ترجمة اعتبار مصر لحماس حركة
"إرهابية"
بقلم: عدنان أبو عامر
على
سوء القرار القضائي المصري باعتبار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إرهابية
محظورة، فإنه كان متوقعاً لمن شاهد وراقب الحملة التحريضية التي قامت بها أغلبية
وسائل الإعلام المصرية ضد الحركة خصوصاً، وقطاع غزة والفلسطينيين عموماً.
لم
يكن أحدنا بحاجة إلى قارئة فنجان ليصل إلى قناعة مفادها أن منظومة الحكم السائدة
في مصر (عسكر وقضاء وإعلام)، بصدد إحداث قطيعة مع الحركة الوطنية الفلسطينية التي
تمثل حماس أحد مكوناتها الأساسية، وهو ما لم يجرؤ عليه العهد البائد زمن حسني
مبارك، حتى بات لسان حال الفلسطينيين "بكيت على عمرو"..
صفحة
جديدة
استند
القرار القضائي المصري -في تصنيفه لحماس على أنها حركة إرهابية- إلى جملة من
الوقائع والمزاعم التي لا ترقى إلى مستوى الوثائق القانونية والأسانيد الجنائية
التي تدين الحركة، بل اكتفى بعدد من التقارير الصحفية "الكيدية" المستندة
في معظمها إلى "مصادر أمنية مجهولة" أو "أوساط سيادية رفضت كشف
هويتها"، وهي في العرف القانوني لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
ومع
ذلك، يدرك من اتخذ القرار -حين وصلته التعليمات من ذات الجهات العليا في الدولة
المصرية- أنه لا يرى نفسه مضطراً لأن يرهق طواقمه القانونية بالبحث عن قرينة هنا
أو دليل هناك، فقط جاءت التوجيهات بأن تكون حماس إرهابية، فصارت إرهابية. نقطة
وسطر جديد!
أسئلة
كثيرة برزت فور صدور القرار، وكلها ليست موجهة إلى من أصدره حرفياً، فهو لا يملك
من أمره شيئاً، لكن الإجابات مطلوبة ممن يقود مصر اليوم وأصر وألح على أن تكون
حماس (القوة السياسية الكبرى في قطاع غزة) إرهابية محظورة، ومن أهم هذه الأسئلة:
هل تدرك القاهرة معنى أن يتم حظر حماس في أجهزتها القضائية في وقت قد تبدو فيه
الأولى عاجزة عن الإمساك بأي ملف فلسطيني دون الجلوس مع الثانية؟
لدينا
ملفات المصالحة الفلسطينية الداخلية، والتهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، وإعادة
إعمار قطاع غزة، وكلها قضايا تبدو حماس متصدرة فيها شاءت القاهرة أم أبت، وإلا فمع
من سيتم تفعيل اتفاق المصالحة مع فتح؟ ومن خلال أي طرف ستعاود مصر ممارسة دورها
القديم الجديد كـ"عامل إطفاء" كلما لاحت بوادر حرب إسرائيلية جديدة؟ ومن
ستضطر المخابرات المصرية للتواصل معه في القطاع لتسهيل إعادة إعماره؟
هذه
كلها أسئلة برسم الإجابة المتوفرة في دوائر صنع القرار المصري، لأن كاتب السطور لا
يستطيع أن يعطل عقله لحظة واحدة، ويعتقد -مخالفاً أبسط قواعد التحليل السياسي- أن
هذا قرار قضائي، وأن الساسة المصريين بعيدون عنه!
مصر
مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتوفير هذه الإجابات أمام صانعي القرار فيها، إلا إذا
غضت الطرف عن مثل هذه التساؤلات، واتخذت القرار الذي يشغل بال الفلسطينيين في غزة
ولا يريدون البوح به، وهو أن تترجم القاهرة قرارها القضائي بسلوك عملي ميداني على
الأرض يقضي بالضرورة بتوجيه ضربة عسكرية للقطاع، بغض النظر عن حجمها أو عمقها أو
أبعادها، لكنها تطوي صفحة من العلاقات البينية، وتفتح صفحة أخرى لا يعلم أحد كيف
ستكون!
مهاجمة
غزة
رغم
توقع حماس لمثل هذا القرار المصري ضدها، فإن الردود الصادرة عنها امتازت بمهاجمة
مصدري القرار من الجهة القانونية، وفي نفس الوقت تأمل ألا يؤثر ذلك على الدور
المصري المطلوب في الملفات السابق ذكرها آنفاً، في المصالحة والتهدئة وإعادة
الإعمار، وكل ذلك لاعتبارات دبلوماسية إعلامية لا تريد حماس من خلالها صب مزيد من
الزيت على نار التوتر القائمة مع القاهرة.
تدرك
حماس جيداً -وإن لم تصرح بذلك- أن ردودها المنضبطة على القرار المصري، لن تجد
آذاناً صاغية لدى من اتخذ قرار الحرب عليها: إعلامياً وقضائياً، وربما عسكرياً،
لكن الحركة تحاول حتى اللحظة الأخيرة الإبقاء على شعرة معاوية مع النظام المصري من
جهة، ولا تمنح جوقة المحرضين وجبات إضافية على طبق من ذهب يستخدمونه لتحريض الشعب
المصري عليها.
أكثر
من ذلك، فقد اختصر القرار المصري الطريق على انشغال حماس الأخير -في الأسابيع
الماضية- بإعداد تقديرات موقف حول إمكانية أن تقدم مصر على توجيه ضربة عسكرية ضد
غزة، وأكد لها أن من صنفها "جماعة إرهابية" ليس راغباً في التواصل معها،
ولا يُستبعد إعلانه الحرب عليها، بما في ذلك التصعيد الميداني.
القرار
المصري من شأنه أن ينقل التفكير في حماس، ليس عبر طرح السؤال: هل ستقدم مصر على
ضرب غزة أم لا؟ وإنما: متى ستنفذ القاهرة تهديداتها ضد الفلسطينيين في غزة؟ وكيف
سيكون شكل الضربة؟ وكم ستستغرق من الوقت؟ وهل ستقتصر على سلاح الجو أم تتضمن قوات
برية؟
أسئلة
عديدة يطرحها الفلسطينيون في غزة وهم في حالة صدمة من جارهم الجنوبي، شقيقهم
الأكبر الذي بات يرى فيهم عدواً تجب محاربته!
أياً
كانت التبعات المتوقعة للقرار المصري ضد حماس، فإن الحركة باتت على قناعة بأنها
أمام عهد جديد في علاقاتها مع القاهرة، قد لا تجدي معه الكلمات المنمقة
والانتقادات الهادئة والكوابح المتكررة، فهي تواجه خصماً قد لا يهمه كثيراً
الإبقاء على "شرف الخصومة"، لأنه قطع أشواطاً كبيرة في استعدائه
الفلسطينيين عموماً، حتى ولو حاول تحييدهم وحصر العداء مع حماس، وإلا فما معنى أن
يبقي أكثر من 1.8 مليون فلسطيني محبوسين في أكبر سجن بالعالم دون أن يفتح لهم
بوابتهم الإنسانية الوحيدة في معبر رفح؟
إسرائيل
"الشريكة"
لم
تستطع إسرائيل إخفاء فرحتها بالقرار المصري ضد حماس، بل سارعت -عبر عدد من وزرائها
وساستها- للترحيب به، ورأته جزءا من حربها على الحركة، واعتبر بعضهم الخطوة
المصرية دعاية انتخابية من العيار الثقيل لرئيس الحكومة الذي يعاني من اتهامات
بفشل حربه الأخيرة ضد حماس.
القرار
المصري يأتي تتويجاً لتعاون أمني وتنسيق استخباراتي وجهد عسكري بين القاهرة وتل
أبيب منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، وقد تجلى ذلك في الموقف المصري الرسمي من حرب
الخمسين يوماً ضد غزة، وإجراءات غلق الأنفاق مع القطاع، ومنع سفر الفلسطينيين عبر
معبر رفح، لكن صدور قرار بتصنيف حماس حركة إرهابية فاق حتى التوقعات الإسرائيلية!
