تداعيات اعلان الدولة الفلسطينية على حق العودة
* كتب محرر الشؤون العربية
بدأ مجلس الأمن الدولي امس الاول أولى جلسات مشاورات طلب عضوية دولة فلسطين في الامم المتحدة الذي تقدم به الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة الماضي. الا ان اللاجئين الفلسطينيين ينظرون إلى الطلب الفلسطيني بمشاعر لا تخلو من التخوف والغموض تجاه الدولة المرتقبة ومدى تأثير إعلانها على وضعهم كلاجئين.
ويخشى الكثير من اللاجئين ان تكون هناك صفقة سياسية في الامم المتحدة تقود إلى اعتراف اسرائيلي بدولة فلسطينية على حدود 1967، مقابل اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، بما يحمل ذلك من مخاطر تمس جوهر القضية الفلسطينية. سيما وانهم يتحدثون عن ان التحركات الاميركية والاوروبية وحتى الاسرائيلية المضادة للطلب الفلسطيني في الامم المتحدة قد تفضي إلى صيغة تسوية تقارب الاشتراط الإسرائيلي بالاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة. بل ويذهب بعضهم إلى الحديث عن ان الجوانب السلبية لاعلان الدولة اكثر بكثير من الجوانب الايجابية، وان كل ذلك يأتي في إطار تغطية اخطاء القيادة الفلسطينية ازاء فشلها الممتد منذ اتفاقيات اوسلو 1993، خصوصا في ظل تعرض المفاوض الفلسطيني وعلى مدى عقدين من المفاوضات إلى سلسلة طويلة ومتتالية من خيبات الامل، جراء فشله في تحقيق نجاحات ملموسة في عملية التسوية، بالرغم من التنازلات التي قدمها. وفي المقابل استمرت «إسرائيل» في تثبيت الحقائق على الأرض وإقامة مشاريع التهويد والاستيطان في الضفة الغربية عموماً والقدس خصوصاً. كما واجه المفاوض الفلسطيني تعنت الجانب الإسرائيلي، الرافض لوقف مشاريع الاستيطان، مما أدى إلى انغلاق مسار التسوية، هذا بالإضافة إلى سعي حكومة بنيامين نتنياهو إلى فرض شرط الاعتراف بيهودية «إسرائيل» على الجانب الفلسطيني.
وأمام هذا المشهد أصبح المفاوض الفلسطيني بحاجة ماسة إلى تحقيق إنجاز ما، حتى لو كان معنوياً، وخصوصاً في ظل «الربيع العربي»، الذي قد يمتد باهتزازاته إلى الجانب الفلسطيني، حيث سئم الشعب الفلسطيني من طول المفاوضات التي اتخذت شكلاً «عبثياً».
وهذا ما يسمعه المتابع من احاديث اللاجئين الفلسطينيين في انه امام هذه التحديات كلها طرحت القيادة الفلسطينية قضية إعلان الدولة الفلسطينية عبر التوجه إلى الأمم المتحدة، وأخذ العضوية الكاملة، والاعتراف بها كدولة عضو على حدود 1967، وهو ما عرف باستحقاق أيلول 2011.
ويبدو انه حتى لو نجحت السلطة الفلسطينية في مسعاها في الامم المتحدة واعلنت بالفعل الدولة الفلسطينية، فان ذلك لن يحمل على الاغلب دلالات عملية على الأرض، حيث سيبقى الاحتلال الإسرائيلي، مستعيناً بلغة القوة، وبالدعم الاميركي، وبالتعامل الدولي مع «إسرائيل» كدولة فوق القانون. واما ان فشلت السلطة الفلسطينية في تحقيق اعلان الدولة فان ذلك بلا شك سيزيد من ضعف تيار التسوية في الساحة الفلسطينية لصالح قوى المقاومة. خصوصا ان رفض القيادة الفلسطينية للضغوط الاميركية، والتقدم بالمشروع للأمم المتحدة قد يعرضها لعقوبات اقتصادية قاسية، فقد طرح الكونغرس الاميركي مشروع قرار لوقف المساعدات عن السلطة، والمقدرة بنحو 500 مليون دولار سنوياً.
ان الفشل الذريع والمتوقع لعملية التسوية، واعتراف القيادة الفلسطينية بعجزها عن الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني عبر التفاوض مع الاحتلال على مدى عشرين عاما، مع اهمال جوانب رئيسية في الصراع مع الاحتلال ومنها تعزيز الوحدة الوطنية وتفعيل المقاومة ثم الذهاب نحو خطوات وخيارات مجهولة و«غير محسوبة» سيكون لها تداعيات في غاية الخطورة على القضية الفلسطينية بشكل عام ومسألة حق العودة بشكل خاص. حيث انه سيترتب على الاعتراف الرسمي بيهودية اسرائيل، إلغاء حق لاجئي عام 1948 في أراضيهم التي اخرجوا منها قسرا، وإلغاء حقهم في العودة إليها أو التعويض عن أملاكهم التي تركوها وراءهم وعن معاناتهم. بما في ذلك اللاجئين داخل أراضي عام 1948. ولم يحصل الرئيس الفلسطيني على أي ضمانات من أية دول بشأن الحفاظ على الثوابت الفلسطينية وعدم المساس بها.
وان ذلك ايضا سيجعل وكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» تعمل تدريجياً على التحلل من التزاماتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، وقد بدأت منذ شهور في الإشارة إليهم على أنهم (لاجئي فلسطين)، في إشارة إلى لاجئي الدولة المشار إليها في الفقرة السابقة. وستعمد «الأونروا» للاتفاق مع الدول المضيفة للاجئين لتسليمهم مهام رعاية اللاجئين مقابل تبرعات سخية من الدول العظمى. وهناك سوابق في هذا المجال، ومنها: مشروع التوطين في شمال غرب سيناء عام 1953. وأيضاً ما ورد في اتفاق عباس – بيلين في عام 1995 القاضي بتحويل مؤسسات وخدمات الأونروا إلى الدول المضيفة في غضون خمس سنوات. ثم ان مشروع الطلب الفلسطيني في الامم المتحدة لم يأخذ بعين النظر مصير اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والخارج، وهو يقامر بمصيرهم، ويضعهم في مهب الريح. حيث يصبحون في أحسن الأحوال رعايا دولة رسمية، وهذا يحرمهم ببساطة من حقوقهم كلاجئين.
المصدر: جريدة الدستور الأردنية