ترك التفاوض طريق للمصالحة
مصطفى الصواف
البيت الأبيض يعلن عن استئناف المفاوضات الأربعاء
القادم بين السلطة الفلسطينية ( سلطة عباس ) وسلطة الاحتلال الصهيوني على أن تكون بين
القدس وأريحا، وكلاهما من الأراضي التي احتلت بعد عام 67 ، وإصرار الجانب الصهيوني
على أن تكون القدس مكانا للقاء المتفاوضين من الجانبين الفلسطيني والصهيوني له دلالات
سياسية تؤكد على أن القدس عاصمة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) وان قبول الفلسطينيين
لأن تكون القدس مكانا للتفاوض مقابل أن تكون أريحا المنطقة الفلسطينية يعني أن اعترافا
ضمنيا أو صريحا بأن القدس هي عاصمة الكيان الصهيوني و إلا لماذا نقبل بأن تكون القدس
مكان اللقاء وعقد جلسات التفاوض فيها.
قد يرى البعض أن هذا الأمر أمرا شكليا وان علينا
إن نسلط الضوء على قضايا أهم من مكان أو الزمان ولكن هنا نؤكد أن اختيار المكان والزمان
بالنسبة للصهاينة له اعتبارات سياسية وعقدية واجتماعية وأن الاختيار ليس عفويا أو بلا
معنى عقدي أو سياسي.
العودة لطاولة المفاوضات هو إذعان فلسطيني للشروط
الصهيونية ورضوخ للضغوط الأمريكية وتنازل عن كل الشروط التي صدع بها عباس رأس الفلسطينيين
وغيرهم على مدى السنوات الثلاث وأنا الإفراج عن المعتقلين ممن اعتقلوا قبل اتفاق أوسلو
كان قد استحدث في الفترة الأخيرة وكان تمهيدا للتنازل عن شرط وقف الاستيطان ودليل ذلك
أن المفاوضات تجري في ظل ارتفاع وتيرة الاستيطان تؤكد أن هناك عملية مقايضة بين لاستيطان
والإفراج عن 104 من الأسرى ما قبل اتفاق أوسلو الذي أُجل الإفراج عنهم عشرون عاما وفق
اتفاق أوسلو ، اليوم ندفع أثمانا سياسية للإفراج عنهم.
وهنا يجب أن لا يُفهم حديثنا هذا عن الأسرى أننا
ضد الإفراج عنهم ، بل على العكس نحن مع الإفراج عن أي أسير فلسطيني من سجون الاحتلال
ولكن دون أن يكون بثمن سياسي كما يجري الآن في اتفاق العودة للمفاوضات.
البعض يقول أن السلطة دخلت حلبة المفاوضات وهي تعلم
أن الجانب الصهيوني لا يريد سلاما حقيقيا وإن أراد اتفاقا فهو يريد اتفاق قائم على
خدمة مشروعه الصهيوني وأمنه وان أي كيان فلسطيني يمكن أن يوافق عليه يجب أن يكون قائما
على أساس حماية كيانه ومستوطناته ويخضع خضوعا كاملا للسياسة الصهيونية ويتحرك وفق مصالحها،
ثم يكمل هذا الفريق في الجانب الفلسطيني أن الفلسطينيين يعلمون الموقف الصهيوني وأنهم
على طاولة المفاوضات سيتمترسون خلف الاشتراطات التي كان ينادي بها عباس وكان يعتبرها
ثوابت والتي أكد عليها قبل أيام قليلة أمام وسائل الإعلام والتي قال فيها لن نفرط بالثوابت
الفلسطينية وان المفاوض الفلسطيني سيبقى متمسكا بتلك الشروط وسيثبن للجانب الأمريكي
بأن الطرف الآخر ( إسرائيل ) لا تريد سلاما متوازنا وأن تعنتها سيفشل هذه الجولة وبذلك
يكون المفاوض الفلسطيني خرج كما دخل ولم يخسر شيئا.
لكن نسي هؤلاء أن مجرد الدخول في المفاوضات يحقق
للجانب الصهيوني منافع كثيرة ولعل منها تبيض صورة الاحتلال أمام الرأي العام العالمي
والتي أخذت تتراجع نتيجة إجرام الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني وأن الجانبين اليوم يلتقيا
ويتفاوضا للوصول إلى سلام بينهما، ثم أن هذه العودة للتفاوض لمدة تسعة شهور تعطي فرصة
للاحتلال لاستثمار الوقت لفرض وقائع على الأرض تمكنه من فرض رؤيته للحل أن هناك حقائق
على الأرض تفرض نفسها وعلى الجانب الفلسطيني التسليم بها، وفي نفس الوقت الجانب الفلسطيني
جمد أي خطوات يمكن أن يتخذها ضد الصهاينة وجرائمهم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
الدخول في التفاوض مع الاحتلال الصهيوني أمرا مخالفا
للإجماع الوطني حتى أن غالبية أعضاء المنظمة ضد قرار العودة المتفرد من قبل محمود عباس
إضافة إلى رفض حماس والجهاد لهذا التفاوض، والمفترض أن يعود عباس عن قراره ففيه أقل
الخسائر فيما لو انخرط مرة أخرى في لتفاوض لأن هذا الأمر سيشكل خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني
والقضية، وان يعود مرة أخرى إلى الشعب الفلسطيني وقواه للتوافق على طريقة مواجهة الصلف
الصهيوني والضغط الأمريكي لأن وحدة الصف الفلسطيني أقوى من أي ضغوطات.
قد يقول البعض أن الوقت بات متأخرا وأن إمكانية
التراجع ليست واقعية وان أظهار الجانب الصهيوني بالمتعنت والرافض قد يكون أفضل، هذا
المنطق غير دقيق وان العودة عن قرار التفاوض ممكنا بل سيشكل رافعة قوية للجانب الفلسطيني
والأهم أنه سيوحد الفلسطينيين ويشكل بداية حقيقية نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية.