تبعات ونتائج إبعاد نواب حماس عن بلغاريا
بقلم: د. عدنان أبو عامر
لم يحظ قرار بلغاريا بإبعاد نواب حركة حماس الذين قاموا بزيارتها بكثير من التغطية الإعلامية، والحديث الصحفي، رغم أن الحادثة لها دلالات بعيدة المدى، وإسقاطات مرتبطة بسقف العلاقات الغربية لحماس، مع أجواء من الانفتاح عليها خلال السنوات الأخيرة.
مع العلم أن قرار الإبعاد بحد ذاته لم تعطه حماس ذلك الإبراز الدعائي، رغم اعتباره لدى بعض الأوساط القانونية والدبلوماسية مخالفة سياسية من العيار الثقيل، بأن يقتحم رجال أمن مكان إقامة نواب يمتلكون حصانة رسمية، ويصطحبونهم إلى المطار، ويتم ترحيلهم على الفور! ربما لأن الأمر يتعلق بعدم اعتبار الزيارة من أساسها ذات وزن معتبر، وأهمية استثنائية، لأن البلد المستهدف بلغاريا، لا يشكل عملياً محوراً ارتكازياً داخل الاتحاد الأوروبي، ما يعني أن فوائدها –فيما لو تمت على خير- لن تكون بذلك الحجم المتوقع.
أكثر من ذلك، ربما وجب على وفد حماس الزائر أن يراقب التوقيت الميداني للزيارة بصورة أكثر حذراً، لاسيما وأن بلغاريا تخوض لتوها مشكلة أمنية مع حزب الله، الذي يفترض أنه أحد حلفاء حماس، على خلفية التفجير الذي شهدته مدينة "بورغاس" قبل أشهر، واستهدف حافلة تقل سياحاً إسرائيليين، مما كان يتطلب من حماس أن ترجئ الزيارة، على الأقل إلى حين تراجع الضغط الإسرائيلي الممارس على السلطات البلغارية.
هذا الحادث يفتح النقاش واسعاً على أن المنظومة الغربية، سواء كانت الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، دخلت "مضطرة" لإجراء الحوار مع حماس، بعد أعوام على إدراج مكتبها السياسي ضمن لائحة الإرهاب، رغم وجود ضغوط إسرائيلية كبيرة في إتمام التبعات المترتبة على قراره هذا، وأن يواصل اتخاذ الإجراءات العملية الميدانية لترجمته، بحق حركة تحظى بثقل شعبي، ووجود سياسي، ليس بالإمكان تجاهله أو التغاضي عنه.
ولم تكن هذه الحوارات واللقاءات التي تمت حباً في سواد عيون قادة حماس وكوادرها، بل في ضوء التمدد الشعبي الذي تحققه يوماً بعد يوم، على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية والإغاثية، رغم قرار الحصار المفروض على قطاع غزة الذي تسيطر عليه الحركة، ولذلك لا عجب إذا لاحظنا خلال السنوات الأخيرة تكثيف الزيارات التي يقوم بها القناصل والمسئولون الغربيون القادمون من القدس (وتل أبيب) للمؤسسات المقربة من حماس في الأراضي الفلسطينية.
وبغض النظر عما يدور من مناقشات مطولة بين حماس والمسئولين الدوليين، سراً وعلناً، فإن هناك العديد من الحوافز والدوافع التي تجعل المجتمع الدولي ساعياً لإجراء هذه الحوارات مع الحركة، أهمها التوجه الغربي الحالي بإجراء مراجعة شاملة لسياساتها تجاه الأحزاب والحركات الإسلامية ذات التوجهات "المعتدلة" في المنطقة العربية، انطلاقاً من إدراكهم لقوتها وتأثيرها في الرأي العام داخل مجتمعاتها، والرغبة الدولية بمعرفة المزيد من مواقف حماس تجاه عدد من القضايا السياسية والاجتماعية والفكرية.
يأتي ذلك بعد أن ثبت لديهم أن هناك مسافة كبيرة، بين الفكر الإخواني الذي تحمله حماس، المتسم بالعديد من سمات الاعتدال، الوسطية، الانفتاح على الآخر، وبين المدارس الفكرية الأخرى في حقل العمل الإسلامي كتنظيم القاعدة والتيارات الفكرية الأخرى.
ومع ذلك، فلم تكتف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والرباعية الدولية، عبر حواراتهم مع حماس، مباشرة أو عبر وساطات، بالتلميح لها بضرورة السير في عملية التسوية "المشلولة" منذ زمن، بل شددوا على ضرورة انتزاع اعتراف فلسطيني جديد ب(إسرائيل)، لكن هذه المرة متسلح بعباءة دينية إسلامية، وبالتالي سيكون اعترافاً مجزياً، لاسيما وأن حماس تنظر في بعض أدبياتها على أن جذور الصراع مع (إسرائيل) عقائدية، باعتباره صراع وجود لا نزاع حدود.
مع ملاحظة أن الخط البياني لعلاقة حماس مع معظم الدول الأوروبية اتسم بـ"التصاعدية البطيئة"، بينما في علاقتها مع الولايات المتحدة مال للهبوط السريع رسمياً، وإن كان خطابها السياسي تجاه علاقاتها السياسية التي بدأت بأطروحات سياسية مؤدلجة، تحول إلى سياسية واقعية، وصولا لوضع المصلحة الفلسطينية العامة محدداً ومنهاجاً لها.
أخيراً...لاشك أن لحادثة بلغاريا تبعات سلبية على حماس من جهة تباطئها في التجاوب مع أي تقارب مرتقب مع عاصمة أوروبية أخرى، خشية من تكرار الموقف ذاته في مرات قادمة، ومن جهة أخرى سيلقي الحادث بثقله على باقي العواصم التي ستتردد كثيراً في توجيه دعوات مماثلة.
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام