القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

«بالإبرة والخيط» تحيا نساء المخيم - سوزان هاشم

«بالإبرة والخيط» تحيا نساء المخيم

سوزان هاشم - الأخبار

«التطريز» في المخيمات، ليس عملاً عادياً. فبأدوات بسيطة استطاعت نساء المخيمات المحافظة على إرث الجدود لنقله إلى الأجيال الجديدة في الشتات. هكذا، تروي كل مطرّزة حكاية بلدة من فلسطين. كما تمنح هذه الحرفة في الوقت ذاته فرصة عمل للّاجئات

قلةٌ هنّ النسوة من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، اللواتي يجهلن «الرسم بالإبر». يحلو لمعظمهن تصنيف هذه الحرفة في خانة «التطريز»، فهي «بتخلق معنا بالفطرة»، تقول أم حسن الحاج، ابنة مخيم عين الحلوة، مدعمةً وجهة نظرها بسيل من التفاصيل. هكذا، لا يعد تناقل الإرث الحرفي الجميل، من جيل إلى جيل، في مخيمات الشتات، عبثياً. فهو، في رأي أم حسن، «جزء من هويّتنا، وأهميته بالنسبة إلينا توازي حق العودة».

لم تعد الإبرة وخيطها وقطعة القماش تترك يد المرأة الثلاثينية. تلجأ إليها بعد إتمام واجباتها المنزلية مستخدمةً أنواع القماش وألوان الخيطان، نفسها، التي كانت تستخدمها والدتها. تعرّف عن ماهية ما تطرزه كمن يكشف سراً عزيزاً: «هذا هو التطريز الغزّاوي»، وذلك نسبةً إلى التصميم المستنبط في قضاء غزة. الرسم الكبير هو الذي يميّز التطريز الغزاوي عن غيره من المناطق والبلدات الفلسطينية. بالنسبة إلى أم حسن، وكثيرات من نساء المخيم «التطريز لم يعد هواية». فهي التزمت منذ فترة، تسليم إنتاجها لأحد مشاغل المخيم، مقابل مرتب تستحقه حسب نوعية وحجم قطعة عملها. بالمختصر «تقبض عالقطعة»، إذ يؤخذ عدد «القطب» المعقودة بعين الاعتبار.

هكذا، فتحت الكثير من المؤسسات داخل عين الحلوة أبواب مشاغلها أمام الطرازات «مؤمّنةً عشرات فرص العمل»؛ كما تؤكد رئيسة مشغل الشهيدة هدى خرايبي في المخيم، عليا العبد الله. العبدالله مقتنعة بأن هذه الأعمال التراثية لا تموت، والدليل أنها تشهد إقبالاً لا بأس به، والأهم من ذلك، أن المشغولات يرغبها أبناء المخيم المغتربون في الخارج. أما السبب، فيعود إلى أن الأشغال الحرفية لا يمكن أن يمرّ عليها الزمن لأنها أولاً تراث، أي إنّ تغيّر الموضة لا يطاولها، و«مشغولة بإتقان وبكثير من الجهد»، فضلاً عن «جودة» أنواع الأقمشة المستخدمة (القطن والحرير وغيرهما) وأنواع العُقد (الصليب، المناجل). المفارقة، أن التطريز حدث بالتزامن مع ما استُحدث من مقتنيات، فلم يعد محصوراً في العباءة والشال. صار يصلح حتى بيتاً لجهاز الخلوي مثلاً. وللمناسبة، أسعار هذه القطع المطرزة مرتفعة بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي المتدني في المخيّم. وسبب الغلاء، بحسب العبد الله، هو أن «التطريز يستغرق الكثير من الوقت والجهد والدقة، وبحاجة إلى مواد عمل نادرة». تعتقد السيدة أن مردود هذه الأعمال بالكاد يغطي الكلفة وأجرة العاملات، أي يلبي «الاكتفاء الذاتي»، وخصوصاً أنّ هذه المنتجات بالأساس ليست معروضة لأبناء المخيمات. «الفلسطيني هنا ما عاد يهمو شو يلبس، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد في كل منزل عباءة أو حطّة أو أي قطعة مطرّزة موروثة من الأجداد وأحياناً محوكة حديثاً على يد صاحبة المنزل» تستدرك.

