بانوراما
فلسطينية معقّدة
هشام دبسي
في سوريا يجتمع رئيس مجلس الأمن القومي في مجلس الشورى
الإيراني علاء الدين بروجوردي، مع قادة فصائل فلسطينية، من بينهم الامين العام
للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة أحمد جبريل، ونائب الامين العام للجبهة الشعبية
ماهر الطاهر، ومسؤول الجهاد الإسلامي أبو السعيد، إضافة إلى ثلاثة مسؤولي فصائل
أخرى، لمناقشة الهجوم الأميركي المحتمل على النظام السوري، والدور المطلوب في سياق
"التصدي" للإمبريالية أو "الشيطان الأكبر" في واشنطن.
ما جرى ليس غريباً على ما تبقى من فصائل التحالف، بعد
مغادرة حركة "حماس" هذا التشكيل، لكن الغريب مشاركة تنظيم أساسي من
منظمة التحرير أي الجبهة الشعبية ـ جورج حبش لمثل هذا اللقاء، في الوقت الذي يفترض
التزامها أسس الموقف الفلسطيني الذي شاركت في صياغته سواء عبر اللجنة التنفيذية
لمنظمة التحرير في رام الله، أو في قيادة منظمة التحرير في لبنان.
من غير المعتقد أن حضور نائب الأمين العام ماهر الطاهر
إلى جانب أحمد جبريل غايته إبلاغ المسؤول الأمني الإيراني، أن حصة المدنيين
الفلسطينيين من ضحايا السلاح الكيميائي في الغوطتين، ليست أقل من خمسين طفلاً
وامرأة، وأن مخيمات اليرموك وسبينة والحسينية بدأت تعاني من الجوع جراء الحصار
التمويني والعسكري.
كما لا يبدو أن المسؤول الأمني الإيراني، سمع أي شكوى
على من روَّج إعلامياً أن المخيمات الفلسطينية في لبنان هي مصدر السيارات المفخخة،
التي استهدفت الضاحية الجنوبية، وطرابلس فضلاً عن الصواريخ التي استهدفت قصر
بعبدا. السؤال هنا برسم الفصائل لتقول لنا أين هي المصلحة الفلسطينية في هذا
اللقاء؟
وخاصة أن الفلسطيني في لبنان وسوريا يضع "يده على
قلبه" كما يقال تحسباً لأي كارثة محتملة أو مفبركة، تشبه كارثة أهل مخيم نهر
البارد، أو أبعد.
أما في غزة فالأمر يتجه بتسارع شديد إلى احتمالات خطيرة
على الوضع الداخلي، الإنساني والسياسي، نتيجة الصراع "الإخواني" مع
السلطة المصرية الجديدة، وفشل حركة "حماس"، في إثبات ما تقوله عن عدم
مشاركتها لتنظيم الإخوان المسلمين المصري في معظم مراحل الصراع المحتدم قبل ثورة
30 حزيران وبعدها.
وإذا كانت نتائج الصراع، تتجلى في إغلاق معظم الأنفاق،
فإن الحال في قطاع غزة يشهد غلياناً غير مسبوق، لجهة البحث عن مخرج وحل للمعضلات
الإنسانية والاقتصادية فضلاً عن تراشق التهم المتبادلة.
وبدل أن ترتفع الأصوات، للإسراع في التقاط طوق النجاة
الفلسطيني، أي التطبيق الفوري والسريع للاتفاقات المبرمة بين فتح
و"حماس" للتوجه الى الانتخابات العامة، فإن حالة الصراع تحتدم وتنذر بما
لا يحمد عقباه، عبر خطاب تحريضي انقسامي من جهات نافذة في حركة "حماس"،
يستدعي ردوداً على الموجة نفسها من بعض القيادات الفلسطينية في الجانب الآخر، إلا
أن هذا، لا يعني تراجع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وكذلك حركة
"فتح" عن اعتماد طوق النجاة الفلسطينية، لإعادة دمج حركة
"حماس" في النظام السياسي، من دون أن تغير في برنامجها الخاص، لكن على
أن تلتزم أسس البرنامج الوطني العام. وهذا ليس تعجيزاً، أو صعباً على حركة "حماس"،
بعد أن قطعت شوطاً متقدماً في قبول حل الدولتين، وبعد أن أبرمت اتفاق الهدنة مع
إسرائيل، وشرطه الأبرز هو التزام "حماس" وتعهدها منع أي أعمال عدائية
تنطلق ضد إسرائيل في قطاع غزة.
وأخيراً في المشهد الفلسطيني أيضاً، التحدي الإسرائيلي
للأميركي والفلسطيني معاً، بإطلاق عمليات الاستيطان بالتزامن مع لحظة انطلاق
المفاوضات، ومضاف الى هذا التحدي، ارتكاب قوات الاحتلال مجزرة قلنديا بدم بارد. ما
يعكس محاولة جدية لإنهاء المفاوضات قبل أن تتقدم خطوة واحدة.
ما تقدم لا يكفي لرسم البانوراما الفلسطينية المعقدة في
اللحظة الراهنة، فهناك الكثير والكثير من المعضلات والمشاكل التي تصنف في الدرجة
الثانية، لكن اللحظة تحمل مخاطر على مستوى عالٍ تصيب اللاجئين في سوريا ولبنان كما
تصيب أهلنا في غزة والضفة. ألا يستحق الأمر الدعوة الى فاعلية كبيرة على المستوى
الوطني الفلسطيني الشامل للبحث عن مخرج مشرّف.
المستقبل، بيروت، 5/9/2013