تحليل
لخطاب محمود عباس في الأمم المتحدة:
ذكر
السلام والاتفاقات 34 مرة وتجاهل حق العودة
بقلم:
أحمد الحاج
لم
يأخذ أحدٌ على محمل الجد تهديد محمود عباس بعدم الاستمرار في الالتزام بالاتفاقيات
مع الكيان الصهيوني، على الأقل هذا ما يشير إليه غياب ردود الفعل الدولية على خطاب
يهدد بمثل هكذا خطوة تصعيدية، يمكن أن تغيّر مسار المنطقة، وتقلب معادلات عُمل على
نسجها لسنوات.
تحليل
للمصطلحات المستخدمة، وجولة في التعابير الكلامية المكررة، وإحصاء للكلمات
الدلالية التي تضمنها خطاب عبّاس يقود إلى استنتاج مشابه؛ بأن عباس لن ينفّذ
تهديده، وسيدخل ضمن تهديدات أخرى سبق أن أطلقها رئيس السلطة الفلسطينية.
استخدم
عباس في خطابه كلمة السلام 20 مرة، بينما كان نصيب تكرار كلمة اتفاق واتفاقية 14
مرة. وهذا التكرار يشير بوضوح إلى عدم تملّصه من عملية التسوية، أو الانسحاب من
الاتفاقيات وهو يؤكد في كل مقطع تقريبا على أهميتها. بل هناك فقرة كاملة يعدد فيها
محاسن الاتفاقيات، وانعكاساتها الإيجابية على الفلسطينــيين.
يقول
عباس "إننا ومنذ قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، وإلى هذه اللحظة نعمل
بوتيرة متسارعة من أجل بناء دولتنا وبناها التحتية ومؤسساتها الوطنية والسيادية،
وقد أحرزنا تقدماُ حقيقياُ على الأرض...". فمن يكيل كل هذا المديح لعملية
التسوية كيف ينسحب منها؟
إن
عباس لم يذكر كلمة المقاومة في خطابه ولو لمرة واحدة، فهدد بالانسحاب من
الاتفاقيات وهو منزوع الأسنان تماماً، الأمر الذي دفعه أن يهدد بلسانه، لكن بجسد
مرتجف. فكرر طلب الحماية للشعب الفلسطيني ست مرّات: "أطالب بتوفير حماية
دولية". "نطلب حمايتكم". "نريد حماية، وبحاجة لحماية
دولية". "نرجوكم نحن بحاجة لحماية دولية".
كلمة
"حماية" المتكررة تختصر لغة الخطاب، الأقرب إلى اللطم والنواح. وما
الفائدة من طلب الحماية الذي يكرره عباس منذ سنوات على أبواب المسؤولين الدوليين
والمحافل الدولية، دون استجابة. وقديما سئلت أعرابية: ما الذُّلْ؟ أجابت بأنه وقوف
المرء بباب اللئيم ثم لا يُفتح له.
تجاهل
عباس تماماً حق العودة، ولم يذكره أبداً. حتى إن لفظة اللاجئين جاءت عابرة في
خطابه حين قال "وكذلك حل قضية لاجئيه وفق قرار الأمم المتحدة 194، ومبادرة
السلام العربية". ومعلوم أن مبادرة السلام العربية تنص على حل عادل لقضية
اللاجئين، دون أن تذكر صراحة حق العودة.
أما
المصاعب والمآسي التي يمرّ بها اللاجئون الفلسطينيون في عدد من الدول العربية،
فغابت عن خطاب عباس. ولم تحتل مأساة الفلسطينيين في سورية حيزاً من الخطاب، وكأنه
لم يهاجر أكثر من نصفهم، ولم يُحاصر مخيمهم الأكبر، ولا أن عدداً من مخيماته بلا
سكانه. وكذلك لاجئو لبنان بمآسيهم ومخاوفهم كانوا خارج الخطاب.
حتى
القضايا الفلسطينية الكبرى كالأسرى لم تُذكر سوى مرة واحدة، وكذلك فإن المصالحة
الفلسطينية كانت بلا ذكر. أما الأقصى الذي ورد مرتين، فكان ذكره خاوياً من المعاني
والدلالات لأن التحدي غائب عن السياق. وكيف يتحدّى من يقمع تظاهرات تبغي نصرته؟
أما
غزة فإنها وردت أربع مرات، عند الحديث عن الحصار. وجاء هذا الكلام بعد يوم واحد من
خطاب السيسي الذي قال فيه إنالإجراءات على حدود غزة (من تدمير للأنفاق، وإغراقها
بالماء) يتم تنسيقها مع السلطة الفلسطينية.
إن
الراحل ياسر عرفات عندما خطب في الأمم المتحدة عام 1974، لم يحفظ العالم من خطابه
سوى "لا تسقطوا غصن الزيتون من يدي"، وعلى الأرجح إن العالم اليوم سيحفظ
عبارات عباس عن السلام وسيتناسى تهديداته كلياً، لأن عبارته التهديدية ظهرت وكأنها
خارج السياق العام للخطاب.