إذن
لم يعد العداء المصري لحماس مرده كون الأخيرة إحدى أذرع جماعة الإخوان المسلمين
فقط، وإنما أيضاً -وربما بدرجة متقدمة- كونها تخوض صراعاً دامياً مع إسرائيل،
الدولة التي تمارس ضغوطاً إقليمية ودولية لضمان استمرار الدعم للنظام الحاكم في
القاهرة، حتى إن تل أبيب عاشت خلافاً قاسياً مع واشنطن (حليفتها الأولى والأهم)
لأنها لم تبد الإسناد المطلوب لشريكها المصري!
ومع
ذلك، فإن إسرائيل -السعيدة والمحتفلة بقرار مصر تصنيف حماس حركة إرهابية- قد لا
تتجاوز فرحتها إلى ما هو أبعد من ذلك، وليس من المتوقع أن تدعم تل أبيب أو تشجع
القاهرة على مهاجمة غزة مثلاً، أو توجيه ضربات موضعية جوية ضد حماس، ليس حباً
لسواد عيون قادة الحركة، ولكن لاعتبارات أخرى، لا يبدو أن مصر قد انتبهت لها
جيداً...؛ فما هي؟
حماس
ألمحت -دون أن تصرح- إلى أن أي عدوان قادم عليها من أي جهة كانت (وتقصد بذلك مصر)
لن يكون الرد عليه إلا باتجاه المستوطنات الإسرائيلية الجنوبية، مما يعني اندلاع
حرب جديدة، وهو ما لا تريده إسرائيل على الأقل خلال حملتها الانتخابية الجارية،
لأنها ما زالت تعاني من تبعات حرب الصيف، ولا يريد رئيس حكومتها أن يذهب الناخبون
إلى صناديق الاقتراع وصواريخ حماس تنهمر عليهم، لأنها الوصفة السحرية لسقوطه
المدوي في الانتخابات القادمة!
وفي
ضوء هذا التقدير، قد تحفظ إسرائيل القرار المصري في "صندوق الودائع
الإستراتيجية"، لتخرجه وقتما تريد تصعيد الموقف ضد حماس. دون ذلك؛ فليس هناك
ما يدفع تل أبيب إلى الذهاب نحو تشجيع القاهرة على مغامرة غير محسوبة العواقب مع
الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة.
أخيراً؛
يضع القرار المصري ضد حماس مزيداً من الأعباء على الحركة المثقلة بها، ويفرض أكثر
قيود العزلة والحصار التي تلاحقها من الوريد إلى الوريد، ويقطع عنها أنبوب
الأوكسجين من المال والسلاح، لأن مصر هي القناة الأولى والأخيرة وشبه الوحيدة التي
تتنفس منها غزة نحو العالم الخارجي.
لكن
ذات القرار في المقابل يكشف مزيداً من الإشكاليات التي يعانيها صناع القرار في
القاهرة، ويظهر أنهم بالفعل يمرون بمرحلة "تصدير الأزمات" إلى الخارج
بعدما ضاق الوضع الداخلي بهم، وقد لا يبدو غريباً أنهم يحاولون في هذه الآونة
التلويح بورقة حماس وغزة -كورقة تفاوض رابحة- أمام دول إقليمية تبحث عن حل داخلي
للأزمة المصرية العاصفة.
أما
عن ترجمة هذا القرار المصري ضد حماس واقعاً عملياً ضد غزة، فالقراءة السياسية
الواقعية تبعد شبح مثل هذا السلوك التصعيدي حالياً، لكن من قال إن ما تشهده مصر
داخلياً وخارجياً له نصيب من الواقعية السياسية؟
ومع
ذلك؛ فإن مهاجمة غزة -التي يصفها الإسرائيليون بـ"عش الدبابير"- لن تكون
في صالح أحد، لا مصر ولا حماس، وهو ما يفرض على صناع القرار في القاهرة كثيراً من
الهدوء، وإعادة النظر فيما يُصْدرونه من قرارات سياسية وخطوات ميدانية.
غزة
المحاصرة يكفيها ما فيها، وليس قدرها أن تكون مدانة من أحد حتى إثبات براءتها،
والإسرائيليون الذين تقهقروا أمام بواباتها الشرقية والجنوبية والشمالية لن يفلح
غيرهم فيما فشلوا فيه.
المصدر:
الجزيرة نت