تساؤلات المعلقين الإسرائيليين بشأن الحرب:
بماذا أفادنا حصار غزة وهل الوساطة المصرية ممكنة؟
كتب حلمي موسى:
يكاد المستمع للنقاشات الإسرائيلية على شاشات التلفزة، والقارئ لها على
صفحات الصحف، أن يصاب بالدوار. فمن ناحية يدفع تقديس الجيش إلى اعتبار كلامه
منزلا، وبالتالي ملاحظة رسائله واضحة في كلام المراسلين والمعلقين، ومن ناحية أخرى
تجد هذا الكلام يصطدم بالواقع من دون تفسيرات. ومن يخرج عن هذا السياق ويفكر خارج
اللعبة، يجد نفسه معرضا لاتهامات قاسية باليسارية أو الخنوع أو حتى كراهية الذات.
ومنذ البداية قلة هي من عمدت إلى محاولة انتقاد الوجهة العامة لنمط
التفكير الظاهر في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن ما يجري. ولاحظ بعض هذه القلة
أن الفرضيات التي انطلقت منها الاستخبارات العسكرية، وتبنتها القيادة السياسية،
تجاه حركة «حماس»، كانت في الأصل خاطئة، وأن هذا الخطأ قاد إلى المعركة نفسها
عندما صعدت إسرائيل الحرب، معتقدة أن «حماس» غير معنية بالمواجهة، وواصلت الحرب
معتقدة أيضا أن الحركة «ناضجة» لوقف النار. وهناك من اعترض أيضا على الفرضية
القائلة إن مصر هي الجهة الوحيدة التي يمكنها ممارسة نفوذ على «حماس» لإجبارها على
قبول وقف إطلاق النار.
وقد عرض آري شافيت، في «هآرتس»، علامات سؤال تظهر بشكل متدرج: «هل وعدونا
بأن حماس مردوعة؟ إنها ليست كذلك. وهل وعدونا بأن الجيش الإسرائيلي عنده جواب؟ ليس
الجواب كاملا». ويشدد على أن «الجرف صامد في الحقيقة، لكن الصورة واضحة، وهي أن
منظمة إرهاب صغيرة وفقيرة ومتطرفة تنجح في تحدي الجيش الإسرائيلي القادر على كل
شيء. وتنجح التقنية المتدنية لغزة تحت الأرض في مواجهة تقنية إسرائيل العالية زمنا
طويلا. وليس ذلك حسنا. ليس حسنا بما يكفي».
عموما لم يُخفِ كثيرون أن وقف إطلاق النار مطلب ومصلحة إسرائيليان في
الأساس، حتى لو كان وقف إطلاق النار مطلبا ومصلحة فلسطينيان أيضا. لذلك استغرب
هؤلاء أن تعلن المبادرة المصرية في البداية من دون ترتيب الأمر مع «حماس» و«الجهاد
الإسلامي». ويبدو أن تعقيدات وقف إطلاق النار قادت بالضرورة إلى حيث لم تكن حكومة
بنيامين نتنياهو تريد: فقد تم تكريس دور السلطة الفلسطينية في رام الله عندما
توفرت الحاجة لكي تتدخل لدى «حماس» والفصائل الأخرى من أجل وقف إطلاق النار. ولكن
لا يقل أهمية عن ذلك أن وضع غزة أثار دعوات لحل سياسي أوسع من مجرد وقف إطلاق
النار.
وقد كتبت «هآرتس» في افتتاحيتها أنه حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف
إطلاق النار، فإن «الواقع في غزة سيبقى يعتمل مهددا بانفجارات جديدة. وقد أوضح
الحصار الإسرائيلي والمصري على قطاع غزة، وليس للمرة الأولى، أن ليس فيه ما يضمن
منع الاشتعال العنيف. فالحصار مس بعلاقات إسرائيل بدول في العالم، وأغرق في اليأس
1.6 مليون من سكان قطاع غزة. وفضلا عن ذلك، لم يمنع الحصار تسلح حماس، وكان من
العناصر المهمة التي حققت المصالحة بين فتح وحماس». وخلصت إلى أنه «إذا كانت دولة
إسرائيل تريد الهدوء في قطاع غزة، فإن عليها أن تسمح لـ(رئيس السلطة الفلسطينية
محمود) عباس بتحويل المال لموظفي الحكومة الذين عينتهم حماس، وتسمح لعباس بان يشكل
لجنة مشتركة للرقابة على العبور في معبر رفح، وتجري معه المفاوضات المباشرة على
تطبيق بنود وقف النار، بإسناد من مصر، وتحرير السجناء الذين تعهدت بتحريرهم».
ورغم اتفاق شمعون شيفر، في «يديعوت احرونوت»، مع التقدير القائل بأن مصر
هي «القاعدة الوحيدة الحقيقية ذات التأثير الأكبر في حماس»، إلا أن «للقاهرة أيضا
حسابا مفتوحا مع حماس بسبب الصلات المتشعبة بين هذه المنظمة الإرهابية والإخوان
المسلمين في مصر. ونتيجة ذلك، فإن العلاقات بينهما مشحونة بالشك والعداء. فحماس
ترى أن المصريين وسطاء غير نزيهين، وهي متأكدة من أن النظام المصري يجر قدميه بغية
تمكين إسرائيل من الاستمرار في سحق القطاع».
ويذهب بن كسبيت، في «معاريف الأسبوع»، إلى تبيان أن علاقة مصر المتوترة
مع «حماس» قادت الأميركيين قبل غيرهم إلى التفكير في مسار وساطة آخر هو المسار
القطري ـ التركي. وأثار هذا المسار أوساطا في إسرائيل وجهت للأميركيين انتقادات
شديدة بهذا الشأن. لكن الأميركيين لم يغيروا رأيهم حتى النهاية.
وينقل كسبيت عن أوساط إسرائيلية قولها إن وزير الخارجية الأميركي جون
كيري سمح بأقواله لـ«حماس» أن تفهم أنه إذا فشل المسار المصري فثمة خيارات أخرى.
وهكذا قضى كيري على الجهد المصري وعلى الاقتراح المصري.
ولاحظ المعلق العسكري في «يديعوت» أليكس فيشمان أن «الخارجية الأميركية
لا تزال حتى الآن تزرع الأضرار. فالذين يحثون القطريين على التدخل في المبادرة
المصرية لوقف إطلاق النار وعرض اقتراحات منهم ليسوا أصدقاء رجال حماس فقط، بل جون
كيري بجلاله وبنفسه».
ويعتبر فيشمان، مستندا إلى تقديرات الاستخبارات، أن «حماس» برفضها
المبادرة المصرية أغضبت جدا الشارع الفلسطيني في غزة، لكنه لا يفسر كيف أن الحركة
ترفض وقف إطلاق النار، في الوقت الذي تتوق إليه، إلا بغضبها على المصريين الذين
«بعد أن أهانوا حماس وبينوا لها قيمتها صاروا يكتبون لها وثيقة جديدة تعاملها
باحترام أكبر قليلا».
والواقع أن في الكثير مما يكتب في وسائل الإعلام الإسرائيلية نوعا من
الخفة في التعاطي مع الوضع في غزة، والمنطق الذي تستند إليه «حماس». غير أن أودي
ديكل، من مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، كتب في نشرة «نظرة عليا» أنه
«يفترض بآليات الإنهاء والترتيب أن تحقق الغاية الإستراتيجية للطرفين. فقد اختارت
إسرائيل تحديد حماس كالعنوان المسؤول في القطاع، إلى جانب ممارسة الجهد المستمر
لإضعاف حماس، لكنها لم تضع لنفسها هدف تدمير حماس في القطاع. وبالتالي، حددت
إسرائيل غاية حملة الجرف الصامد بتحسين الوضع الأمني من خلال وقف إطلاق الصواريخ
نحو إسرائيل، ترميم الردع لغرض إبعاد جولة المواجهة التالية، منع ترميم وتعاظم
حماس وتحسين الرد بالعثور على الأنفاق الهجومية التي تستهدف التسلل والقيام بعمليات
في أراضي إسرائيل وتدميرها. أما غاية حماس فكانت إعادة مكانتها بصفتها اللاعب
المركزي، ذا القوة وقدرة التحكم بالقطاع، لإحداث التغيير في موقف مصر وإسرائيل
منها. إلى جانب ذلك، تسعى حماس إلى كسر الحصار على القطاع بتوسيع الحركة في
المعابر الإسرائيلية وفتح متواصل لمعبر رفح إلى مصر، تحويل الأموال إلى القطاع،
تسهيلات في مجال الصيد، التجارة، الزراعة وغيرها».
ولاحظ ديكل أن «لمصر دورا مركزيا في الوساطة لتحقيق وقف النار، ولبلورة
التفاهمات اللاحقة وتطبيقها. وقد ترددت مصر الرئيس (عبد الفتاح) السيسي بين رغبتها
في إنهاء حكم حماس في القطاع، وبين فهمها بان إسرائيل لا تسعى إلى ذلك، وكذلك بان
عليها أن تراعي احتياجات الأمن لإسرائيل. إلى جانب ذلك، فان مصر معنية بان تقلص
قدر الإمكان مسؤوليتها والتزامها تجاه حماس بشكل خاص والقطاع بشكل عام. في
البداية، بدا أن المصريين ظنوا أن الزمن يعمل لمصلحتهم، ما دام أحد الطرفين يضرب
الآخر، وحماس رفضت قبول اقتراحات الوساطة لوقف النار. وعندما اتضح للقاهرة بأنه
تجرى محاولات وساطة ليس عبرها، لا سيما بمشاركة قطر وتركيا، قرر السيسي قبول تحدي
الوساطة لتحقيق ثلاثة تحولات مركزية لمصر: استقرارها كزعيم إقليمي وكلاعب وحيد
يمكنه أن يؤدي إلى إنهاء المواجهة، تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، تعزيز
عباس وإدخال السلطة الفلسطينية إلى القطاع عبر الموافقة على فتح معبر رفح فقط إذا
ما سيرته السلطة وأتاحت الظروف الأمنية بتسييره. ولاحقا من المتوقع للمصريين أن
يطالبوا بنشر قوة للسلطة على طول الحدود بين القطاع ومصر، وخطوات أخرى تعمق دور
السلطة في القطاع».
المصدر: السفير