تصريح بلفور صناعة
قوى استعمارية.. ج (8) مراحل تنفيذ المؤامرة
ظاهر صالح
باشرت المؤامرة
العمل تحت قناعها الجديد «الصهيونية السياسية»، ووضعت الصهيونية السياسية نصب عينيها
تحقيق الهدفين التاليين:
– إجبار دول العالم
على الاعتراف بالوطن القومي لليهود في فلسطين، وبالتالي إنشاء دولة مستقلة تكون هي
وطن المؤامرة.
– أما الهدف الثاني
فهو تأمين السيطرة على ثروات المنطقة بأكملها بوجه عام وعلى ثروات قطاع البحر الميت
بوجه خاص.
وللحديث عن مراحل
مخطط العمل الذي وضعوه موضع التنفيذ.
كانت الخطوة الأولى
إصدار تصريح بلفور عام 1917 الذي تعهدت بموجبه بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بتأسيس
وطن قومي لليهود في فلسطين، وتلا ذلك فورًا بدء التنفيذ الفعلي؛ فأصدرت الأوامر إلى
الجنرال إدموند ألنبي قائد الجيش الإنجليزي في الشرق الأوسط بطرد الأتراك من الشرق
الأدنى العربي واحتلال الأراضي المقدسة في فلسطين.
في ديسمبر قامت
السلطات البريطانية بالسيطرة عسكريًّا على فلسطين ووصف لويد جورج، إدموند ألنبي للقدس
أنه انتصار الحروب الصليبية وهدية عيد الميلاد، حينئذ طلب المرابون الماليون من الحكومة
البريطانية تعيين لجنة صهيونية في فلسطين وتعيين مندوبيهم السياسيين أعضاء لها، على
أن تكون مهمة هذه البعثة «تقديم النصح» للجنرال كلايتون الحاكم العسكري لفلسطين، وقد
باشرت عملها بالفعل في آذار/ مارس عام 1918، وكان أعضاؤها الرئيسيون هم:
– حاييم وايزمن!
– الكولونيل أورميسي
رغور الذي عين فيما بعد مديرًا لبنك ستاندارد في جنوب أفريقيا، وهو البنك الذي يسيطر
على مناجم الذهب والماس في جنوب أفريقيا، كما أنه هو الذي يمول سياسة التفرقة العنصرية
التي تتبعها تلك البلاد.
وقد أرسلت هذه
اللجنة إلى فلسطين قبل أن ينعقد مؤتمر السلام، وحتى قبل أن تنتهي الحرب، وذلك لإعداد
الجو الملائم فيها قبل أن يحين موعد طرح القضية الفلسطينية على بساط البحث لاتخاذ قرار
بشأنها في المعاهدة المقبلة – معاهدة فرساي.
بدأت المفاوضات
أخيرًا في مؤتمر السلام هذا؛ فكانت مهزلة شبه مكشوفة أسقط فيها سادة المال العالميون
القناع وبدا نفوذهم جليًا وتحويل مؤتمر السلام إلى مؤتمر استعماري حمل قرارات ذات نتائج
خطيرة، وفيما يتعلق بفلسطين فقد وضع مشروع الانتداب الإنجليزي عددًا من كبار الصهيونيين
العالميين وعلى رأسهم:
– البرفسور فيليكس
فرانكفورنر، الذي أصبح فيما بعد مستشارًا رئيسيًا في البيت الأبيض في عهد رئاسة فرانكلين
روزفلت.
– هربرت صاموئيل،
أول مندوب سامٍ في فلسطين بعد الاحتلال الإنجليزي.
– لوشيان وولف
المستشار الخاص لرئيس الوزراء الإنجليزي للويد جورج.
وقد بقي هيربرت
صموئيل خمس سنوات في فلسطين حتى عام 1925، أسس خلالها كل القوانين لتأسيس كيان صهيوني
متكامل، وأثناء وجوده كمندوب سامٍ بريطاني صادقت عصبة الأمم بالدول الاستعمارية الخمس
على صك الانتداب عام 1922، والذي تضمن تصريح بلفور نصًا وروحًا وتفاصيل، وبالتالي أصبح
لزامًا قانونيًّا على بريطانيا طيلة سنوات الانتداب أن تقدم تقريرًا سنويًا لعصبة الأمم
على مدى تطبيقها لتصريح بلفور، ومدى عملها الدؤوب لتحويل فلسطين إلى وطن للصهيونية.
مؤامرة الالتفات
إلى عصبة الأمم
يقول بعض المفكرين
منهم المؤرخ والدبلوماسي الإنجليزي الشهير هار ولد نيكولون في مؤلفه الضخم «صنع السلام،
1919 – 1944» – صفحة 44:
إن لوشيان وولف
طلب إليه شخصيًا أن يتبنى رأيه، وهو أن اليهود يجب أن يتمتعوا بحماية عالمية، وأن يتمتعوا
في الوقت نفسه بكل حقوق المواطن في أي دولة!
ويقول الكاتب الفرنسي
جورج باتو في كتابه «المشكلة اليهودية»– صفحة 38:
إن المسؤولية تقع
على عاتق اليهود الذين أحاطوا بالرئيس الأمريكي ويلسون ورئيس الوزراء الإنجليزي للويد
جورج ورئيس الوزراء الفرنسي كليمانسو في عملية قلب معاهدة الصلح إلى «صلح يهودي».
كانت القضية الفلسطينية
الشغل الشاغل الأول للمتآمرين وانتهاء الخلايا من إقرار الانتداب الإنجليزي على فلسطين
في معاهدة السلام.
وكذلك لا تنسى
المؤامرة الالتفات إلى عصبة الأمم التي نصت معاهدة فرساي على إنشائها، فبثت عملاءها
وخلاياها في أوساط هذه العصبة منذ منشئها، حتى استطاعت فيما بعد أن تجعلها آلة بيد
مجموعة المرابين العالميين اليهود، وهذا ما سمح فيما بعد للصهيوني المعروف ناحوم سوكولوف
رئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الصهيوني المعروف بالمفاخرة في هذا المؤتمر يوم 25 أغسطس
(آب) 1952، قائلًا:
«إن عصبة الأمم
فكرة يهودية»، وقد نقل هذا القول عنه حرفيًّا الكولونيل م. هـ. سين الأمريكي ونشرها
في كتابه «اليد الخبيثة» الذي ألفه لتحذير الشعب الأمريكي من الخطر الصهيوني.
وقد ذكر بهذه المناسبة
بصورة خاصة أحد أشد الأشخاص اطلاعًا في العالم دون ريب، رئيس تحرير جريدة التايمز الإنجليزية
الكبرى «ويكهام سيد»، وقد أشار عدة مرات إلى النفوذ الخفي الذي يمارسه سادة المال العالميين
اليهود.
وثيقة الانتداب
الإنجليزي على فلسطين
كان النص الأصلي
الذي تضمنته معاهدة فرساي بشأن تقرير الانتداب الإنجليزي على فلسطين يشتمل على الفقرة
التالية: «وذلك لتحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود»، بيد أن الصهيونيين عدلوا هذا النص
رغبة منهم في إخفاء مدى مطامعهم الحقيقية، فجاء على الشكل التالي:
«وذلك لإنشاء وطن
قومي لليهود في فلسطين»، ومن الواضح أن هذا التعديل إنما منه تبيان عدم طمع اليهود
في الاستيلاء على فلسطين كلها.
يتبين لنا مما
سبق أن تصريح بلفور هو أهم حدث في تاريخ الصهيونية وتاريخ الجماعات اليهودية الصهيونية
في العالم؛ لأنه حول الشعارات الاستيطانية السياسية السابقة للصهيونية إلى مشروع تحقق
بقوة السلاح البريطاني وبموافقة باقي القوى الاستعمارية وصمتها، فكان تصريح بلفور وما
زال وسيبقى تصريحًا غير قانوني في إصداره وغير أخلاقي في فعله، واستبدادًا في هدفه
وخبيثًا في نصه وكلماته، ومنافيًا لكل حقوق الإنسان والشرائع السماوية والدولية، وسيبقى
في الذاكرة أكثر وثيقة مخزية صنعتها القوى الاستعمارية الغربية وتتحمل الحكومة البريطانية
وزر إصدارها في العلن.
المصدر: ساسة بوست