تحالف قطر وحماس بين
الاستراتيجيا والتكتيك
بقلم: أحمد عازم
وَثاقَة علاقة الإخوان المسلمين مع النظام القطري سِر
معلن؛ ليس مخفيّا ولكنه يحتاج في بعض الحالات، وليس كُلّها، إلى بعض التدقيق، والتوصيل
بين النقاط المتباعدة حتى يتضح شكل المشهد. وعلاقة "حماس" مع الدوحة، جزء
من مشهد العلاقة الإخوانية القطرية.
ولكن هل التحالف، أو التعاون، استراتيجي دائم أو مؤقت،
وهل هناك بذور أو بوادر خلاف؟ إذ عارضت "حماس" مثلا المواقف التي قادتها
قطر مؤخرا، وهي على رأس وفد جامعة الدول العربية إلى واشنطن، وتضمن الإعلان الموافقة
على تبادل محدود في الأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
علاقة قطر مع الإخوان المسلمين متشعبة، فيها شق علاقات
شخصية، تأخذ شكل احتضان ناشطين معينين من الإسلاميين. وعلى سبيل المثال الشيخ يوسف
القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، المصري الأصل، الذي يحمل الجنسية
القطرية. والقرضاوي ذاته يفتخر بدوره في الثورة المصرية، ومن ذلك ما كتبه على موقع
على الإنترنت بعنوان "الشيخ القرضاوي والثورة المصرية" ويفتخر بمن قال له
"إن مواقفك في تأييد هذه الثورة ومساندتها، والاحتجاج لها، والدفاع عنها من أول
يوم، من الوضوح والقوَّة والتنوُّع والكثرة، بحيث لا تخطئها عين، ولا تنكرها أذن، ولا
يجحدها مراقب". بل ويتحدث مقرا ما يقول إنّ شبّانا "من صناع الثورة"
أخبروه به: "نريد أن نُسرَّ إليك بحقيقة لمسناها بأنفسنا، وهي أن العدد الذي زاد
على أربعة ملايين في ميدان التحرير يوم جمعة النصر، منهم عدد كبير جاء من أجلك، والاستماع
إليك، من الإسكندرية والغربية وسائر محافظات الوجه البحري والصعيد". وهو يعلن
أنّه في مرحلة ما بعد الثورة يريد أن ينشر )"فقه الثورة) أو (فقه الثورات) للأمة"
بالكتابة والنشر في هذا الشأن.
ورفيق عبد السلام، وزير الخارجية التونسي السابق،
(2011- 2013)، صهر راشد الغنوشي قائد حركة النهضة التونسية (الجناح التونسي للإخوان
المسلمين)، الذي كان رئيس قسم الأبحاث في مركز الجزيرة للدراسات الحكومي، في الدوحة.
وهناك كذلك صهر (زوج بنت) يوسف القرضاوي، هشام مرسي، الذي كان له دور لافت في بدايات
الثورة المصرية، والذي أسس في لندن عام 2004 أكاديمية التغيير، وبدأت منذ العام
2005 بتقديم دورات داخل مصر عن النضال اللاعنفي والعصيان المدني، وتجارب إسقاط حكم
سلوبدان ميلسوفيتش في صربيا بالقوة، عام 2000، وانتقلت الأكاديمية إلى الدوحة عام
2006، واستمرت في النشاط أثناء وبعد الثورة.
وضمت قناة الجزيرة عددا لا يستهان به من الإسلاميين
الحركيين، الشبان، في مواقع قيادية.
ويعتقد القرضاوي أنّه صاحب أثر خاص في الحركات الجهادية
الفلسطينية، فيقول "كان الإخوة القائمون بأمر الجهاد في العالم العربي، مهتمين
دائما بموقفي، وضرورة التنبُّه له، والتنبيه عليه، والتمسُّك به، من أمثال أبي الوليد
خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي في حركة "حماس")، و (زعيم حركة الجهاد الإسلامي
الفلسطينية)، رمضان عبد الله شلّح، ومنير شفيق، وبشير نافع، (كاتبات فلسطينيان إسلاميان
معروفان) ومَن سار على دربهم."
وتعكس زيارة القرضاوي الأخيرة إلى قطاع غزة، مدى التبجيل
الذي يحظى به داخل "حماس"، وهو ما يمكن رؤيته بالتوازي مع دور وقنوات وعلاقات
القرضاوي القطرية.
بطبيعة الحال قطر هي الراعي العلني لحركة "حماس"
حيث يقيم رئيس مكتبها السياسي وعدد من قادتها، وتعقد الحركة اجتماعات في عاصمتها، وكان
أمير قطر أول زعيم دولة يزور غزة تحت حكم "حماس"، وتعهد بضخ المزيد من الأموال
هناك.
