القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

"تصفير" حق العودة... محاولات إسرائيلية

"تصفير" حق العودة... محاولات إسرائيلية

أسعد عبد الرحمن

ما زالت قضية "حق العودة" للاجئين الفلسطينيين تُثير الخوف عند أصحاب القرار في الدولة الصهيونية باعتبارها "تقايض على مصير إسرائيل"! ويظهر بشكل واضح أن إسرائيل لا تأخذ هذا الحق بعين الاعتبار في أي تسوية شاملة، مع العلم أن أي تسوية ناقصة لن ترى النور، طبعاً دون التقليل من أهمية القضايا الجوهرية الأخرى كالقدس والمستعمرات (المستوطنات). ولطالما كان موضوع "حق العودة" مجال نقاش متجدد في الأوساط الإسرائيلية متضمناً صيغاً مشوهة وهزيلة عن ذلك الحق على نحو يجعلها حتى غير مقبولة في بعض الأوساط الإسرائيلية، ناهيك عن رفضها فلسطينياً وعربياً وإسلامياً.

وفي الآونة الأخيرة، ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن رسائل متعددة من جهات إسرائيلية وصلت لعدة عواصم في المنطقة، تفيد بأن "ملف حق العودة في التفكير الإسرائيلي لم يعد مقفلاً تماماً كما كان في الماضي، ويمكن البحث به جزئياً لأول مرة في واحدة من سلسلة تطورات لافتة على هذا الصعيد". بعض التعبيرات في هذا الإطار نشرتها صحف إسرائيلية، وبعضها الآخر وصل عبر قيادات بارزة في المجتمع اليهودي الأميركي من خلال حوارات بحثية الطابع. وفيما يبدو، فإن وزارة الخارجية الأميركية طلبت من بعض سفاراتها في المنطقة إعداد بيانات إحصائية حديثة جداً عن أوضاع وأعداد اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية والعالم.

وبحسب الصحافة الإسرائيلية، فقد أشارت مصادر دبلوماسية مطلعة لتصريحات نتنياهو حول "تنازلات مؤلمة قد تضطر لها إسرائيل لاحقاً باعتبارها أدلة على موقف أميركي يتم ترويجه عبر القنوات الدبلوماسية ويفيد بأن بعض تفصيلات حق العودة إلى فلسطين بات من الممكن بحثها في ظل التسوية الشاملة في المنطقة، وأن جهات داخل إسرائيل تتجاوب على الأرجح"!

ورداً على ما سبق، يقول الكاتب الإسرائيلي "أليشع أفرات"، أستاذ الجغرافيا في جامعة تل أبيب، في مقال حديث: "إن موضوع حق العودة للعرب الذين طردوا في عام 1948 وأصبحوا لاجئين في الضفة الغربية وفي الدول العربية، يُثار للنقاش من آن لآخر، لكنه يُدفع في واقع الأمر إلى الهامش لدرجة أنه يصبح موضوعاً غير مهم عند حكومات إسرائيل، بسبب حساسيته السياسية، رغم أنه اليوم أهم موضوع في التفاوض بين دولة إسرائيل والسلطة الفلسطينية". وهذا صحيح، فمرة يقترح الإسرائيليون استيعاب اللاجئين في البلدان العربية، خاصة التي يصل عدد سكان كل واحدة منها 5 آلاف نسمة وأكثر، والتي "يفترض" أن تكون فيها بنية تحتية معقولة لاستيعاب زيادة عدد السكان! ومرة أخرى يقترحون إنشاء بلدات جديدة لاستيعاب اللاجئين. لكن الواقع يؤكد أن الفكر اليميني المتغول في المجتمع الإسرائيلي (حكومات ومؤسسات وسكان) يؤمن بأن مجرد فكرة العودة مرفوضة، وأنه لا يجوز لأي لاجئ فلسطيني أن يُستوعب "في إسرائيل" بسبب "خطر فقدان الدولة صبغتها اليهودية"! فأكثر الأسس التي تعتمد عليها إسرائيل في رفض تطبيق "حق العودة" الوارد في القرار الأممي 194 هو الأساس الأمني الديموغرافي، حيث ترى أن تطبيقه يشكل خطراً على وجود إسرائيل، كونه سيرفع بشكل كبير كثافة السكان العرب. وطبعاً فإن هذا الخطر المتوهم ناجم -في الجوهر- عن رغبة إسرائيل في اعتبار نفسها دولة لليهود فحسب! ومعلوم أن الموقف الإسرائيلي من مسألة "حق العودة" يرتكز على ثلاثة عناصر شكلت ثوابت هذا الموقف منذ تأسيس دولة إسرائيل: الأول، أن قضية اللاجئين نتيجة طبيعية لحرب 1948 وهي من صنع العرب لأنهم "اعتدوا" على إسرائيل ونتاج "دعوة" القيادات العربية للسكان الفلسطينيين إلى "مغادرة قراهم لتسهيل تقدم القوات العسكرية للدول العربية". الثاني، أن العرب يتعمدون إدامة مشكلة اللاجئين ويستخدمون الفلسطينيين سلاحاً في صراعهم مع إسرائيل. والثالث، هو أن اللاجئين "عرب"، والعرب يملكون من الموارد ما يكفي لاستيعابهم وتوطينهم في بلدانهم الواسعة.

لقد رجّحت صحيفة "معاريف" احتمال "تحطم المفاوضات" التي استؤنفت مؤخراً على صخرة الخلافات الإسرائيلية الفلسطينية حول القدس و"حق العودة"، وأنها ستؤول بالجميع إلى انتفاضة ثالثة "أكثر عنفاً". وسخرت "معاريف" من اللقاءات التي تعقد حالياً بين السلطة وإسرائيل، قائلة: "في هذه الأثناء يمكن أن يتفق الطرفان مثلاً على المكان الذي ستُجرى فيه اللقاءات، وفي أي ساعة تبدأ الجلسة، وربما على لون الملابس التي سيرتديها المفاوضون". ثم استطردت: "وربما يتفاهمان على تعديلات حدودية طفيفة في مناطق ليست ذات أي أهمية، لكن حينما تأتي لحظة الحقيقة وتطرح على الطاولة القضايا الجوهرية، فإن التوافق لن تقوم له قائمة؛ كون الطرفين يريدان بالضبط ذات الشيء". ومن جهته، يقول "ميخائيل وارشوفسكي"، الكاتب الصحفي والناشط البارز في حركة "مقاومة الاستعمار": "من وجهة نظري، أرى أن القيادة الوطنية الفلسطينية قد ارتكبت خطأً فادحاً خلال عملية أوسلو في ترك الإسرائيليين يعتقدون أنه يمكن مناقشة عودة اللاجئين والتفاوض بشأنها والتكيف معها، وأنه يمكن (تعويض) أو مقايضة حق العودة بالانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة عام 1967. يجب إنهاء الاحتلال، ويجب تنظيف الأراضي المحتلة من المستوطنات كافة، وينبغي أن يكون اللاجئون قادرين على العودة إلى ديارهم. وبخلاف ذلك، لن تكون هناك إمكانية لأية تسوية سياسية، ولا أية إمكانية لإقامة تعايش سلمي دائم". ويختم وارشوفسكي قائلاً: "باختصار، لا يوجد أي تناقض بين تطبيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وبين إمكانية وجود قومي يهودي إسرائيلي في فلسطين. وتبقى المشكلة الحقيقية الوحيدة التي ينبغي حلها للوصول إلى هذا الحل، هي ضرورة تصفية الاستعمار، وتصفية البرنامج الاستعماري للمؤسسات الإسرائيلية، والتخلص من العقلية الاستعمارية الإسرائيلية. ومن أجل تحقيق ذلك، مطلوب علاقات جديدة، وليس عقد الصفقات الوهمية".

إن قضية حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة راسخة في وجدان كل فلسطيني، في الداخل وفي الشتات، رغم الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون وحالة التفكك والإحباط التي تسود المنطقة عامة... وهذا ما تدركه إسرائيل تماماً، لذا فهي تجهد لجعل حق العودة صفراً... وهيهات لها أن تصل إلى نجاح استراتيجي في هذا المجال!

الاتحاد، أبو ظبي، 1/11/2013