القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

تداعيات استمرار الانقسام الفلسطيني على اللاجئين في لبنان

تداعيات استمرار الانقسام الفلسطيني على اللاجئين في لبنان

بقلم: سامر السيلاوي

لعبت الفصائل الفلسطينية في لبنان خلال الأزمة الأخيرة التي عصفت بالمخيمات وأدّت إلى احتكاكات مع الجيش اللبناني، دوراً أساسياً في قطع رأس الفتنة، وأبرز السّمات الظاهرة أن موقفها كان موّحداً وحازماً في رفض الفتنة، بالتوازن مع وضع لائحة مطلبية ورفعها إلى المعنيين، وعكست هذه الصورة ارتياحاً كبيراً لدى الشعب الفلسطيني الموجود في لبنان.

في المقابل، جاءت زيارة عزام الأحمد إلى لبنان مرسلاً من الرئيس الفلسطيني وجولته على المسؤولين اللبنانيين بوفد اقتصر على أعضاء من حركة فتح ليعيد صورة الانقسام الفلسطيني إلى الواجهة.

ولأن الوجود الفلسطيني في لبنان ينفرد بخصوصية متمايزة عن باقي التجمعات في الدول العربية، حيث استمرار سياسة الحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية والاجتماعية، وهي سياسة تمارسها الدولة اللبنانية بذريعة مجابهة خطر التوطين، انطلاقاً من بدعة بأنه كلما زاد بؤس اللاجئين وتدني مستوى معيشتهم، كلما تمسكوا بحقهم في العودة، فإن أولوية تحسين ظروف الحياة كانت على رأس اللائحة المطلبية لدى معظم الفصائل الفلسطينية نسبياً.

لكن، خلال السنوات التي خلت، اختلفت أولوية وأساليب المطالب بالنسبة للفصائل الفلسطينية بشكل عكس صورة الانقسام السياسي العام، ليس فقط اختلافاً بين قوى منظمة التحرير وقوى التحالف، بل أيضاً تمايز في المواقف داخل هاتين الجبهتين، بعض القوى ركّزت على المطالب الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وحشدت لها كل إمكاناتها وبشكل مستمر على قاعدة التمسّك بحق العودة، وأخرى اتبعت ذات السياسة ولكن بحماس أقل، وأخرى كانت تتكلم بصورة عامة، في ما ارتأى البعض سلوك طريق الصمت، والتدخل فقط إذا حدث أمر هنا أو هناك، حتى وصل الأمر عند بعض السياسين اللبنانيين في سياق الرد على المطالب الفلسطينية بتكرار القول: "توّحدوا ثم طالبوا".

منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم، مارست الحكومات اللبنانية المتعاقبة سياسة أدّت إلى إبقاء الملف الفلسطيني قضية شائكة، تم تظهير الجانب الأمني منها، وبرزت المخيمات على بؤسها وتدهور أوضاعها على أنها مجرد حالة أمنية تهدد الوضع اللبناني كما تهدد الأمن الإقليمي، وأن لا حل ممكناً في المنطقة دون توفير حل لهذه الحالة الأمنية، بالمقابل أكد الشعب الفلسطيني بمختلف مكوّناته وفي أكثر من مناسبة أن السلاح الفلسطيني ليس له أية وظيفة محلية، لذلك، فإن الوصف الحقيقي الذي يمكن أن نطلقه على المخيمات، والذي ينسجم مع واقعها الفعلي، هو أنها أصبحت جزر بؤس وحرمان وتتعرض لمزيد من الاستهدافات، بهدف تكريس سوء أوضاعها السكنية.

وقد كرّست المواقف الأخيرة للفصائل الفلسطينية صورة أن الحالة الفلسطينية في لبنان لا يمكن حصرها بالجانب الأمني فقط، بل إن المنظار الأمني والعسكري يجب أن يتم تناوله ربطاً بالتطورات السياسية المتلاحقة، خصوصاً أن الفلسطينيين دائماً ما يعلنون التزامهم بسيادة لبنان واعتبار أمن مخيماتهم هو من أمن عموم المناطق اللبنانية، وأن تطبيق العدالة والقانون على قاعدة الحقوق والواجبات المتبادلة، هو الذي يضمن بيئة صالحة تمكّن من إيجاد حلول لمختلف الإشكالات القائمة، أي معالجة الملف الفلسطيني في لبنان بشكل كلي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.. وأمنياً.

إن غياب المرجعية الفلسطينية الموحدة وتحديداً الأمنية منها وتجاذبها بين مجموعة من الفصائل، لعبت هي الأخرى دوراً سلبياً لجهة سيادة حالة من التآكل الأمني، بما مكّن الفارين من وجه العدالة والقانون اللبنانيين الاستفادة من هذا الواقع نظراً لغياب التنسيق الفعلي والمستمر بين السلطة اللبنانية والفصائل الفلسطينية، لكن ذلك ليس بالطريقة التي صوّرها الإعلام ومواقف بعض السياسيين، بل بشكل محدود جداً وفي مخيمات محددة.

أما بالنسبة لمسألة التوطين، فإن التصدي لكل السيناريوهات المتعلقة به يشكل مصلحة فلسطينية لبنانية، ويفترض أن ينخرط في معركتها كل الحريصين من الجانبين على صون هذه المصلحة، وهذا الأمر يجب أن يكون مواكباً لسياسة جديدة في التعاطي مع قضية اللاجئين باعتبارها قضية سياسية ووطنية لشعب مشرد وأرضه محتلة يناضل في سبيل حقوقه الوطنية، والابتعاد عن التعاطي معها باعتبارها مسألة أمنية فقط.

إن النظر للوضع الفلسطيني في لبنان باعتباره وجوداً شعبياً إنسانياً له احتياجاته الحياتية الكاملة، يتطلب أن تلغي الدولة اللبنانية كل الإجراءات التي تحرم اللاجئ الفلسطيني من حقوقه الإنسانية والاجتماعية، خصوصاً بعد أن ثبت أن هذه السياسة لا تشكل حلاً لمشكلة اللاجئين على الأرض اللبنانية، بل تفاقم المشكلة وتزيدها تعقيداً.

ورغم التفاوت في النظرة إلى كيفية التعامل مع المطالب الفلسطينية بالعيش الكريم حتى تحقيق العودة بين اللبنانيين، فإن تخفيف القيود الإنسانية على الحالة الفلسطينية يجب أن يكون موضع إجماع لبناني في هذه المرحلة المتشنجة بالذات، نتيجة تفاقم الأوضاع الاقتصادية وحالة الضغط العام على اللبنانيين والمضاعفة على الفلسطينيين داخل المخيمات بشكل خاص.

والتحدي الأكبر يقع على عاتق الفصائل الفلسطينية بتوحيد المواقف المتعلقة بالحقوق الإنسانية، ووضع خطة عمل مشتركة وآلية تنفيذية لها وعلى مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية على قاعدة التمسّك بحق العودة ورفض كل مشاريع التهجير والتوطين.

المصدر: موقع الثبات