"باستثناء الفلسطيني".. التمييز في لبنان يصل إلى رحم المرأة
بقلم: عبد معروف
تعرض اللاجئ الفلسطيني في لبنان منذ السنوات الأولى للنكبة وخروجه من وطنه عام 1948 إلى أبشع أنواع القهر والتنكيل والحرمان، وقبل انتشار السلاح وانطلاق العمل الفدائي مورس بحق اللاجئ الحصار و الإذلال بصورة مؤسفة. وقد جاء حمل اللاجئ الفلسطيني للسلاح في إطار العمل الفدائي ليس فقط من أجل تحرير وطنه والعودة إلى دياره، بل أيضا من أجل الحرية والتخلص من الظلم ومخيمات البؤس بعد ما تعرض له خلال سنوات تلت النكبة.ولم يتسم الوضع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان وعلاقتهم بالدولة اللبنانية بالثبات، بل كان مبهما ومتلبسا طوال السنوات الماضية ويطفي عليها الطابع الأمني. واعتبر وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد نكبة 1948 وحتى تأسيس المديرية العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الداخلية اللبنانية شأ؟نا أمنيا وبذلك أخضع الفلسطينيون لقوانين الأجانب أحيانا ولقوانين ادارية من الأجهزة الأمنية أحيانا أخرى.
وأخضعت السلطات الأمنية اللبنانية اللاجئ الفلسطينية للرقابة والتشديد والحصار والاعتقال وأحيانا طلب منه الحصول على ترخيص للتنقل.
ولسنا هنا في معرض استعراض تاريخ الحرب اللبنانية وأسبابها وتداعياتها، وإن كان ذلك ليس صعبا، فكل طرف من الأطراف يستطيع استغراض صفحات الحرب على طريقته،ويستطيع كل طرف توجيه الاتهام للفريق الآخر بأنه كان سبب الحرب ومارس فيها ما مارس، لكننا هنا في معرض ما يتعرض له اللاجئ الفلسطيني من قهر وتعسف نتيجة القوانين المرعية في لبنان حتى بعد إتفاق الطائف واتفاق اللبنانيين على ضرورة بناء دولة عصرية تتمتع بالحرية والديمقراطية.
فقد أطلقت السلطات اللبنانية منذ اتفاق الطائف الكثير من القرارات والمراسيم حول قضايا مختلفة تتعلق بالعمل والتملك والتنقل والإقامة وغيرها، وشهد لبنان تحركات واسعة من اجل الحقوق المدنية المختلفة والحق بالجنسية وإجازات العمل، لكنها استدركت القرارات والمراسيم والقوانين بجملة "باستثناء الفلسطيني". وكتبت هذه الجملة بصورة ليست بريئة إن لم نقل فيها من العنصرية ما يكفي.
خلال السنوات الأولى، تخندقت فئة من اللبنانيين بكتابة "باستثاء الفلسطيني" حرصا وحماية على قضيته، ثم قتل وذبح وحوصر وحرم "خوفا من التوطين وحرصا على قضيته الوطنية، وفي كثير من الأحيان كان الفلسطيني في لبنان يقتل ويذبح"حرصا على قضيته ".
ثم تخندقت فئة من اللبنانيين بكتابة"باستثناء الفلسطيني" خوفا من التوطين، فاضطهد الفلسطيني وقتل أحيانا وحرم من أبسط حقوقه، وتخلف لبنان عن تطبيق قرارات وقوانين ومواثيق دولية تحت شعار "خوفا من التوطين".
وخلال السنوات الأخيرة كانت العبارات ألطف قليلا وإن كانت بنفس المعنى وبدا وكأن فئة من اللبنانيين حريصة كل الحرص على عودة الفلسطيني وحقه في هذه العودة، فتخندقت أطرف وراء عبارة "حرصا على حق العودة".
باعتقادي أن كل تلك عبارات تخفي ورائها مسألتين، نظرة عنصرية إلى الفلسطيني من قبل نخب سياسية وطائفية في لبنان، وثانيا تعود لطبيعة النظام اللبناني المركب على أسس طائفية، حيث تعود كل فئة إلى حساباتها ومخاوفها ورعشتها لتقف معادية لأي حق من حقوق اللاجئ الفلسطيني في لبنان حتى حقه في الحياة.
وحتى لا نغرق كثيرا بالتحليل والاستنتاج، فإن الفلسطيني الذي دفع ثمن حريته وتحرير أرضه دماء أغلى أبنائه، لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يتخلى عن أرض وطنه فلسطين مهما بلغت التضحيات، وهذه ليست شعارات جوفاء، إنها تلد مع كل جنين فلسطيني يخرج من رحم أمه، حتى لو كان مقيما في أمريكا او أستراليا أو غيرها "عدا القلة القليلة"، ففلسطين ليست وطن فحسب بل هي أكثر من ذلك وثمنها دماء الشهداء. ونيل الحقوق الانسانية والتخلص من معاملات التفرقة والإذلال لا يعني تخلي الفلسطيني عن وطنه، وإذا كانت نخب لبنانية حريصة على القضية الفلسطينية، فكل قطر عربي لديه قضية يجب أن نكون حريصين عليها، فكل الأقطار العربية تغص بالأزمات والقضايا وشعبنا يتعرض للاحتلال والتنكيل والإفقار والتهجير والنهب، فلماذا يعامل الفلسطيني بشكل مختلف، وإذا كانت فئة من اللبنانيين تبدي خوفها من بقاء آلاف اللاجئين الفلسطينيين، فعدد السوريين والمصريين والسودانيين والعراقيين وغيرهم الشرعيين وغير الشرعيين، من الأشقاء العرب يتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين بكثير.
ففي لبنان يحرم اللاجئون الفلسطينيون من أبسط الحقوق المدنية والاجتماعية ويعاملون بصورة تثير الاستفزاز والكراهية، بفعل القرارات والمشاريع الصادرة خلال فترات متفاوتة والتي تمنع الفلسطيني مثلا ليس من حق تملك بيت فحسب بل وتحرمه من العمل بـ72 مهنة.
أخيرا، أحال وزير الداخلية والبلديات اللبناني مروان شربل مشروع قانون إلي مجلس الوزراء يقضي بتعديل في قانون الجنسية ويتم علي أساسه منح الجنسية اللبنانية لأولاد المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي. وأوضح الوزير شربل أن مشروع القانون، يستثني اللبنانيات المتزوجات من فلسطينيين، منعا للتوطين، ويأتي الاستثناء، منعا للطعن فيه بذريعة مخالفته الدستور من جهة، ولرفض جهات سياسية لبنانية تجنيس أولاد اللبنانية من الفلسطينيين، من جهة أخرى، فهل التعامل بكل هذه العنصرية والكيدية حرصا على عدم التوطين، وهل هو خوف من توطين الفلسطينيين وليس هناك خوف من توطين السوريين أو العراقيين، وماذا لو حمل الفلسطيني جنسية أخرى من "بلاد الواق واق" مثلا وكان متزوج من لبنانية، فهل يستطيع أحد أن يمنع اللبنانية من منح جنسيتها لأولادها. وإذا كانت القضية طائفية فالسوري أو العراقي أو المصري هم من طوائف مختلف تماما كما هو الفلسطيني فلماذا الإصرار على التمييز رغم أن السيدات اللبنانيات اللواتي تزوجن من رجال فلسطينيين لا يتجاوز عددهم 4 بالمائة من بين النساء اللبنانيات اللواتي تزوجن من غير لبناني البالغ عددهم 18 ألف لبنانية؟
ما يؤسف له في مشروع القرار الأخير حول حق الأم اللبنانية بمنح جنسيتها لأولادها، أنه مجددا أضاف عبارة عبارة "باستثناء المتزوجة من فلسطيني" ليصل التمييز بين لبنانية وأخرى ويصل أيضا إلى رحم المرأة اللبنانية بمنعها من ولادة إبنها إذا كان من أب فلسطيني، ولهذا جاء موقف حملة "جنســـيتي" من اقتراح القانون بالقول: "كنا نعارض التمييز بين الرجال والنساء في حــقوق المواطنة في لبنان، ونحن اليوم ضد التمييز بين النساء والنساء في الحقوق ذاتها"، فالتي تزوجت من فلسطيني لا يحق لها ما يحق لغيرها.
