تسوية «تبادل
الأراضي»: على خطى حل الدولتين
بقلم: ماجد الشّيخ
بالرغم من التصريحات المتفائلة التي أدلت بها وزيرة
العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني، المكلفة إدارة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين، حول
تجديد المفاوضات، فقد أعرب طال بكار المستشار السياسي للوزيرة، في أحاديث مغلقة،
عن تشاؤمه الشديد حول إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين خلال السنتين
القادمتين.
يجئ ذلك في غمرة جهود يبذلها وزير الخارجية الأميركي جون
كيري، لتجديد العملية التفاوضية، التي وصلت إلى طريق مسدود منذ أكثر من عام ونصف
عام. وفي محاولة لإقناع الأطراف المعنية بالتوصل إلى اتفاق لتجديد المفاوضات قبل
منتصف حزيران (يونيو) القادم.
كما يجئ ذلك في ذروة معطيات داخلية إسرائيلية وفلسطينية،
علاوة على أوضاع إقليمية ودولية تفيد بفشل «حل الدولتين»، جراء ارتفاع منسوب موجات
الاستيطان ومصادرة الأراضي والجدار والقوانين العنصرية، التي تواصل فرض مفاعيلها
على أرض الدولة الفلسطينية المفترضة، ما يضعنا مباشرة في مواجهة وضع قديم - جديد
ناشئ من ضياع فرص التسوية العتيدة، ومحاولة تجاهل وطمس وعدم الاعتراف بمرجعيات
لها، وتبديد وقائع وإمكانيات تحقيق شروطها، على أرض تفقد كل يوم معالمها الأصلية،
بفعل مصادرات الأراضي وإقامة المزيد من البناء الاستيطاني المتواصل، وتهويد ما لم
يكن يهودياً بالمطلق في القدس أو في الضفة الغربية.
وحتى القدس كمدينة وعاصمة للدولة الوليدة، يحاول
الإسرائيليون مصادرتها لصالحهم وإبعادها عن مرمى الهدف الفلسطيني، فقد أطلقت سلطات
الاحتلال الإسرائيلي أخيراً، مصطلح «القدس الشمالية» بديلاً للقدس الشرقية لتكون
عاصمة لدولة فلسطين، وذلك في الذكرى الـ 46 لاحتلال الشطر الشرقي من المدينة، وضمه
للغربي وإعلانها عاصمة موحدة لإسرائيل. وذلك على لسان رئيس بلدية الاحتلال في
المدينة (نير بركات) الذي أعلن أن حكومته لن تتنازل عن شبر واحد من أراضي تلك
المدينة لصالح الفلسطينيين، داعياً إلى إطلاق اسم «القدس الشمالية» على الأحياء
الواقعة خارج جدار الفصل المحيط بالقدس من الجهة الشمالية، إضافة لمدينة رام الله
وإعلانها عاصمة لدولة فلسطين، على حد قول بركات، الذي قال إنه لن يُسمح بالتفريط
بأي شبر من المدينة المقدسة، وإنها يجب أن تظل موحدة وعاصمة أبدية لدولة إسرائيل،
مقترحاً على الفلسطينيين أن يتخذوا من رام الله عاصمة لدولتهم، وتغيير اسمها إلى
«القدس الشمالية» لو أرادوا.
وفي وقت يطالب الجانب الفلسطيني بأن تكون القدس الشرقية
عاصمة لدولة فلسطين المنتظرة، رغم قيام إسرائيل في العام 1980 بضمها، عبر إقرار
«قانون القدس» الذي يعلن المدينة عاصمة «أبدية» لإسرائيل و»غير قابلة للتقسيم»، في
وقت لم يعترف المجتمع الدولي بذلك، اعتبر بركات تلك المطالبة بأنها «غير مقبولة
وغير قابلة للحياة»، وقال إن «طريقة التفكير هذه لن تأخذنا إلى أي مكان، فقط إلى
مكان بلا مخرج»، مضيفاً «إذا كان الفلسطينيون يريدون القدس عاصمة، فيمكنهم أن
يسموا رام الله القدس أو القدس الشمالية». وندد بركات في مقابلة مع صحيفة «تايمز
أوف إسرائيل»، بما وصفه بالضغط غير الشرعي على إسرائيل لوقف بناء المستوطنات في
القدس الشرقية.
في هذا الوقت تحديداً، تجئ «مبادرة تبادل الأراضي» لتضيف
بعداً جديداً من أبعاد الاختلاف والصراع المحتدم حول تسوية باتت مستعصية وغير
ممكنة، وهي مبادرة قديمة، أقدم من طرح وزراء الخارجية العرب لها مؤخراً، فقد ذكر
موقع «واللا» الإخباري العبري، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود اولمرت،
كان عرض في 16 أيلول (سبتمبر) 2008، أمام الرئيس محمود عباس، في اجتماع عُقد
بينهما في مقر رئيس الحكومة الإسرائيلية «اقتراحاً تاريخياً» للتوصل إلى اتفاق
سلام بين الطرفين، تضمن خريطة لخطة «تبادل الأراضي» بين الطرفين، وفق رؤية أولمرت
للسلام الشامل، والتي «تضمنت تنازلات كبيرة من قبل إسرائيل للفلسطينيين»، في
محاولة للوصول إلى حل على قاعدة «حل الدولتين لشعبين».
وأضاف «واللا»: أن اولمرت عرض خلال ذلك اللقاء، خريطة
كبيرة أمام أبو مازن، تضمنت الاقتراح الخاص بتبادل الأراضي، إلا أن أبو مازن رفض
المصادقة عليها، بعكس رغبة اولمرت، الذي طلب من أبو مازن التوقيع عليها بالأحرف
الأولى، إلا أن أبو مازن لم يفعل ذلك، ولكنه وفور عودته من الاجتماع، دخل إلى
مكتبه في المقاطعة برام الله، واسكت جميع الحاضرين، وبدأ برسم الخريطة التي عرضها
أمامه اولمرت، على ورقة تحمل ترويسة السلطة الفلسطينية ومكتب الرئيس الفلسطيني.
وفي ظل انشغالات الوضع العربي والدولي بأبرز القضايا
المتفجرة، في أعقاب ما يسمى «ثورات الربيع العربي»، تجري اليوم محاولات للعودة إلى
تجريب المجرب، الداعي إلى تبادل أرض بأرض، أصحابها هم أنفسهم، أكانوا هنا أم كانوا
هناك، أي إنهم يريدون تبادل أرضنا بأرضنا، تماماً كتجريب المجرب لتخريب المخرب من
قضايا لم تعد بالنسبة إلى كثيرين مبدئية ومن الثوابت، وإلا ما معنى أن يمنح
الإسرائيليون «فترة سماح» جديدة للقيام بمراوغات تكسبهم المزيد من الوقت، كي
يقوموا بحملات تطهير عرقي جديدة لإخلاء أراضي فلسطين التاريخية من أهلها وأصحابها؟
بالرغم من ذلك، فإنه علاوة على عدم وجود إمكانية واقعية
وحقيقية لتطبيق هذا التبادل، فمنذ الفترة الأولى أعلن أصحاب الأراضي خصوصاً في
المثلث والنقب، رفضهم المسألة برمتها، حتى لا يجري سلب حقوقهم الشرعية الثابتة في
أرضهم لتجري مبادلتها بأرضهم.
في ثنايا كل هذا يكمن الصراع الخفي والمعلن، الهادف
لإفشال «حل الدولتين» كمرحلة أولى، وفي المرحلة الثانية لن يكون هناك مجال إلا
لإفشال أي طرح من قبيل «تبادل الأراضي» للوصول إلى النتيجة ذاتها، فعلى المدى
الطويل، ليس من صالح الكيان الإسرائيلي استعادة اسم فلسطين، ولو على جزء من أرضها
التاريخية، نظراً لما تشكله هذه المسألة من عامل نفي للوجود اللاحق (الإسرائيلي)
على الأرض الواحدة التي يجري الصراع عليها.
لذلك وحتى لو قبلت إسرائيل اليوم بدولة ثنائية القومية،
فهي مستقبلاً تسعى لأن تجعل «الدولة الواحدة» إسرائيلية قلباً وقالباً، عنصرية لا
ديموقراطية. وما مسألة «تبادل الأراضي» سوى خطوة أولى في مسار التطهير العرقي،
الذي قد يطاول غداً أو في المستقبل البعيد - وبالضرورة - ما تبقى من مواطني أرض
فلسطين التاريخية، على امتداد الجليل والمثلث والنقب، وصولاً إلى مدينة القدس.
المصدر: الحياة، لندن، 27/5/2013