تخريفات وتحريفات؛ لها ما قبلها!
بقلم: لمى خاطر
كان ذلك التقرير الخائب، الحامل نواقض مصداقيته في ثناياه مستحقاً أن ينفق
المرء نصف ساعة من وقته ليتمعن فصوله، فيضحك حيناً ويشمئز حيناً آخر، وأعني هنا التقرير
العجيب الذي عرضته صحيفة فلسطينية فتحوية، وأجملت فيه التطورات الأخيرة على مسار حماس،
وتحديداً منذ اندلاع الثورة السورية!
بصمات مأجوري النظام السوري كانت واضحة في التقرير، ومثلها الهوى الفتحوي
الجامع بين استسهال التناقض والتجرؤ على استغباء الجمهور إلى آخر حد، والواضح كذلك
أن الفريقين اللذين تقاربا مؤخرا (لأسباب معلومة) ما زالا يفترضان السذاجة في جمهور
يحسبان أنه يصدق كل ما يقرأ، وأن الانفتاح المعلوماتي لم يطرق بابه ليجعل نافذته مفتوحة
على كل شيء، وليكون متاحاً له سماع ورؤية الرأي ونقيضه، والحجة وما يفنّدها، بل والأكذوبة
وما يفضحها، وهذا التقرير تحديداً كان مليئا بأكاذيب سهُل ردّها، ومنها ادعاء اجتماع
المهندس خيرت الشاطر (نائب المرشد العام للإخوان في مصر) بقادة من القسام عام 2009،
رغم أن الرجل كان في سجون مبارك حينها، وكذلك خبر اعتقال الأمن السوري زوج ابنة خالد
مشعل، رغم أنه خرج بنفسه ونفى خبر اعتقاله يوم أشيع!
مادة التقرير كبيرة ومتنوعة وتغطي مساحات عدّة، لدرجة أن استقصاءها الحقيقي
يتطلب من ذلك المصدر الخاص الذي زود الصحيفة بالمعلومات أن يكون مطّلعا على أحاديث
ولقاءات كل عنصر قيادي في حماس وجماعة الإخوان، وبعض القيادات العربية. وهذا غير ممكن
من ناحية منطقية. لكن الممكن والمستوعب هو مدى براعة النظام السوري وأيتامه في التدليس،
رغم أنها براعة ناقصة دائماً كونها تحمل معها عوامل فضيحتها. كما أنه ممكن ومستوعب
أيضاً أن نجد لدى حركة فتح مثل هذا الحماس للنيل من (حماس)، ومثله الاستعداد للتقارب
مع كل شياطين الأرض في سبيل الوقوع على جملة يمكن أن تستعين بها أبواق الحركة الإعلامية
لتهاجم حماس في اللقاءات على الفضائيات، وكلّما عجزت عن تبرير سقطات قيادة السلطة!
ومثلما أن النظام السوري ومرتزقته تتملّكهم رغبة بالثأر من حماس لمجرد امتناعها
عن إصدار موقف مؤيد لنظام الإبادة في دمشق، واجترار مصطلحات المؤامرة الكونية، فإن
مستويات عديدة في قيادة فتح يسكنها توق أبديّ للإساءة لحماس واستغلال أية فرصة لتهشيم
شيء من صورتها، ونقض الحقائق التي ما زالت الحركة توثقها على الأرض بدم قادتها وسلاح
مجاهديها، رغم أن ذلك لن يكفي لإخراس من تملّكهم فجور أخلاقي غير مسبوق في خصومتهم
السياسية أو في انقلابهم على قيم(الممانعة) وأدنى مقتضياتها.
ويومَ أن تكفّلت حرب غزة بإلجام من روّجوا لوهم بيع المقاومة بأموال قطر،
كونها جاءت عقب زيارة أمير قطر لغزة وتعهده بإعمارها، لم يجد الملوثون بدم شعوبهم غير
محاولات دق الأسافين بين حماس غزة وحماس الخارج، وبين من قضى من شهداء الحركة ومن بقي
على قيد الحياة، تماماً مثلما غدا خالد مشعل الرجل الوحدوي الوطني الأصيل في عرف القبيلة
الفتحوية ومن شايعها يومَ اعتقدوا أنه سيغادر رئاسة المكتب السياسي لحماس؛ ثمّ إذا
تيقّنوا من بقائه بدؤوا بحملة تشويه مركّزة له، استمدوا بعض ذخيرتها من شبيحة النظام
السوري!
أما غزّة التي يتغنى بصمودها نظام التشبيح السوري ويعدّ نفسه شريكاً في نصرها
فهي لا تفتأ تنحاز للشعوب الثائرة على جلاديها، كيف لا وهي السابقة في هذا المضمار،
وهي التي لا تتقن المجاملة ولا الحسابات السياسية المعقدة، ولكن هيهات أن يفهم المسكونون
بنزعة الفتك والإجرام أو الإقصاء والإلغاء طبيعة المعادلة كما هي، بلغتها البسيطة التي
لا تحتمل تخريفاتهم ولا تحليلاتهم البلهاء، فهم إنما يمارسون إسقاطات من وحي ذواتهم
واتجاهات مصالحهم الضيقة، وأنّى لمثلهم أن يفلح في ستر الشمس بغربال، مهما اجتهد في
حبكه وسدّ ثغراته!
المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام، 13-4-2013