وتروي مسؤولة لجنة التراث في الاتحاد الفلسطيني والنجدة الاجتماعية، خديجة عبد العال، حكاية الألوان وعلاقتها بالأماكن والمواضيع والعادات. اللون الأحمر هو رمز الحب الزوجي، لذلك لا يمكن المرأة الغزّاوية أن ترتدي عباءة حمراء إلا بعد زواجها. الثوب المطرّز بالأزرق ترتديه الأرملة ولا تنزعه عنها إلا حين تفكّ حدادها. وتشتهر بيت لحم بثوب الملك، وهو يحاك بخيوط ذهبية، وكان يُلبس في الأعياد. وترى عبد العال أن هذه الحرفة «بدأت تتبلور فعلياً عام 1976 أي خلال الحرب الأهلية، وتحديداً بعد سقوط مخيم تل الزعتر». البداية مؤلمة إذاً. آنذاك، بادرت جمعية النجدة الاجتماعية إلى إنشاء هذا المشروع، لتأمين فرص عمل للأرامل النازحات. ومن جهة أخرى، مثّلت المبادرة فرصة للمحافظة على التراث الفلسطيني المبدد في بلاد الشتات. كان تسويق البضاعة يجري خلال الجلسات التي تُعقد في بيت إحدى «سيدات المجتمع»، إذ تدعو صديقاتها لزيارتها ويجري خلالها عرض المنتجات عليهن، لتنتقل الجلسة إلى منزل سيدة أخرى في الأسبوع التالي. وهكذا دواليك. تذكر عبد العال، أن الحرفيات كانت تلقى إقبالاً كثيفاً في ذلك الوقت «ناتجاً عن التعاطف الكبير مع القضية الفلسطينية». لكن، في رأيها مهما تطورت هذه المشاريع، وفي ظل القيود المفروضة على الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن تسجّل لدى السلطات اللبنانية المختصة، وتالياً، لا يمكنها الحصول على حقوقها الحصرية. وطبعاً، لا يمكن أن تصدّر كغيرها من المصنوعات اللبنانية إلى الخارج... إلا إذا دخلت تحت اسم شركة لبنانية! وهو ما فعلته جمعية النجدة التي سجلت مشاريعها ضمن شركة البادية، التي تملك الجمعية بعض الأسهم فيها، لتصدير بضاعتها للخارج، ولا سيَما إلى أوروبا. وإلى المردود المادي الذي يتغذى من مبيعات هذه الحرفة، محقّقاً لنسوة المخيّم، شيئاً من الاكتفاء، هناك بعد ثقافي أيضاً، إذ يمثّل التطريز «تحدياً في مواجهة الكيان الإسرائيلي الذي يحاول دوماً أن يسرق تراثنا لينسبه إليه». وهو ما حصل أخيراً، حين اعتمدت شركة الطيران الإسرائيلي أحد الأزياء الفلسطينية التراثية كزيّ موحد للمضيفات»، تختم عبد العال. وفي مواجهة الوقاحة الإسرائيلية المعتادة، أطلقت المؤسسات الفلسطينية في لبنان، أخيراً، مشروعاً، حمل شعار «من جيل إلى جيل»، يهدف إلى تعريف الجيل الجديد على التطريز، ونشر الحرفة في ما بينهم.

________________________________________

تُنسب أشكال التطريز الفلسطيني الى مناطق فلسطين. وتشرح سامية أبو عثمان أنّ القطعة التي تحمل رسم الوردة أو الشجرة وذات الألوان الهادئة، تنسب حتماً إلى نابلس. أما المطرّزة بألوان متعددة وذات عناصر كبيرة، فتعود لغزة. وتمتاز مطرّزات بيت لحم «بالقطبة الملفوفة»، ورام الله باللون الأحمر النبيذي والألوان الداكنة، علماً أن أبو عثمان، تلجأ أحياناً إلى مزاوجة هذه التصاميم والألوان.