بندقية «فتح» تتوحّد فتفرّخ دكاكين
بقلم: قاسم قاسم
حاولت حركة فتح توحيد عسكرها. هذه المرة كانت المحاولة جدية. لكن يبدو أن توحيد البندقية الفتحاوية أصعب ممّا كان متوقعاً. يوم أمس، أعلن قائد الأمن الوطني الفلسطيني صبحي أبو عرب إلغاء كل القرارات التي اتخذها، بانتظار رضى «اللينو» وقرار محمود عباس
خرجت في عين الحلوة في اليومين الماضيين تظاهرات ضد الجيش اللبناني وإجراءاته الأمنية على الحواجز الموجودة على باب المخيم، وضد قائد حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد تصريحه بعدم ممانعته من تحويل مخيم عين الحلوة إلى نهر بارد آخر. المتظاهرون كانوا على بعد أمتار من حواجز الجيش، ومن بين المتظاهرين كان هناك وجه بارز، هو وجه قائد الكفاح المسلح محمود عيسى «اللينو». الرجل ورجاله كانوا على الأرض للفصل بين الطرفين كي لا تخرج الأمور عن السيطرة.
وهو كان موجوداً على الأرض بصفته «قائداً للكفاح المسلح». القطوع الأمني «مرّ على خير»، تقول أوساط «اللينو». وتضيف أن «أبو العبد وأعضاء لجنة المتابعة كانوا أمس في ضيافة رئيس فرع استخبارات الجيش في الجنوب العميد علي شحرور» الذي نقل إلى «اللينو» «شكر قيادة الجيش على مساهمة الكفاح المسلح في ضبط «الأرض»، «ووعد بتخفيف الإجراءات الأمنية على باب المخيم»، بحسب أحد الذين حضروا اللقاء.
هذه التظاهرات التي كادت تخرج عن السيطرة، رأى بعض المتابعين للشؤون الفتحاوية فيها رسائل موجهة إلى الداخل الفتحاوي، أراد «اللينو» إيصالها الى كل من يهمه الأمر في السفارة والسلطة الفلسطينيتين. ويؤكد بعض المسؤولين في سفارة فلسطين أن الرسالة وصلت، و«اللينو أراد إظهار نفسه على أنه رجل فتح الأقوى في المخيم، وأنه الوحيد الذي يستطيع الإمساك بالأرض وضبط ما يجري».
من جهتها، تنفي أوساط «اللينو» أن يكون هذا هو «هدف التظاهرات». وتوضح: «في البدء كانت هذه المسيرات عفوية، ثم ما لبث أن شارك فيها بعض المشبوهين المعروفين بالأسماء، محاولين الإيقاع بين الكفاح المسلح والجيش، فقلنا لهم إن الجيش خط أحمر، ولن نسمح لأحد بأن يتجاوزه».
بعد هذا «القطوع» الذي تصفه مصادر اللينو بـ«الخطر»، ثمة «قطوع» آخر يعيشه مخيم عين الحلوة، وفتحاويّوه تحديداً، حيث إن الانقسامات داخل الحركة وصلت إلى حدّ يهدد بسقوط المنزل الفتحاوي فوق رؤوس قاطنيه في المخيم، إذ أرسل «اللينو» أمس كتاباً إلى قائد «قوات الأمن الوطني الفلسطيني» صبحي أبو عرب، طالباً منه عدم تخطّي صلاحياته وتبديل أسماء تشكيلات الكفاح المسلح، لأنها خارج مسؤولياته. وكان أبو عرب قد بدأ بتغيير أسماء المسؤولين العسكريين لفتح بهدف دمج التشكيلات المسلحة ضمن «الأمن الوطني الفلسطيني»، فأصبح المقر العام «كتيبة المقدس»، والكفاح المسلح «كتيبة شهداء عين الحلوة».
