القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

"برافر”... "بلفور" جديد

"برافر”... "بلفور" جديد

بقلم: د. أيمن أبو ناهية

لا يزال الكيان الصهيوني ماضياً في مخططاته الاستيطانية التوسعية في المناطق الفلسطينية المحتلة سواء كان في الضفة والقدس أو في المناطق العربية داخل الخط الأخضر، حتى أنه استولى على جميع الأراضي الحيوية والغنية بمصادر ومنابع المياه الجوفية وعمل على ضمها بالقوة، واليوم ينفذ مشروعه الاستيطاني الاترانسفيري الجديد في النقب المحتل هو "مخطط برافر" بقرار من الكنيست الإسرائيلية كغطاء باطل لتمريره قانونيا، ولكن هيهات ثم هيهات أن يتم تمريره فالكل الفلسطيني في الداخل والخارج ينتفض ضد هذا المخطط المشؤوم، بينما ينشغل بعض العرب في ثوراتهم وانقلاباتهم وآخرون في التصويت لعرب أيدول والبعض الآخر منغمسون في جدولة أكبر عدد من مسلسلات رمضان .

إن هذا المخطط الاستيطاني الاقتلاعي عبارة عن "وعد بلفور" جديد: "يعطي من لا يملك لمن لا يستحق"، بمصادرة مئات آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية وإخلاء وتدمير عشرات القرى والتجمّعات السكنية البدوية الفلسطينية في النقب، واقتلاع وتهجير عشرات الآلاف من البدو العرب الفلسطينيّين من أراضيهم وبيوتهم، بشكلٍ قسري، فهذا المخطط الصهيوني المسمى بمخطط "برافر" يرمي للاستيلاء على أكثر من 850,000 دونم من أراضي النقب الفلسطيني، وتهجير نحو 70 ألف مواطن من بدو النقب واقتلاع حوالي 40 قرية، غير معترف بها لديهم، وهي : "ضحية، خربة السبالة، الباطل/كركور، المساعدية، عوجان، المكيمن، رخمة، عمره، السدير، القرين، غره، وادي غوين/تلاع رشيد، خربة الوطن، سعوة، باط الصراعية، عتير/أم الحيران، الباط، الحمرة، تل الملح، البحيرة، قطامات/المطهر، غزة، كحلة، تل عراد، دريجات، السرة، الزعرورة، أم رتام، بير الحمام، الزرنوق، بير المشاش، صوين، وادي النعم، الشهبا، المزرعة، السر، وادي المشاش، المذبح، خشم زنه" .

وإذا ما تتبعنا قانون "برافر" الترانسفيري نجده مر بمراحل كثيرة بدأت منذ سبتمبر 2011 حين نشرت لجنة "برافر"، وهي تلك اللجنة الحكومية برئاسة نائب رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني السابق "ايوهد برافر"، مخططًا بخصوص "تنظيم إسكان البدو في النقب" وبالرغم من أن لجنة "برافر" أقيمت أصلاً بهدف تطبيق توصيات لجنة "غولدبرغ" الصادرة عام 2008، إلى إنها ابتعدت عن توصيات "غولدبرغ" وأعدت مخططًا جديدًا كليًا، مع أن لجنة "غولدبرغ" لم تعترف بالملكية التاريخية للمواطنين العرب البدو لأراضيهم، إلا أنها أوصت بالاعتراف بالقرى غير المعترف بها "بقدر الإمكان”. وما لبث أن عرضت لجنة "برافر" المشروع على الكنيست في الرابع والعشرين من الشهر الماضي وتمت المصادقة على قانون "برافر-بيغين" العنصري بأغلبية 43 مؤيداً للقانون مقابل 40 معارضاً.

يعد هذا المخطط الاستيطاني من أخطر المخططات الصهيونية منذ نكبة فلسطين الأولى، وتكمن خطورته بأن الحكومة الإسرائيلية لأول مرة تقوم بالإعلان عن إغلاق مناطق أمام السكان ليس لدواعٍ وحجج أمنية كما عودتنا من قبل، بل لأول مرة يتم إغلاق منطقة لأسباب قومية، والمقصود بذلك الأراضي التي سيتم مصادرتها، كذلك القانون الذي سنته الكنيست الإسرائيلية بخصوص هذا المخطط المشئوم بمثابة العنصرية بعينها، حيث يمنع إقامة بلدة عربية، يمنع تملك الأراضي أو استخدامها من قبل أصحابها الأصليين، ولأّول مرة في هذه الدولة العنصرية يتم طرح تعليمات جديدة تخص العرب فقط، ولأول مرة يتم الإعلان عن مخطط يهدف لمحو قرية عربية كاملة تسمى "أم الحيران" والتي تحتوي على 800 نسمة، ليتم تهجيرها –وفق المخطط وإقامة بلدة باسم "حيران" لتصبح مستوطنة يهودية مكانها، يقتلعون الأم العربية ويسمونها "حيران الصهيونية”.

إن المخططات الصهيونية أصبحت متزاحمة وتنفذ بوتيرة سريعة فوق الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد سبق هذا المخطط الترانسفيري الاستيطاني مخطط شبيه له في الأغوار، ومخطط ترانسفيري آخر في "باب الشمس" ومخطط "جبل أبو غنيم" وغيرها من المخططات الصهيونية الاحتلالية الرامية إلى إسقاط الملكية الفلسطينية ونزعها بالقوة وتحويلها إلى ملكية يهودية، والسؤال المطروح الآن -إلى من يجارون نتنياهو بما يسمى بالمفاوضات السلمية ويدعون مقاومتهم لمخطط "برافر"- كم بقي من أرض فلسطين التاريخية التي ضاعت بجرة قلم في أوسلو وقد تزايد الاستيطان أضعافا مضاعفة بسببها؟

أقول، إذا كان ذرة إحساس فعلينا أن نهجر المفاوضات العبثية مع الاحتلال، بل يجب أن نقاضيه في المؤسسات والمحافل الدولية على جرائم نزع الأرضي الفلسطينية بالقوة، وأن نقاومه ونقف له بالمرصاد، حتى لا نترك له مجالًا لاحتلال شبر ولا لتهجير نفر ولا لاقتلاع شجر ولا حرث ولا ثمر، وهذا يحتاج منا أن نكون موحدين لا منقسمين، وأن نكون مقاومين لا مقاولين لمشاريع التطبيع.