من جهته، استغرب الباحث الفلسطيني سهيل الناطور المتخصص في شؤون اللاجئين الفلسطينيين والمدير التنفيذي لمركز التنمية الانسانية، في حديث خاص لـ"الرواد" كل هذا التمييز والعنصرية اللبنانية بحق ليس الفلسطيني فحسب بل وبحق المرأة اللبنانية أيضا، وعلق الناطور على ما مشروع قرار وزير الداخلية مروان شربل قائلا: إن مشروع القانون بالصيغة المقدم بها يبرز أن هناك أساسا تمييزيا سلبيا إزاء المرأة اللبنانية، ولا يتعاطى معها كمواطنة لها كامل الحقوق ومن بينها اختيار زوجها، وهذا بدوره، يولد عنصرية إزاء المرأة اللبنانية التي تتزوج من فلسطيني، بينما يسمح لها بالزواج من أية جنسية كانت، وهكذا يمتد الظلم إلى نتاج العائلة أي الأولاد، بحجة الخوف من التوطين، في الوقت الذي يتعامل به تقريبا معظم دول العالم عكس ذلك تماما حيث تمنح جنسية الدولة لمن ولد على أرضها أو للمولود من أحد والديه ويحمل جنسيتها. وبالتالي يضيف الناطور :تتعارض القوانين والقرارات ومشاريع القرارات اللبنانية حول هذه القضية، مع ما يدعيه لبنان من تقدم مدني وحضاري، ولابد هنا من إعادة النظر بهذا الموضوع وعدم استثناء المرأة التي تزوجت من فلسطيني، فالجنسية لا علاقة لها بانتماء الفلسطيني لوطنه الأصلي.
وتوقفت رولا المصري المنسقة في حملة "جنسيتي حق لي ولأسرتي"، عند "التمييز ضد المرأة اللبنانية التي تتزوج من فلسطيني، بما في ذلك من خرق للدستور اللبناني الذي يعلن جميع اللبنانيين متساوين في الحقوق". وقالت، "بالمبدأ، يجب تجنيس الأطفال لا لأنهم فلسطينيون، وإنما لأن أمهم لبنانية. بغير ذلك، فلماذا الرجل اللبناني قادر على منح زوجته وأولاده (حتى ولو كانوا فلسطينيين أو من دولة لا تعامل لبنان بالمثل) جنسيته، أما الأم فلا؟ يجب أن يكون سقف القانون حقوقياً، وليس إحصائياً".
ويرفض النائب مروان فارس، عضو في "لجنة المرأة والطفل النيابية"استثناء الحالة الفلسطينية وبرأيه أن المقياس هو العدالة وانطلاقاً من مبدأ العدالة، يجب أن تمنح الأم اللبنانية المتزوجة من فلسطيني جنسيتها لأولادها.
يبدو أن صوت المؤسسات والجمعيات واللجان المعنية بحقوق المرأة اللبنانية مازال خافتا، ولم يستطع اختراق النظم والتركيبات والحساسيات الطائفية، ويبدو أن لبنان مازال بعيدا من أن يكون دولة حضارية متطورة تعمل على إبعاد التمييز والعنصرية من عقول الكثيرين، وهذا ما يبقي الفلسطينيين والكثير من اللبنانيين عرضة للتعسف والتمييز.