بصراحة: كيف تناقص عدد الفلسطينيين في لبنان؟
بقلم: ياسـر عـزام
تناولنا في العدد الماضي الفارق بين عدد الفلسطينيين المسجلين في الأونروا وعددهم الحقيقي على الأرض الذي تبيّن أنه لا يتجاوز نصف المسجّلين. فكيف تناقص عدد الفلسطينيين في لبنان؟
تقول سجلات «الأونروا» إن عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، في بداية عام 2011 بلغ (455373) لاجئاً، هم (9%) من مجموع اللاجئين المسجلين، يعيش منهم في (12) مخيماً (53.5%) حسب السجلات، وبنسبة زيادة سنوية تبلغ (6.9%). وتُقدّر حالات العسر الشديد بـ(11.9%)، أي ما يساوي (54267) حالة.
المسح الأُسري الذي أجرته «الأونروا» بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت، في صيف 2010 على عيّنة من (2600) أسرة، تضمن معلومات ديموغرافية كمقدمة للمسح، وهي تقديرات «الأونروا» الميدانية (الواقعية، وليست المسجلة). حيث ذكر التقرير أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان يتراوح بين (260) و(280) ألفاً، (وهو رقم تقديري يُستخرج عادةً من عدد البطاقات الصحية النَشِطة، أو من عدد التلاميذ المسجلين × (5) هو معدل عدد أفراد عوائلهم، وفي الحالتين هو تقدير غير دقيق، لكن التقديرين يستأنسان ببعضهما)، ويُصنف نصف هؤلاء عمرياً تحت (25) عاماً. تبلغ حالات الفقر الشديد نسبة (6.6%)، أما نسبة الذين هم دون خط الفقر فتبلغ (66.4%)، وتبلغ نسبة العاطلين من العمل (56%).
ويبدو الفرق بين (455) ألفاً مسجلين في «الأونروا» وواقع متوسط هو (250) ألفاً من المقيمين المسجلين (فضلاً عن أكثر من ثلاثة وثلاثين ألفاً من غير المسجلين)، هناك (205) آلاف غادروا لبنان بشكل شبه نهائي أو يزورونه دورياً بجوازات سفر غالباً ما تكون غربية (حسب إحصاء FAFO يكون الذين غادروا (225) ألفاً)، والرقم يقارب النصف!! فكيف مرّ هذا الفارق بسهولة ومن دون دراسة وبحث وتمحيص؟
أين ذهبت البقية؟ وكيف؟
تعرّض فلسطينيو لبنان لعدة موجات من الهجرة بسبب البحث عن ظروف حياة أفضل، ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية وعلى رأسها الظروف الأمنية.
موجات الهجرة الأولى بدأت في الخمسينيات يمّمت شطر الخليج بحثاً عن العمل وخصوصاً في الكويت، واستمرّت الموجة خلال الستينيات وجزء من السبعينيات، حين تركزت هجرات العمل إلى الإمارات العربية المتحدة.
أما أوروبا، فقد بدأت الهجرة إليها عبر الهجرة التعليمية إلى ألمانيا الشرقية. وفُتحت كوّة من ألمانيا الشرقية عبر مدينة برلين من خلال «نقطة ميتة» لا تقع تحت سيطرة أحد، فكان ينفذ المهاجر الفلسطيني عبرها إلى ألمانيا الغربية.. (كان يخرج من برلين الشرقية إلى برلين الغربية، كي يعيد ضبط إجراءات سفره وأوراقه ويعود، ولكنه كان ينتقل بالقطار المحميّ بمعاهدة تحت أعين الجنود الشرقيين، من برلين الغربية إلى بقية مدن ألمانيا الغربية). ثم فتحت ألمانيا الغربية أبوابها (رسمياً!) لتهريب اللاجئين إلى أراضيها، بصيغة «ادخلوا، ولا تدعونا نراكم داخلين، وصححوا أوضاعكم بعد الدخول!»، وهذا الصيغة اعتُمدت لاحقاً في السويد والدنمارك ولندن.
وكانت هذه الموجات نتيجةً مباشرة لفتح الأبواب (مواربة) في تلك البلدان، حيث كان فتح هذه الأبواب يتمّ في فترات الضغط على الفلسطينيين في لبنان، كعلاج لتنفيس حالة الاحتقان التي تتحكم به في تلك الظروف.. ومنها:
-
الحرب الأهلية اللبنانية (1975).. أنتجت الهجرة إلى ألمانيا.
-
الاجتياح الإسرائيلي (1982).. فتحت السويد أبوابها للاجئين.
-
حرب المخيمات (1985-1988)، وهذه كانت الموجة الأكبر، حيث استكملت السويد استيعابها، وأكملت مهمتها الدنمارك.
-
حرب التحرير (1989).. فُتحت أبواب بريطانيا (الموارِبة)، عبر تأشيرات الترانزيت إلى بلدان في أمريكا، ويجري التسلل خلال محطة الترانزيت إلى لندن.
كثير من المراقبين يسألون: هل حقاً جاءت الهجرات كعلاج لهذه الأحداث؟ أم أن الأحداث جاءت لتبرير الهجرات المقرّة سلفاً؟ أم أن الأمرين منفصلان، وتلقت بعض الجهات أمراً للاستفادة من المستجدات؟
المصدر: البراق عدد شباط 2012