القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

بقرة مخيم بلاطة

بقرة مخيم بلاطة

معاذ عابد

بعد رحلات الهجرة المكوكية في ربوع فلسطين ودول الشتات عام 48 برعاية الدول العربية والعصابات الصهيونية، انطلقت رحلة من قرية يازور قرب يافا واتجهت إلى منطقة دير أبو مشعل في وسط فلسطين. ومن هناك توجهت القافلة المكونة من 3 عائلات إلى مدينة نابلس حيث سكن أفرادها بادئ الأمر في خيمة تتشاركها هذه العائلات في الملعب البلدي لمدينة نابلس، ثم انطلقوا إلى مخيم بلاطة. جدتي وأخوان لها قاموا بجمع كل ما يملكون من مصاغ وأموال ليشتروا بقرة، بقرة لا صفراء ولا حمراء ولا كان في خاطرهم إلا أن تكون بقرة حلوباً. وبالفعل، تم المشروع الاستثماري الأول في المخيم وأصبح الحليب مدراراً يباع كل يوم وتتقاسم العائلات الثلاث ثمن الحليب مع البقرة: بنصف المال المتوافر يُشترى طعام للأسر، بالإضافة إلى مؤن وكالة الغوث، وبالنصف الثاني يُشترى طعام للبقرة.

وفي ليلة دهماء والبقرة على وشك أن تضع عجلاً، علقت العائلات الثلاث عليه أمالاً عريضة وأحلاماً واسعة قد تكون وصلت إلى بناء سقف أو قد يتطرف أحد الشباب في تلك العائلات ويحلم بثياب كاملة له وحده.

في تلك الليلة الظلماء اختفت البقرة، واستيقظت العائلات على الفجيعة: المستقبل ضاع وأحلام الشباب ذهبت في60 داهية، واشتعلت حملة البحث وتقصي الحقائق. وتألفت محكمة دولية في جهدها الاستقصائي كانت كلجنة ميليس وأعوانه، لكن هذه كانت للبحث عن بقرة. يقع المخيم فوق سهل، وحوله بعض الجبال التي تنتشر فيها بعض القرى. ومع البحث وتتبع الأثر، تبين أن البقرة المغدورة قد ساقها اللصوص إلى قرية «كفر قليل» القريبة من المخيم، وبالفعل عادت الأحلام تتجدد والآمال تُعقد على البقرة وعجلها القادم على الطريق.

وأعادها الشباب والأولاد إلى المخيم. لكن البقرة التي كانت على وشك أن تضع عجلها، أصيبت بالإنهاك بسبب الطريق الوعرة التي سلكها اللصوص. وفي طريق العودة وقعت البقرة وكادت تفارق الحياة لولا أن أدركها أحد الشباب بسكينه وسمى باسم الله وكبّر، وذبحها والدموع تنهمر من عينيه وعيون الحاضرين. فحلمهم بمستقبل يضمن عيشاً يندرج تحت باب «كفاف يومنا» قد تبخر.

عاد الشباب إلى المخيم بالبقرة، ولكنها كانت كتلة من لحم فقط. استقبلتها العائلات الثلاث بدموع القهر والحرقة، شاركهم الجيران حزنهم بالفقيدة الغالية.

بعد يوم بدأت حملة توزيع اللحم على اللاجئين في خيامهم. وبالرغم من المصيبة ومن الحزن، إلا أن هذا الحزن انقلب فرحاً وضحكاً أثناء توزيع اللحمة التي لم يذقها بعض الأطفال منذ خرجوا صغاراً إلى المُخيم. في تلك الليلة، أكل جميع سكان المخيم طعاماً يتضمن اللحم.

المصدر: جريدة الأخبار اللبنانية