القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

بعد ارتفاع أعمال القتل والتحريض.. فلسطينيو العراق... حين يتكرر مشهد النزوح

بعد ارتفاع أعمال القتل والتحريض.. فلسطينيو العراق... حين يتكرر مشهد النزوح

بقلم: أحمد سعد الدين

لم يكن من السهل على الباحث عن اللاجئين الفلسطينيين العائدين من العراق إيجاد عدد كبير منهم؛ فتلك العائلات التي نزحت عن أرض الفرات، وإن كان عددهم لا بأس به، جرى تسفير عدد كبير منهم إلى دول أوروبية وأمريكية، ومع ذلك فتلك الحالة من اللاجئين تمثل مأساة متكررة عاشها اللاجئون بتفاصيل الهجرة من فلسطين، ولكن هذه المرة في أرض العراق.الذاكرة تعود في الزمان والمكان، وتحديداً في محافظة بغداد. هناك يروي اللاجئون الفلسطينيون طريقة حياتهم وتعاملهم مع القوات العراقية وكيفية التفريق الذي صنعته أيدٍ عربية وأجنبية في التمييز والطائفية، ما دفع الكثير من تلك العائلات إلى اتخاذ قرار الخروج من العراق.

عائلات وتهجير

تعيش عائلة عبد الرحمن في العراق منذ عام 1989 في العاصمة العراقية بغداد، وتحديداً في منطقة المحمودية جنوباً.

لا تختلف حياة عبد الرحمن عن باقي رفاقه ممن تعلموا معه وعاشوا في العراق، وهو من فلسطينيي العراق، قدم أجداده إليه من مدينة حيفا بعد أحداث النكبة.

يقول إن والده كان يعمل أعمالاً حرة، أو كما يقال في اللهجة العراقية (كاسب)، إضافة إلى عمل أقاربه وباقي عائلته في العراق في أكثر من حرفة.

ومع بداية شرارة الحرب الأمريكية، اختلف شكل العراق تماماً، واختلفت حياة اللاجئين الفلسطينيين، حيث يقول إن الحياة في العراق سابقاً كانت أفضل حالاً، وتحديداً قبل الغزو الأمريكي للعراق، حيث تغيرت الحال وأصبحت أعمال القتل والإيذاء مشاهد متكررة.

يروي عبد الرحمن أن الحياة في العراق بالنسبة إلى اللاجئين مختلفة تماماً مقارنة بغيرهم من الجاليات التي سكنت العراق. حتى في أثناء الحرب اعتقد الكثير من اللاجئين أن الحال لا بد أن يتغير. لكن الأمر ازداد سوءاً.

أصبح لدى العائلة تفكير جدي في الخروج من العراق مع ارتفاع وتيرة القتل وصعوبة التنقل وحتى المشي في الجنائز واستهداف قوات الأمن والميليشيات المسلحة للفلسطينيين.

ويتجذر الخوف لدى اللاجئين الفلسطينيين في اعتقاد من يعملون مع الحكومة العراقية وقوات الأمن أن كل فلسطيني وُجد في العراق هو مؤيّد للنظام السابق ويرفض وجود الدخلاء والاحتلال، ما جعلهم عرضة للاستهداف، فضلاً عن العنصرية والتفرقة التي صنعتها أيادي الاحتلال، وجعلت الطائفية والتمييز العرقي أساساً في عملها.

نية الخروج من العراق كانت بادرة شخصية من أسرة عبد الرحمن، وكان التوقيت بالخروج فجراً، وعيون الناس لا تزال في سبات عميق. يشير عبد الرحمن إلى أن الكثير من اللاجئين كانوا لا يريدون الخروج، إلا أن تصاعد أعمال العنف والقتل دفعهم إلى الخروج مدبرين.

كان الاعتقاد بأن تكون العودة إلى العراق شبيهة بالعودة إلى فلسطين في أيام النكسة عام 1967، لكن المشهد فرض نفسه وأبى إلا أن يتكرر سيناريو التهجير للفلسطينيين. لكن هذه المرة ليست من الضفة أو غزة، بل من أرض العراق.