وبالنسبة إلى مقرّبين من «اللينو»، فإن هذه الإجراءات شكلية، إذ إن «قرار الدمج لم يصدر بعد عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن)، وعلى هذا الأساس لا يزال «اللينو» قائداً للكفاح المسلح في لبنان». وتضيف أوساط «اللينو» أن الأخير لا يزال «قائد الكفاح المسلح، وتأكيداً على ذلك، أقال منذ قرابة أربعة أيام قائد حواجز الكفاح في عين الحلوة أبو علاء السعدي من مسؤولياته وعيّن مكانه قتيبة تميم».
يذكر أن أبو عرب ردّ على رسالة «اللينو» بطريقة غير مباشرة، من خلال تعيينه السعدي قائداً لـ«كتيبة شهداء عين الحلوة»، ما يعني «إعفاء اللينو من مهماته ووضعه تحت إمرة السعدي في حال تمت عملية الدمج بنجاح»، بحسب أحد قادة فتح في عين الحلوة.
هكذا، لا يزال طرفا الصراع مصمّمين على مواقفهما، رغم أنه كان مطلوباً من الرجلين التنسيق معاً للخروج بتصور لعملية الدمج. لكن كل هذه الأفكار نُسِفَت بعد وصول مسؤول الساحة اللبنانية في حركة فتح عزام الأحمد مبعوثاً من رام الله، وطرحه أسماء اللجنة التي ستساعد أبو عرب، والتي تضم 6 أشخاص، بينهم «اللينو» واثنان من أبرز خصومه (منير المقدح وخالد الشايب).
ورغم ما تقدم، فإن اللينو «مطمئن»، إذ ترى مصادره أن الأحمد «لن يجرؤ على تقديم تصوّر إلى أبو مازن لا يكون اللينو طرفاً فيه». وتؤكد هذه المصادر أنه خلال اجتماع إقليم الساحة في الحركة «أعلن اللينو رفضه توصية الأحمد بتأليف لجنة لمعاونة أبو عرب». ويضيف أحد من حضروا الاجتماع أن «اللينو» صرخ في وجه عزام قائلاً له: «اتفضل ارفع توصيتك بس أوعا تحط اسمي بين الأسماء المطروحة، وبس يوقّع الرئيس القرار أنا بضربلكم تحية». وتقول هذه المصادر إن «اللينو» ردّ على الأحمد بعد قوله إنه مفوّض الساحة، «ما شاء الله عنك، الرئيس وين ما بروح بياخدك معاه. مالك ومالي. قلتلك جوابي نهائي مش رح شارك. روح جيب قرار وتعال».
من جهته، قال أبو عرب لـ«الأخبار» إن «عملية دمج الأذرع العسكرية بدأت، وهناك بعض الأمور العالقة، ولا نزال نتشاور بشأنها». يضيف أنه «في الأيام المقبلة سنعلن ما توصلنا إليه». ويؤكد أبو عرب أن لا خلافات مع «اللينو»، ويستشهد بأنهما كانا في «التظاهرات الأخيرة وحاولنا ضبطها معاً»، لافتاً إلى أن اللينو «ابن حركة فتح، وهو سيلتزم بما تقرره الحركة».
وجرت مساء أمس اتصالات بين «اللينو» وأبو عرب، أعلن فيها الأخير أنه ألغى كل القرارات التي اتخذها في ما يتعلق بالتشكيلات والتعيينات التي جرت. وتقول مصادر «اللينو» إن أبو عرب «قرر إلغاء هذه القرارات بعدما شعر أن عزام الأحمد وضعه في بوز المدفع أمام المؤسسة العسكرية في فتح». وفسرت المصادر هذا التراجع «بأن أبو عرب عرف أن ما جرى الاتفاق عليه عندما كان أبو مازن في لبنان يختلف عمّا قام به، وهو بحاجة إلى قرار رئاسي للقيام بعملية الدمج».
من جهتها، قالت مصادر في رام الله إن «الأحمد طلب من الرئيس أبو مازن إعفاءه من مهمة توحيد عسكر فتح في لبنان». وأضافت أنه «في الأيام المقبلة سيأتي وفد عسكري من رام الله من أجل إعداد دراسة تقنية لوضع فتح العسكري». عودة إذاً إلى نقطة البداية: دكاكين فتح ستبقى مفتوحة إلى أجل غير مسمّى.
المصدر: جريدة الأخبار