ايها
اللاجئون.. خططوا للعودة والبناء
بقلم:
أحمد حسين*
ويحدث
أن أضطر للخروج من بيتي في منتصف الليل..
ليس
من الطبيعي، على الأقل بالنّسبة لي، أن أرى كلّ هذا الاهتمام من طرف الحكومة
التركيّة بفتح الطرقات وإزالة الثلوج عنها واستنفار كافة آلياتها حتى في منتصف
الليل، يقول المسؤولون الأتراك لشعبهم أننا نتعهد بإبقاء الطريق سالكةً إلى أقرب
مشفى وسوبر ماركت مهما كانت الظروف.
لقد
نشرت بلديات اسطنبول المئات من كاسحات الثلوج قبل أن تهطل أساساً، انتابتني موجةٌ
من الضّحك وأنا أعدُّ العشرات منها في طريقي، تقف بأضوائها التحذيريّة منتظرةً في
قلب المناطق السكنية وعلى الطرقات الرئيسية والفرعية والمهجورة على حدّ سواء، وفوق
الجسور وفي الانفاق تجدها حتى أنني رأيت أحدها تقف "مَطرحْ ما ضَيَّع القردْ
إبنه" تخيلوا!
في
بلداننا العربيّة لطالما تعوّدنا أن نستجدي هذه الخدمات، لا بل إننا لا نفكّر في
استجدائها إلا بعد وقوع الكارثة، فاستباق التفكير بهذه الاحتمالات لم يكن وارداً،
ومنطق الاحتياط المبكّر يُعدّ ترفاً لا يشغل بالنا.
حين
فاض السيل على ذلك المخيم قبل أعوامٍ لم أر شرطة نجدة ولا دفاع مدني بل سمعت مآذن
المساجد تنادي على أهل النخوة أن يهبوا لإنقاذ الحيّ الذي يقع في طريق السّيل
العارم، وحين اجتاحت المياه المنازل ودخلت بأوحالها لتغطي متراً ونصف المتر من
ارتفاع جدرانها غابت شركة الكهرباء وتدخلت العناية الإلهية في الوقت المناسب وعطلت
التيار الكهربائي قبل أن تصل المياه للمقابس الكهربائية وتتسبب بكارثةٍ أخرى.
وحين
سقط ذلك الطفل من يد والده في الماء وسحبه التيار لم نر إلا معاول ابناء الحيّ
تبحث عنه تحت طبقات الطمي لتجده وتبكيه بصمتٍ ثم تواريه الثرى وتطوي الصفحة بهدوء!
لماذا؟
هل تختلف قيمة الإنسان من مكانٍ لآخر؟ أم هي قلّة الإمكانات؟ أم هو الفساد؟ أيّاً
كانت الإجابة أريد أن أوجّه رسالتي إلى إخواني في منافيهم الجديدة، أوروبا ليست
مستقرّنا النهائي كما تعلمون، بل هي إحدى محطات اللجوء على طريق العودة إلى سورية
ثم إلى فلسطين، لا خير فينا إن لم نسخّر هذه التجربة لخدمة بلادنا، إعملوا أيها
الشباب وتعلّموا واكتسبوا الخبرات والمعارف على نيّة الإفادة بها، وتحضّروا من
الآن لمرحلة إعادة البناء والنهوض بالأوطان من تحت الرّكام، إعمارها بأفضل ما يمكن
عبر الاستفادة من التجارب والأنظمة الناجحة حول العالم.
* المدير
التنفيذي لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية