القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 21 تشرين الثاني 2024

ترامب وإعادة رسم الجغرافيا السياسية للمشرق العربي


أحمد الحيلة/ كاتب ومحلل سياسي

أوعز وزير المالية، والوزير في وزارة الحرب الإسرائيلية بتسلئيل سموتريتش؛ إلى قسم إدارة المستوطنات في وزارة الدفاع، وكذلك الإدارة المدنية التابعة للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية في 11 من هذا الشهر، بالبدء في إعداد البنية التحتية اللازمة للسيطرة على الضفة الغربيّة.

كما أشارَ إلى أنه حان الوقت في حقبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية في العام 2025، مؤكدًا أن هذه هي الطريقة الوحيدة لإزالة التهديد المتمثّل في قيام دولة فلسطينية.

في ذات السياق، صرّحت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك في حكومة بنيامين نتنياهو، بأنها تعمل على قدم وساق لإعلان السيادة الإسرائيلية على أكبر مساحة ممكنة من الضفة الغربية، وبأنه لا ينبغي وضع إستراتيجية للخروج من قطاع غزة.

رؤية دولة ومؤسسات

هذه الرؤية الاحتلالية لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة، عبر التوسّع الاستيطاني، وإعلان السيادة الإسرئيليّة عليهما، لا تمثّل رؤية شخصية لهذا الوزير أو ذاك المسؤول في "إسرائيل" المحتلة، أو حكومتها اليمينية المتطرفة، وإنّما تعبّر عن سياسات وتشريعات معتمدة في الكيان.

فالكنيست الصهيوني (البرلمان)، سنّ قانونًا في يوليو/ تموز من هذا العام؛ برفض الدولة الفلسطينية بأغلبية ساحقة، حيث صوّت 99 نائبًا لصالح القانون من أصل 120 عضوَ كنيست.

أيضًا شرّع الكنيست في العام 2018، قانون القومية اليهودية، "قانون أساس”؛ يدعم فيه الاستيطان، ويحصر حق تقرير المصير باليهود على أرض فلسطين التاريخية، أي عدم الاعتراف بالفلسطينيين كشعب أو قومية يحق لهم الاستقلال وتقرير المصير في دولة فلسطينية.

ما يعني أن احتلال الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، هو سياسة مُقَوننة منذ سنوات في إسرائيل، ويجري تنفيذها كأمر واقع، وكما هو حاصل الآن في قطاع غزة عبر السيطرة على حدود ومنافذ القطاع، والتمدّد داخله عبر محاور تقطّعه من الشمال والوسط والجنوب، بحيث يصبح السكان الفلسطينيون في معازل، ودون خدمات، بعد أن تم تدمير كل مقومات الحياة، في مسعى لتهجير الفلسطينيين أو أكبر عددٍ منهم إلى مصر، أو دول العالم، ليصبح قطاع غزة واحة للمستوطنات بواجهات بحرية جذّابة.

احتلال الأرض وتهجير السكان

اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو يسعى عمليًا إلى فرض السيادة الاحتلالية على كل فلسطين التاريخية، بدون الفلسطينيين أو بأقل عدد منهم إن استطاع؛ لأن المشروع الصهيوني وإقامة دولة "إسرائيل" اليهودية قام استنادًا؛ لمقولة: ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”.

معضلة الكيان الإسرائيلي أن أعداد الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية باتت تقارب أعداد اليهود، أي نحو سبعة ملايين فلسطيني، مقابل سبعة ملايين يهودي، هذا بطبيعة الحال دون احتساب أعداد الفلسطينيين خارج فلسطين، والذين يبلغ عددهم أيضًا قرابة الـ 7 ملايين، والدراسات تشير إلى أنه مع مرور الزمن فإن أعداد الفلسطينيين في تزايد، ما يشكّل تهديدًا للمشروع الصهيوني أو "نقاء” دولة "إسرائيل" اليهودية.

ففي مايو/ أيار 2018، قدم نائب رئيس الإدارة المدنية الإسرائيلية آنذاك، أوري مينديز، إلى الكنيست توقعًا للنمو السكاني للفلسطينيين بحلول عام 2050، يشير فيه إلى أن عدد الفلسطينيين في المنطقة ما بين البحر والنهر، سيصل في العام 2050 إلى أكثر من 13 مليونًا، مقابل نحو 10.6 ملايين يهودي.

ومن هنا يدرك الاحتلال بأن قنبلة الديمغرافيا تشكل تهديدًا وجوديًا للمشروع الصهيوني، إن قبل الاحتلال بضم الأرض مع سكانها الفلسطينيين، واعترف بهم كمواطنين على قدم المساواة مع اليهود.

ولذلك فإن كل المخططات الإسرائيلية تسعى للتعامل مع التحدّي الديمغرافي الذي يميل لصالح الفلسطينيين وفق أحد أمرين:

الخيار الأوّل: تهجير الفلسطينيين أو أكبر عدد منهم قسرًا، كما حصل منذ العام 1948، وهو ما يسعى له الاحتلال الآن في قطاع غزة تحت سيف الإبادة الجماعية، والتجويع، وتدمير كل مقومات الحياة؛ لدفع الفلسطينيين إلى اليأس والإحباط والهجرة إلى مصر أو دول العالم، وهو ما صرّح به العديد من المسؤولين الإسرائيليين؛ لا سيّما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وآخرون.

وهو الأمر ذاته الذي يُعمَل عليه في الضفة الغربية من خلال تضييق سبل العيش على الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم الزراعية، وإفقادهم الأمن عبر التمدد الاستيطاني ومضاعفة أعداد المستوطنين الذين يمارسون أبشع أنواع الانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين؛ قتلًا وتدميرًا لممتلكاتهم، كما جرى لبلدة حوّارة جنوب مدينة نابلس التي أقدم المستوطنون على حرق بيوتها (30 منزلًا) وبساتينها وسيّارات مواطنيها في فبراير/ شباط 2023.

الخيار الثاني: إن لم ينجح الاحتلال في تهجير الفلسطينيين الذين يبدون صلابة وتمسكًا بأرضهم رغم الكارثة الإنسانية التي يعيشونها بفعل الاحتلال وجيشه ومستوطنيه، فإن الكيان الإسرائيلي سيضطر إلى قبول الفلسطينيين، والتعامل معهم بصفتهم أقلية عربية، وليسوا مواطنين متساوي الحقوق السياسية مع اليهود في دولة إسرائيل.

حكم ذاتي بدون هوية وطنية

الصيغة التي يفكر فيها الاحتلال للتعامل مع الفلسطينيين، أشار لها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إضافة إلى وزيرة الاستيطان أوريت ستروك في 14 من الشهر الجاري أيضًا.

يرى سموتريتش أن الفلسطينيين أقلية أو جالية عربية تعيش في دولة إسرائيل، وعليهم أن ينسوا هويتهم الوطنية؛ أي أنهم ليسوا شعبًا أو قومية ولهم حق تقرير المصير.

ولهم التمتّع بحقوق مدنية بمعايير إسرائيلية ودون التمتّع بالأهلية السياسية التي تتيح لهم المساواة مع اليهود الإسرائيليين في دولة إسرائيل، بمعنى أنه لا يحق لهم أن يكونوا أعضاء في الكنيست أو شركاء في الحكم.

وزاد في التوضيح؛ بأن من يقبل بذلك يمكن أن يعيش تحت السيادة الإسرائيلية، ومن يرفض فسيتم تهجيره، أو التعامل معه كإرهابي؛ أي قتله.

ما يدفع الاحتلال ويشجعه على هذا الشكل غير المسبوق من المجاهرة بما يعتقد ويخطط، رغم مخالفته للقانون الدولي، عدة أمور أهمها:

أولًا: انحياز الإدارة الأميركية السابقة التي غطّت الإبادة الجماعية في غزة سياسيًا وماديًا وعسكريًا، وما إبداءُ حرصها، بين الفينة والأخرى، على إدخال بعض المساعدات أو الحديث عن حل الدولتين إلا ذرٌ للرماد في العيون، وللتغطية على جريمتها وجريمة الاحتلال الذي يواصل القتل والتدمير الممنهج إلى اللحظة.

ثانيًا: قدوم إدارة أميركية جديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني 2025، وهو الذي أبدى تعاطفه أثناء الحملة الانتخابية مع "إسرائيل" لجهة توسيع حدودها الجغرافية، على حساب الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، إن لم يكن على حساب أراضٍ عربية في لبنان وسوريا والأردن.

وهذا ليس مفاجئًا فهو صاحب صفقة القرن التي عرضها في يناير/ كانون الثاني من العام 2020، والداعية لضم أراضٍ واسعة من الضفة الغربية إلى "إسرائيل" وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وتشكيل كيان فلسطيني بدون جيش ولا يملك السيادة أو السيطرة على حدوده البرية والجوية والبحرية لصالح إسرائيل، ناهيك عن اعترافه بالقدس الموحّدة عاصمة لدولة إسرائيل، وبالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

وما يزيد القلق في هذا الاتجاه أن الشخصيات المرشّحة لتشكيل إدارة دونالد ترامب القادمة، إن كان على مستوى وزير الخارجية أو الدفاع أو مستشار الأمن القومي أو المخابرات الوطنية أو السفير الأميركي في إسرائيل، هي شخصيات صهيونية داعمة لسيطرة "إسرائيل" على الضفة الغربية بأبعاد جيوسياسية ولاهوتية إنجيلية أيضًا.

ثالثًا: مواقف الدول العربية كلها مواقف إعلامية لم ترقَ إلى مستوى الفعل والضغط على الاحتلال، لا سيّما الدول التي حافظت على علاقاتها الطبيعية الاعتيادية مع "إسرائيل" دون طرد للسفراء أو وقف للتبادل التجاري أو التعاون الأمني في ظل الكارثة والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطيني في قطاع غزة، ما شجّع الاحتلال على الاستمرار في انتهاكاته ومخططاته للسيطرة والتمدّد، ما دام أنه يشعر بالأمان ولا يدفع أثمانًا من رصيده مع الدول العربية.

لا شك أن "إسرائيل" طامحة في التوسّع جغرافيًا في المنطقة العربية وفقًا لمفهوم الأرض الموعودة وإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهو ما تتحدّث به وتعلنه مرجعيات يهودية وسياسية في أكثر من مناسبة (يمكن العودة على سبيل المثال لتصريحات وزير المالية سموتريتش في أكثر مناسبة)، ويدعمها في ذلك صهاينة مسيحيون إنجيليون يربطون بين قيام "إسرائيل" الكبرى وعودة المسيح.

هذا التوجه وتلك الأهداف لا يمكن إنفاذها إلا بالقوة العسكرية؛ لأنها متناقضة مع التاريخ، والبعد الحضاري للمنطقة وشعوبها الأصيلة والساكنة في هذه المنطقة منذ ما قبل اليهودية.

الأبعاد الأيديولوجية بغض النظر، عن مدى صحتها، تبقى دافعًا لمن يؤمن بها، لا سيّما إذا امتلك معالم القوة المادية، وليست "إسرائيل" المحتلة استثناءً في ذلك، وهي المدعومة من أكبر قوّة طاغية كالولايات المتحدة الأميركية.

حديث نتنياهو عن حرب القيامة/ النهضة، أو حرب الاستقلال الثانية، وحديث الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب عن توسعة "إسرائيل" جغرافيًا لأنها صغيرة، ربما يكونان توطئة لذلك؛ فمجريات الأحداث وتواتر المواقف السياسية، تشي بأن "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية – ربما – عازمتان على إعادة رسم الجغرافيا السياسية للمشرق العربي، وفقًا لمفهوم "إسرائيل" الكبرى أو حاجة "إسرائيل" إلى عمق جغرافي يتطلب بالضرورة ضم الضفة الغربية والقدس وغزة وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، هذا إن لم يكن نتنياهو وترامب يخططان لاحتلال أجزاء واسعة من لبنان وسوريا والأردن؛ بذريعة تأمين حدود إسرائيل، وتحقيقًا لنبوءات تلمودية صهيونية.