتقل الأزمات إلى الشارع، وعندها تسود الفوضى.
الفلسطينيون
اعتادوا تاريخياً على تعدد الآراء. في كل مدينة كانت هناك نخب ومؤيدون. نخب عائلات
كبيرة تتحاور؛ الحسيني، العلمي، النشاشيبي، وغيرهم الكثير. وأحزاب عديدة، وشباب
يعترض، ثم يشكّل أحزابه. وكانت هذه الأحزاب تتلاقى، وتختلف، وتجتمع ضمن حوارات
مسجّلة تاريخياً. الديمقراطية الفلسطينية حمت المجتمع الفلسطيني مراراً، رغم تشتته
الجغرافي.
إن انعقاد المجلس
رغم مقاطعة أحزاب المعارضة، وفصائل في منظمة التحرير، يشير بوضوح إلى تبني، شيئاً
فشيئاً، خيار الحزب القائد، وصولاً إلى الحزب الواحد ربما. وما يثير المخاوف حقاً،
أنه في السنوات الأخيرة تراجع دور السياسيين داخل السلطة لصالح المسؤولين
الأمنيين. إنه تقليد قديم في الدول العربية، لكنه لم يصل إلى درجة القوة في
المجتمع الفلسطيني ومؤسساته حتى سنوات قليلة ماضية.
والغرب الذي
اتخذ قراراً بعد انطلاق "الربيع العربي" بضرورة عودة العسكر للإمساك
بالوضع السياسي بشكل مباشر، يبدو أنه يشجع مثل هكذا خطوات في السلطة الفلسطينية،
خاصة وأن القرارات والتنازلات الكبيرة تلزمها عصا غليظة يحملها العسكر. وأمام
انغلاق السياسة، يبدو أننا ذاهبون إلى مرحلة من العنف في المجتمع يقتل معه كل
أدوات السياسة.