بذكرياتها الرطبة تعود أم خليل حمّو 89 عاماً إلى حيفا
الناصرة وعكا ويافا وحيفا ويافا واللد مدن فلسطينية سقطت في حرب ال48، وفي الفترة مابين 21_23 أبريل 1948 تحديداً سقطت مدينة حيفا في أيدي المنظمات الصهيونية المسلّحة بعد معارك دامية خاضها الثوار دفاعاً عن حيفا، وقد ارتكب الصهاينة بعد احتلال المدينة مذابح تقشعر لها الأبدان،قتلوا ونهبوا،وراحوا يلقون بجثث القتلى أمام الأشخاص الذين اختاروا البقاء في منازلهم لتحريضهم على المغادرة، وحوّلوا المساجد إلى إسطبلات للدوا.
وامتلأ بحر حيفا بالسفن والقوارب التي تقل السكان متوجهين إلى المنفى مهاجرين حيفا عام 1948 نحو 75 ألف عربي.
حيفا الحزينة في عيون سارة
ومع ذكر حيفا، تذكرت الحجة سارة اللحظات الأخيرة لها قبل مغادرة حيفا: "كان الرصاص فوق رؤوسنا مثل المطر، نصحنا كبار حيفا بالمغادرة، ليتنا لم نسمع كلام كبار أوصغار، ليتنا متنا هناك.."
وشرد ذهنها بعيداً نحو ذكريات جميلة وأخرى مؤلمة،و بسذاجة الأطفال بدأت تسترجع الحجة سارة 89 عاماً مامضى وقالت: "كنا خوات مع اليهود وعايشين بسلام، ولما صارت الحروب، صرنا نكرههم وصاروا يكرهونا "، وأنهت جملتها بدهشة قطعتها ابتسامة وقالت: " كانت هناك منطقة مزهرة هوائها عليل في حيفا اسمها (كالهدار) تطل على جسور وجبال حيفا، يتيه المرء من اتساع مساحتها وجمالها".
وتابعت:" كنّا نتناول "أم الغديوة" وسط خضرة كالهدار الواسعة أنا وعائلتي وطفليّ خليل وشاهيناز"، وقالت: "تشتهر حيفا بورد الرنجس وهو ورد أبيض له عرق أخضر يتوسطه زهر أصفر، وكان يتمدد الرنجس في كل مكان" وبريق لم ينس طعم وجبة" العلَت الحيفاوية " قالت: " عِلِتْ هي أكلة حيفا المفضلة، وهي عبارة عن نبات تخرجه أرض حيفا تشبه إلى حد ما نبات الهندبة، عندما تتفتح براعمها نقطعها ونعصرها ثم نقليها بعد إضافة الحامض والفلفل الحار".
وشرد ذهنها نحو حارتها في حيفا، قالت:" حارة الغزازوة، كان اسم حارتي، أمّا بيتي مساحته دونما يقع فوق جبل من جبال حيفا، وكان بيتاً بسيطاً مصنوعاً من الطين يتكون من غرفتين وصالة ومطبخ وحمامين،يحيط به بستان واسع".
رحلة سارة إلى حيفا عام 1980
وفي الثمانينات نظمت عدد من الرحلات لزيارة المدن المحتلة،حيث نظّم جامع الرحمن في مدينة غزة رحلة إلى مدن الـ48 الناصرة واللد وطبريا وحيفا ويافا وعكا النبي موسى،حيث استغرقت الرحلة طول النهار، حدثت أم خليل عن بيتها المهدوم ساعة زيارتها لحيفا أثناء الرحلة،فقالت: "رأيت بيت أهلي مهدوماً، أمّا بيتي الخاص الذي كان ملكاً لعائلة "نعيم نور الدين" وجدته كما هو" قد أصبح ملكاً ليهودي استأذنت منه لدخول بيتي، وتابعت بحسرة:" وجدت فراشي وبعض ملابسي وبعض أغراض المطبخ مكوّمة في غرفة من غرف البيت " وتابعت: " ظللت فترة طويلة في البيت أتحسس جدرانه وأرضيته كيف كان، وكيف أصبح وكيف قبلت الرحيل عنه!"، وقالت: "ساعتها عزّت عليا الدنيا، نتفة يهود يطردوني من بلادي".
مضخة مياه حيفا ( محبوبة سارة)
ولدى رؤية سارة مضخة المياه في حيفا، ذاك المكان الذي كان يجمعها برفيقات عمرها حيث أغنيات الدلعونة والميجانا، ركضت شربت منها وهي تبكي وتناجيها:" ياحبيبتي على قد ماكنت أضخ منك مي"، حيث انهالت فيما بعد دعواتها على معشر اليهود،ومن والاهم أوكان سبباً في ترحيلهم منها.
وقالت:" كان صعباً أن أرحل عن حيفا المحبوبة مرتين، فوجدت نفسي أُلاصق المضخة وأرفض الابتعاد عنها،حتى نصحني البعض أن أحملها هي والبيت فوق رأسي وأرحل بهما نحو غزة ".
لم أرى حيفا، لكني رأيتها بعيون أم خليل الشاردة، حتى ظننت أني شربت ماءً من مضخة مياه حيفا،ولمست جدران حسرتها على بيتها، وتذّوقت علتها، وتنفست هواء عروس البحر، وكل ما أورثته للحجة سارة هو لحظة انتشاء برائحة البلاد، وحسرة ما زالت باقية!
المصدر: وكالة معاً الإخبارية