عزمت الأسرة على عدم العودة إلى العراق، وعملت أسرة عبد الرحمن على بيع كل ممتلكاتها من المحالّ التجارية والأثاث، وشرع والده في بناء بيت في أحد أحياء مدينة الزرقاء إيذاناً في بالاستقرار، كحال أغلب اللاجئين العائدين من العراق.

ويستذكر الشاب عبد الرحمن وأسرته، بعد استقرارهم، محافظات العراق وكل ما يذكره في طفولته، إضافة إلى متابعة الدوري العراقي والأكلات العراقية كالباجلا بدهن والمسقف العراقي.

تاريخ اللاجئين في العراق

فلسطينيو العراق هم سكان من أصل فلسطيني يعيشون في العراق، تعدادهم غير واضح منذ حرب العراق عام 2003، وذلك بسبب هجرة الكثير منهم إلى خارج العراق خشية تعرضهم للاضطهاد. أما تقدير تعداد فلسطينيي العراق الذين كانوا يعيشون في العراق منذ عام 1948 إلى اليوم فهو 34 ألف نسمة تقريباً.

حالة اللاجئين الفلسطينيين في العراق تدهورت منذ سقوط نظام صدام حسين، وتعرضوا للاضطهاد من بعض الجماعات المسلحة. معظم هذه الجماعات هي جماعات طائفية، وذلك بسبب استياء تلك الجماعات من الامتيازات التي كانت لدى فلسطينيي العراق في عهد نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

جاء الفلسطينيون إلى العراق على موجات عدة، كانت أولها تتكون من ألفي شخص من سكان حيفا ويافا والبلدات العربية المحيطة بهما، فروا جراء حرب 1948، في حين أن آخرين وصلوا بعد حرب 1967. وكانت الموجة الثالثة من اللاجئين الفلسطينيين هي من الذين وصلوا بعد حرب الخليج عندما اضطر نحو 400,000 فلسطيني إلى مغادرة الكويت.

ولم يعتبر العراق الفلسطينيين لاجئين، لأنه ليس طرفاً في اتفاقية عام 1951 وقانون اللاجئين، ومع ذلك تلقوا المساعدة من وزارة الدفاع العراقية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية. وكانت الحكومة العراقية توفر الحماية للفلسطينيين، وتوفر لهم مستوى جيداً من العلاج، وذلك حسب ما جاء في بروتوكول الدار البيضاء الذي قامت به جامعة الدول العربية في عام 1965. وكانوا يُمنَحون وثائق سفر، وكان لهم الحق في العمل، والحق الكامل في الصحة والتعليم والخدمات الحكومية الأخرى وتملّك البيوت واستئجارها. ووقف الفلسطينيون جنباً إلى جنب مع العراقيين في الحروب وانخفاض مستويات المعيشة نتيجة الحصار الذي فرض على العراق قبل حرب 2003.

التضييق الإداري والتنقل

بعد سقوط نظام صدام حسين، أصبحت عملية تجديد تصاريح الإقامة الخاصة بالفلسطينيين صعبة للغاية، على عكس غيرهم من اللاجئين في العراق، بينما في ظِلّ نظام صدام حسين لم يكن هناك حاجة لحصول الفلسطينيين على تصاريح إقامة. لكن الآن أصبح مفروضاً عليهم أن يخضعوا لاستجواب عند تجديد تصاريحهم كل شهرين. وفي حالة عدم وجود وثائق إقامة سارية المفعول، فإن ذلك يعرضهم لخطر المضايقة والاعتقال عندما تُطلب منهم وثائق لتعريف أنفسهم عند نقاط التفتيش. وأعربت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2005 عن قلقها في بيان صادر عن وزارة الهجرة والمهجرين، ما يشير إلى طرد الفلسطينيين من العراق إلى قطاع غزة. وقد أصدر آية الله العظمى علي السيستاني فتوى في نيسان/ أبريل 2006 تقضي بمنع أي هجمات على الفلسطينيين.

وقد قُصفت العديد من الأحياء الفلسطينية في بغداد، وهوجمت في كثير من الأوقات خلال حرب 2003. بالإضافة إلى ذلك، إن العديد منهم طردوا من ديارهم، واتخذوا في البداية مأوى لهم في ملعب حيفا في بغداد.

كذلك لقي ما لا يقل عن 150 فلسطينياً مصرعهم منذ أيار 2005، غالبيتهم قُتلوا على أيدي ميليشيات، ما دفع العديد من الأهالي الفلسطينيين إلى التوقف عن إرسال أطفالهم إلى المدارس وتوقفوا عن البحث عن عمل بسبب المخاوف من الاختطاف أو القتل. ونتيجة لذلك، فرّ ما يقرب من ألف فلسطيني من العراق بعد سقوط النظام السابق، وتقطعت بهم السبل على الحدود بين العراق والأردن، حيث علقوا على الحدود ومُنعوا من دخول الأردن، ما أدى إلى إقامة العديد من المخيمات على تلك الحدود، مثل مخيم الرويشد. في آب/ أغسطس 2003 وافق الأردن على دخول مجموعة من 386 شخصاً من الأزواج. عاد الكثير من الفلسطينيين إلى بغداد، حيث إنهم أُجبروا على العودة بسبب الظروف المعيشية القاسية في تلك المخيمات التي أقيمت في الصحراء. ويقدَّر عدد الذين بقوا في مخيم الرويشد بنحو 148 فلسطينياً.

كذلك تحركت مجموعة صغيرة مكونة من 19 فلسطينياً إلى الحدود السورية في تشرين الأول/ أكتوبر2005، لكنهم احتُجزوا لشهر واحد قبل أن يُسمَح لهم بدخول سوريا. ووفقاً لمفوضية شؤون اللاجئين، غادر نحو 21 ألف فلسطيني البلاد منذ عام 2003، وبقي فقط 13 ألفاً.

وفي عام 2009 سمحت الولايات المتحدة لأكثر من ألف فلسطيني من فلسطينيي العراق بإعادة توطينهم داخل حدودها، وكانت هذه أكبر عملية إعادة توطين للاجئين فلسطينيين في تاريخ الولايات المتحدة. ويرى منتقدو قرار وزارة الخارجية بإعادة توطين هذه الفئة من الفلسطينيين بأنهم كانوا متعاطفين مع نظام صدام حسين.

وفقاً لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، عاش 34 ألفاً من الفلسطينيين في العراق قبل الغزو الأمريكي في عام 2003، وكانوا يواجهون الكثير من المضايقات والتهديد بالترحيل والاعتداء من قبل وسائل الإعلام والاعتقال التعسفي والتعذيب والقتل. كذلك قتل العديد من الفلسطينيين، أو أُجبروا على مغادرة البلاد، وطُرد العديد من منازلهم بالتخويف، ما أجبرهم إلى مغادرة أماكن سكنهم. واتخذ البعض في البداية مأوى في خيام ملعب حيفا في بغداد.

مخيمات اللاجئين

وتقطعت السبل باللاجئين، وأُجبروا على ترك بيوتهم واللجوء إلى المخيمات المنتشرة على الحدود في كل من سوريا والأردن، بعد الغحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، طُرد العديد من الملاك والمستأجرين الفلسطينيين، وحاول الفلسطينيون الذين طُردوا من بغداد ومدن أخرى الفرار إلى سوريا والأردن اللذين يؤويان مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين. وبسبب التشديدات الأمنية للسلطات الحكومية، غادر الكثير من فلسطينيي العراق إلى أصقاع الأرض والقارات المختلفة في شتات فلسطيني جديد.

المصدر: مجلة العودة العدد الـ54