القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

بعض الظلم الذي يدفع فلسطينيي سورية في لبنان إلى الهجرة!

بعض الظلم الذي يدفع فلسطينيي سورية في لبنان إلى الهجرة!

بقلم: ياسر علي

استعنت بمعلم دهان فلسطيني من سورية، وفي استراحة الشاي حدثني عن أن الهجرة إلى الغرب جريمة، وأن من يقوم بذلك يرتكب بحق نفسه وعائلته جريمة تاريخية.

فقلت له: وما هي فرص العمل عند الفلسطيني في ‏لبنان، فضلاً عن أخيه الفلسطيني القادم من سورية؟

قال: لا بدّ من التفتيش. ها أنذا أعمل في مهنتي، وربنا ساتِرني، مع أني تركت المدرسة باكراً!!

سألته عن العاملَيْن اللذين معه يساعدانه؟

فقال: هما أخواي، واحد أستاذ رياضيات، بخبرة 15 سنة، وقد قدّم في لبنان على عشرات المدارس ولم يقبلوا به. والثاني متخصص اقتصاد ومحاسبة، وأيضا لم يجد عملاً حتى الآن، لذلك يعملان بالدهان معي.

قلت: وهل لديهما فرصة للعمل في لبنان؟

قال: لا، لذلك يحاولان الهجرة.

قلت له: يا صديقي، لا تلُم الغرب على قبوله المهاجرين! ولا تلُم المهاجرين لحرصهم على الهجرة! بل الملامة تقع على طغاة هذه البلاد وأنظمتها التي تلفظ أبناءها..

إزاء هذا الحوار، يمكن أن نجد الكثير من الأسباب التي تدفع فلسطينيي سورية تحديداً إلى الهجرة غير الشرعية بأي شكل وبأي ثمن!

منذ اللحظة الأولى لوصول اللاجئ الفلسطيني من سورية إلى لبنان، يُعامل معاملة السائح أو لازائر، ولا ينال حقوق اللاجئ وفقاً للمعاهدة الدولية لعام 1951 الخاصة باللاجئين. فلا يسمح له بالإقامة كلاجئ، ويُحرم من الوجود القانوني. ومما يضعه تحت بند الملاحقة القانونية والترحيل القسري من لبنان.

ويواجه أبناء اللاجئين الفلسطينيين من سورية إلى لبنان صعوبة في التسجيل في المدارس الرسمية في لبنان، فيما برامج الأونروا تعاني تهديداً مستمراً بالتوقف.

وترفض الجهات اللبنانية الرسمية تسجيل المواليد الجدد لديها، وتربط ذلك بحصول أهله على حق الإقامة في لبنان، وهذا أمر صعب ومكلف.

ويعاني فلسطينيو سورية في لبنان ما يعانيه فلسطينيو لبنان، من حرمانهم الحقوق المدنية والاجتماعية، كحق العمل وحق التملك وحق الاستشفاء وحق التعليم، وغيرها..

أما القرارات اللبنانية المفاجئة التي تضيّق على الفلسطينيين معيشتهم فقد أدّت إلى تشتّت العائلات الفلسطينية بين سورية ولبنان بسبب إغلاق الحكومة اللبنانية للمعابر الرسمية ومنع الفلسطيني السوري من الدخول إلى لبنان، ولم يستطع من أراد العودة إلى سورية من تأمين مغادرته مرة أخرى في حال تأزم الأوضاع في مخيمات سورية.

وقد نظر اللاجئون الفلسطينيون إلى حالات فلسطينية ناجحة (فلسطينيو أوروبا) هاجرت وتمكنت من توفير مستقبل آمن لأبنائها والحصول على الجنسية الأوروبية وجواز السفر الذي يمكنها من الدخول إلى كل دول العالم من دون تأشيرة، بما فيها فلسطين المحتلة، على عكس الوثيقة الفلسطينية التي لا يتمكن حاملها من التنقل فيها أو حتى العودة أحياناً إلى الدولة التي أصدرتها كما هو الحال بالوثيقة المصرية. وأدركوا أيضاً غياب الحاضنة الشعبية للاجئين على الصعيد اللبناني، وعنصرية القوانين المطبقة في لبنان تجاههم. فأخذوا العبرة والدروس من الماضي الذي أثبت أن البقاء في الدول العربية لا فائدة مرجوّة منه، لأنه لا كرامة للاجئ فيها مهما طال زمن بقائه فيها.

ولكن لماذا اليوم؟

جاءت كل هذه الظروف المذكورة أعلاه في ظل ثلاثة عوامل وأزمات مساعدة للظلم الذي يتعرضون له:

الأول: أزمة الأونروا التي أشعرت الفلسطينيين بفقدان الحضن الآمن، وبالتالي الضياع في مهب البلاد وصراعاتها. وخصوصاً في ظل غياب منظمة التحرير الفلسطينية عن دورها الأساسي، وهو رعاية شؤون اللاجئين في العالم.

الثاني: معارك مخيم عين الحلوة، التي ترافقت مع إشاعات عن قرار بتدمير المخيم، على غرار ما جرى في مخيم نهر البارد، وربما وفق أجندة دولية وإقليمية.

الثالث: أن أوروبا فتحت علناً وقانونياً واقتصادياً باب الهجرة للسوريين وغيرهم، وأطلقت هستيريا الهجرة غير الشرعية.

وتضافرت العوامل الثلاثة لكي يستدين الفقيرُ، ويبيع الميسورُ أملاكَه، من أجل هجرة إلى أوروبا لا تُعرف مآلاتها بالنسبة إليه، إلا أنها تظل بكل الأحوال أفضل من الواقع الذي يعيش فيه.

وكما قال أحدهم: هجرتنا هروب من موت محقق إلى موت محتمل. أو من كرامة مسلوبة إلى كرامة معقولة!!

لكن يبقى السؤال المستغرِب: لماذا تضايقون اللاجئين الفلسطينيين في أربع جهات الأرض، ووتضيّقون عليهم خيارات الهجرة، فتلقون القبض عليهم وتمنعونهم من السفر، وتسجنونهم وترحلونهم إلى بلادهم التي فرّوا منها.