بالصوت حينا، وبالسوط حيناً
آخر!
بقلم: لمى خاطر
في الغالب؛ فإن أية سلطة
تمارس عملية قمع آنية ضد فعالية في الشارع تسارع إما للاعتذار، أو لمحاولة تبرير خجولة
للحدث، خصوصاً إذا كان مصوراً وجالباً إدانات حقوقية وإعلامية وميدانية واسعة، لكن
ما جرى بعد الاعتداء على مسيرة الجبهة الشعبية في رام الله أول أمس يقول شيئاً آخر،
إذ خرج ناطقون باسم فتح بلغة اتهامية وتهديدية فجة، فيها من لغة الشوارع ومفردات البلطجة
ما أثار اشمئزاز كثيرين، وساهم في تصعيد حالة الغضب تجاه السلطة في رام الله وما يبدو
أنه اتجاه لعودة قبضتها القمعية من جديد.
الحنق الفتحوي من فعالية
الجبهة الشعبية الرافضة لعودة المفاوضات مردّه شعور الأولى بأن هناك طرفاً فلسطينياً
غير حماس أدان سلوك السلطة هذه المرة وحاول إحداث حراك شعبي في الميدان مناهض لخطّ
التسوية. إذ كانت فتح فيما مضى مستفيدة من انشغال اليسار الفلسطيني بهجاء الانقسام،
وتحييده الملفّات المقلقة لفتح من اهتمامه (على صعيد الخطاب على الأقل)، كالتنسيق الأمني
والمفاوضات وملاحقة المقاومة.
فأن تنظّم الجبهة الشعبية
فعالية ميدانية تحمل إدانات صريحة مباشرة لنهج السلطة ورموز التنازل فيها، يعني فقدان
فتح مبرراً للهروب إلى الأمام، أو تمييع حالة الإدانة لسلوكها عبر القفز نحو مربع الانقسام
وغزة، وهو ما اعتادت على فعله عند إدانة نهجها من قبل حماس. ولذلك لم تجد هذه المرة
مادة للهجوم والتنصل مما جرى غير ما طالعناه على مواقع وصفحات فتح من اتهامات مركزة
للشعبية وصلت حدّ اتهام عناصرها بالإلحاد، إضافة إلى اتهامهم في أخلاقهم، ثم التهديد
المباشر بتصعيد قمعهم في حال كرروا احتجاجهم!
وحقيقة، فحين يتعلّق الأمر
بالمفاوضات، وهي السياسة المنكرة بإجماع فلسطيني، فلا سبيل أمام السلطة إلا فرضها بالقوة،
وبتشديد قبضتها الأمنية على جميع معارضيها، حدث هذا مؤخراً وحدث بالتزامن مع الجولات
السابقة. فلم يكن في أي يوم من الأيام أهمية أو وزن لرأي الشارع لدى رموز السلطة وحركة
فتح وهي تخوض جولاتها التفاوضية، والتي كلما تقدّم بها الزمن زادت عبثيتها، ويفترض
أن يزيد بالتوازي حجم جرم مقارفتها.
وأكثر ما يزعج حركة فتح
ويفقدها صوابها، أن يترافق رفض التفاوض بحركة احتجاج ميدانية تعبّر عن إنكار مختلف
التيارات لهذا النهج، وأن يكون هذا الحراك مقترناً بمطالبات بردّ الاعتبار للمقاومة،
ورفض تجريمها كما ينصّ قانون دايتون. لأن تذكير الشعب بهذه البديهيات، وردّ المشروع
الوطني إلى أصوله وثوابته أمر لا يروق قيادة فتح ولا يخدم سياساتها، فضلاً عن أنه يفسد
نهجها الإعلامي المنطوي على تضليل واسع ومحاولة لاختزال المشكلة الفلسطينية في الانقسام
وتحميل مسؤوليته لحركة حماس.
ولذلك؛ لا ضير من التلويح
بتكسير رؤوس كل من يفكّر بإفساد الطبخة السلطوية الجديدة، وما ستفرزه من منافع على
جيوب ومصالح القطط السمان، فهكذا تتعامل كلّ سلطة تدير ظهرها لشعبها ولا تعبأ بغضبته،
مقابل انفتاحها على عدوّها وتنازلها عن جميع لاءاتها السابقة، وبدلاً من التواري خزياً
يصبح لسان حال وفعل قيادة السلطة مع كل جولة انتكاسات: "خذوهم بالصوت حينا، وبالسوط
حيناً آخر".!