مؤخرا برز تباين بين قطر و"حماس" في أكثر
من ملف؛ في موضوع المبادرة العربية للسلام، وضع د. محمود الزهار، القيادي البارز في
الحركة عبارة على صفحته على "الفيسبوك" نصّها "هل نتنازل عن أرضنا لنرضي
قطر؟". وأعلن قادة آخرون في "حماس" بوضوح رفض المبادرة. واعتبر الناطق
باسم الحركة، سامي أبو زهري، فكرة تبادل الأراضي التي طرحها الوفد العربي برئاسة قطر
مؤخرا في واشنطن خطوة «خطيرة» و«خطيئة» كبرى ارتكبت. وبدوره قال رئيس المكتب السياسي
للحركة، خالد مشعل: "حماس ترفض تلك المبادرات وسياسة التنازلات التي تصب في صالح
إسرائيل".
في الملف السوري، وأيضا على صفحته على "الفيسبوك"
قال موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي في الحركة، تعليقا على الغارة الإسرائيلية
على دمشق، "أحسنت المعارضة السورية بإدانة هذه الغارات الآثمة"، مؤكدا أن
رفض التدخل الخارجي في الشأن السوري يجب أن يكون محل إجماع لكل الفرقاء ولكل العرب.
وبهذا يتباين موقف "حماس" الرافض للتدخل الأجنبي مع موقف قطر الداعية إلى
ذلك.
وفي حديث صحافي لصحيفة الدستور الأردنية،دعا الزّهار،
الذي تشير التقارير أنّه فقد موقعه في انتخابات المكتب السياسي الأخيرة للحركة،
"المكتب السياسي الجديد لحركة حماس بقيادة رئيس المكتب خالد مشعل إلى عدم التجاوب
مع «الرضوات والجاهات» للانحراف بالحركة الى اتجاهات أخرى"، ما يكشف وجود ضغوط
على "حماس" أهم مصادرها على الأغلب هو الدوحة.
إذا كانت السياسة لا تعرف عادة صداقات دائمة، وتقوم
على المصالح، والمصالح متغيرة، فإنّ هذا قد يعزز فكرة أنّه من حيث المبدأ لا يوجد تحالف
دائم، بما في ذلك بين "حماس" والدوحة. وتجربة "حماس" مع النظام
السوري، وحزب الله، تؤكد ذلك، فحتى قيام الثورات العربية، كان العالم يتحدث عن تقسيم
العرب إلى فريقين: "الاعتدال" و"الممانعة". وكان الفريق الأخير
يضم سوريا وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وأحيانا كان يتم ضم ليبيا والجزائر، وكانت
قطر داعمة لهذا المحور. وبالخلاف حول سوريا انتهى التحالف، بما في ذلك تدهور العلاقة
مع حزب الله، الذي يمثل المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل.
تقود قطر جهود التسوية السياسية، وأعلن قبل أيام عن
زيارة متوقعة للشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني، رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر، في الأشهر
المقبلة لبحث التعاون مع شركات إسرائيلية، وللمشاركة في احتفال إطلاق مركز لتحكيم الخلافات
التجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين متوقع في القدس قريبا.
تبدي قيادات في "حماس" مرونة في العملية
السياسية، ولكن سامي أبو زهري الناطق باسم الحركة، يقول «نحن قبلنا التفاوض على أساس
فكرة حل الدولتين وحدود 1967، لكن بفارق واضح، هو أن إقامة الدولة الفلسطينية لا يعني
الاعتراف بالاحتلال الجاثم على 78% من أرض فلسطين منذ 1948 وعدم المطالبة بها مستقبلا
وهو المراد من الفكرة". فهل تأتي لحظة يحدث فيها صدام بين "حماس" والدوحة
بشأن مسائل مثل الاعتراف، أم أن الدوحة ستتولى تسويق موقف، حماس، خاصة أنّ خالد مشعل
في لقاء مع "سي أن إن"، تعهد إنّه لن يلجأ للعنف للمطالبة بشيء بعد الحصول
على دولة فلسطينية. فهل تحاول قطر تسويق تسوية تتضمن عدم اعتراف "حماس" بإسرائيل،
ولكن مع تأكيد الموافقة على أي مواجهات عنيفة مستقبلا؟.
اختلاف "حماس" والدوحة في نقطة ما ممكن،
ولكن هناك الكثير من هوامش المناورة، والنقاط التي قد تؤدي إلى تأجيل أو منع لحظة الافتراق.
وأن يستمر تكتيك التحالف الاستراتيجي بين الطرفين، فقطر تحتاج العلاقة مع "حماس"
لتعزيز دورها الإقليمي، والأخيرة تحتاج دعم الأولى ماليا وسياسيا وإعلاميا.
المونيتور، 16/5/2013