بعد ستة أعوام فتح
مازالت تبحث عن نفسها
بقلم: د.
سفيان ابو زايدة
قبل يومين كانت
الذكرى السادسة لسيطرة حماس على قطاع غزة بعد صدامات دامية تم خلالها تجاوز كل
المحرمات بعد ان فقد المئات حياتهم و تيتم ابنائهم و ترملت زوجاتهم، اضافة لمئات
الجرحى التي تحولت حياتهم الى معاناة لا تطاق بعد ان فقدوا جزء من اجسادهم. قبل
ستة اعوام تحطمت الوحدة الفلسطينية والتي كانت احدى مقومات الصمود بعد ان انهارت
امام الانقسام السياسي و الجغرافي وتحطمت معها النظرية التي آمن بها الفلسطينيون
لعشرات السنين ان الدم الفلسطيني على الفلسطيني حرام و ان الفلسطيني لن يقتل آخاه
الفلسطيني و ان طهارة البندقية يستوجب ان لا تلوث بالدم الفلسطيني مهما كانت
الاسباب و المبررات.
هناك شعور بعد مرور
ستة اعوام على هذه الكارثة الوطنية بشكل عام وعلى حركة فتح بشكل خاص ان الدروس لم
تستخلص وان العبر لم يتم الاستفادة منها. حتى هذه اللحظة لم يتم تقييم ما حدث
بعيدا عن الحسابات الشخصية وبما يهدف الاستفادة من الاخطاء لتجنب الوقوع بها في
المستقبل و ضمان عدم تكرارها.
حتى هذه اللحظة لا
توجد رواية فتحاوية واحدة تفسر ما حدث من انهيار لمؤسسات السلطة و فقدان حركة فتح
لقطاع غزة لصالح حركة حماس. هناك تحميل للمسؤوليات تصل الى حد الاتهامات لهذا
القائد او ذاك. هناك مواقف قيادات وصل بها الامر للتساوق حتى مع رواية حماس.
حتى هذه اللحظة هناك
خلاف بين قيادات و كوادر وابناء حركة فتح على اسباب واهداف واطراف هذا الصراع.
هناك من تعاطى مع روايات ،حتى وان كان غير مقتنع بها، او اتضح فيما بعد انها غير
صحيحة، وهي ان حماس لم يكن لديها مشكلة مع فتح او مع منظمة التحرير، مشكلتها كانت
مع مجموعة في فتح، ليتضح فيما بعد ان الامر غير ذلك على الاطلاق.
حتى هذه اللحظة ليس
هناك اتفاق على رواية واحدة كيف سقطت غزة. هناك من يقول ان غزة سقطت حين تم ذبح
العقيد راجح ابو لحية عام 2002 ومعه تم ذبح هيبة السلطة، او ان انهيار السلطة حدث
عندما تم ذبح اللواء موسى عرفات عام 2005 في بيته على الرغم من تواجده في المربع
الامني للمنتدى و وزارة الداخلية حيث سمعوا مناشادته دون ان يجرؤ احد على مساعدته.
هناك من يقول ان السلطة انهارت بشكل فعلي عندما تم ذبح العقيد ابو المجد غريب و من
معه في يناير 2007و الذي تم محاصرة بيته على مدار اكثر من سبع ساعات دون امكانية
لعمل شيئ من اجل انقاذ حياته.
هناك من يعتقد ان
قيادة حركة فتح تنازلت عن غزة قبل الخامس عشر من حزيران 2007 بكثير، المنتدى في
غزة اصبح خاليا من غالبية القيادة قبل اشهر. كل اعضاء اللجنة المركزية في حينه
كانوا خارج غزة ولم يوافق احد بالذهاب اليها سوى عضو لجنة مركزية واحد. كل الاعضاء
الاخرين وجدوا مبررات لعدم الذهاب . المجلس الثوري فكر بأن يعقد جلسته هناك من باب
التأكيد على عدم التفريط بهذا المكان الهام و لكنهم تراجعوا و عقدوا اجتماعهم في
رام الله.
بعد الاحدث الدامية و
بعد سقوط غزة تم تشكيل لجنة لبحث ما حدث، وعلى الرغم من احترامي وتقديري لاعضاء
هذه اللجنة، لكن لم يتعاطى احد بشكل جدي مع نتائجها. هدفها على ما يبدوا كان
بالدرجة الاساسية ان لا يلام احد من المقامات العليا، لنصبح اول حركة او سلطة
تحاسب الجندي الذي لم يطلق كل ما لديه من رصاص وتترك القائد الذي تخلى عن جنوده.
نحاكم الجندي الذي سرق رغيف الخبز ونترك القائد الذي اثبت انه فاشل في ادارة
المعركة.
بعد مرور ستة اعوام
ما زالت حركة فتح تبحث عن نفسها وتبحث عن اجابات لما حدث. لذلك، قرر المؤتمر
الحركي السادس الذي عُقد في شهر اغسطس عام 2009 تشكيل لجنة لبحث اسباب سقوط غزة،
حسب علمي وعلى الرغم من اننا اصبحنا على ابواب المؤتمر السابع و بعد مرور ما يقارب
الاربع سنوات حتى الان لم يتم حتى تشكيل هذه اللجنة.
ما يؤلمني هذه الايام
هو ان ابناء فتح، خاصة في قطاع غزة يتنافسون على المواقع، ويتصارعون على اللجان،
ويتصرفون وكأنه لم يتغير شيئ وانهم ما زالوا يحكمون غزة. من يستمع الى الاحدايث و
الطعن والنهش وتشكيل لجان وتعيين قيادات يشعر وكأن شيئ لم يتغير. يختلفون على كل
صغيرة وكبيرة، ولا يريدون ان يستسلموا للحقيقة التي اصبح عمرها ستة اعوام ان فتح
في غزة غير مسموح لها ان تمارس اي شكل من اشكال العمل التنظيمي وان مقراتها
الرئيسية اصبحت عبارة عن مراكز لشرطة حماس.
بعد ستة اعوام ابناء
فتح بحاجة الى انتفاضة داخلية تطوي مرحلة وتبداء مرحلة جديدة، انتفاضة تعيد فتح
الى مكانتها الحقيقية كرأس حربة للمشروع الوطني الفلسطيني. هناك قيادات قدمت للشعب
الفلسطيني الكثير واعطت شبابها وحياتها لفتح ولفلسطين ولكن هذه القيادات التي نضعها
فوق رؤوسنا لم يعد لديها القدرة والامكانية لمواصلة المشوار. هناك قيادات كانت
عبارة عن رأس الحربة لقيادة خط سياسي محدد ثبت انه فاشل وهم انفسهم يقولون ان لا
امل في الاستمرار بهذا الطريق، ليس من العيب ان يقولوا حاولنا واجتهدنا ولم نعد
قادرين على مواصلة المشوار.
بعد ستة اعوام فتح
بحاجة الى توحيد صفوفها ونبذ الخلافات ما بين ابناءها وقياداتها لان المشوار ما
زال طويل وارث هذه الحركة لا يمكن ان يختزل في شخص او حتى مجموعه، ولان القواسم
المشتركة التي توحد اكثر بكثير من عوامل الفرقة والتشرذم.
المصدر: وكالة معاً
الإخبارية، 16/6/2013