«بوسطة
أبو حامد»: حملت برتقال يافا واللاجئين
بقلم: امجد سمحان
قبل نحو سبعين عاماً، اشترى
الشيخ حامد اللفتاوي شاحنته «الدودج» لنقل البرتقال من يافا إلى المدن الفلسطينية والعربية
المجاورة. وبعد ثماني سنوات من شرائها، تحوّل دور الشاحنة. صارت وسيلة لنقل اللاجئين
المشردين من يافا وحيفا وعكا.
رحل الشيخ حامد وبقيت شاحنته
لتظل شاهداً أصمَّ على النكبة. «العالم اليوم يقف أصمَّ» أمام نكبة شعب ما زال يبحث
عن وطن، هذا ما قاله ورثة الشيخ حامد، الذين ما زالوا يحتفظون بالشاحنة وكل مقتنيات
الجد للعودة بها يوماً إلى حيث هجروا.
يقول عماد، ابن الشيخ حامد،
لـ«السفير»، «كان والدي يعتني بهذه الشاحنة كما يعتني بنا. وكان يؤمن بأنه سيركبها
معنا يوماً لنعود بها إلى قريتنا لفتا، من حيث هجرنا». وأضاف «سأحافظ على هذه الشاحنة
ما حييت، وسأعود بها إلى وطني الذي رحّلوني عنه، وسأحمل معي رفات والدي لأدفنها حيث
دفن أجدادي».
حكاية «بوسطة أبو حامد»
هي حكاية النكبة. لكن الشاحنة وجدت من يعتني بها «على عكسنا نحن اللاجئون» يقول عماد.
ليست الشاحنة فقط هي ما
يعتني به عماد، وليست هي فقط ما ورثها عن والده. فهو لا يزال يحتفظ ببندقية والده.
وما زال مفتاح البيت و«كوشان الطابو» حاضراً بين يديه. أما البندقية «فهي تلك التي
كان يحملها والدي في العام 48 ليدافع عن فلسطين. حين نفدت ذخيرتها بسرعة وعجزت، مع
بنادق أخرى عربية وفلسطينية، عن صد العدوان وحماية الأرض».
عواطف عماد حامد اليوم
معلقة بالشاحنة. فهو يعتني بها كما يعتني بأولاده. ويصونها ويحافظ عليها كما «يجب أن
نحافظ على فلسطين». يقول في حديثه إلى «السفير»، «كنت سجنت 18 عاماً، وطيلة فترة سجني
خفت على شاحنة والدي، وأوصيت أهلي بها، هي والبندقية، فهي ما زالت تحمل رائحة عرق والدي،
وعرق اللاجئين».
واستخدم الشيخ حامد شاحنته
لنقل البرتقال من يافا إلى دول عربية ومدن فلسطينية، وكذلك حمّل على متنها، حين كان
تاجراً قبل أن يتشرد، صابون نابلس، وزيتون الخليل، ولبن النوق والأبقار في بئر السبع،
وتنقل فيها من شمال فلسطين إلى جنوبها، من القدس إلى بيت لحم قبل أن يحمل على متنها
العشرات من اللاجئين لينقلهم من مناطق هجروا عنها إلى «برّ الأمان».
يقول عماد «قد يسخر البعض،
لكن في هذه الشاحنة تشتم كل شبر من تراب فلسطين»، مضيفاً «آخر ما اشتمه على متنها هو
رائحة والدي وأهلي اللاجئين الذين رحلوا على متنها عن ديار سنعود لها يوماً».
المصدر:
السفير