القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

تعريب النكبة على مدى 65 عاماً

تعريب النكبة على مدى 65 عاماً

بقلم: عصام نعمان

"احتفل" الفلسطينيون في الوطن المحتل والشتات بذكرى النكبة التي حلّت بهم (وبالعرب) منذ 65 عاماً. الغاية من الاحتفال تذكير أنفسهم بنكبة اغتصاب فلسطين من قبل اليهود الصهاينة، وتجديد العزم على تحريرها وعودة شعبها إلى دياره.

الحقيقة أن النكبة لا تخصّ الفلسطينيين وحدهم. العرب عموماً وعرب الجوار خصوصاً معنيون بها أيضاً. هم خسروا أراضيَ اغتصبها الصهاينة، وعانوا تشريد مجاميع من شعبهم، وتضرروا من مفاعيل زرع جسم غريب ومعادٍ في قلب وجودهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

لبنان خسر منطقة في جنوبه الشرقي تتألف من بلدات وقرى ومزارع وأنهار وخزان هائل لمياه جوفية تتفجّر في مجاري أنهار الأردن والحاصباني والوزاني، فضلاً عن احتضانها سكاناً بعشرات الآلاف.

سوريا خسرت معظم محافظة الجولان الجنوبية التي تغتسل أطرافها الغربية ببحيرة طبرية، وتزخر بالمياه المعدنية الحارة، فضلاً عن مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة الصالحة لإعاشة عشرات الآلاف.

الأردن خسر مساحاتٍ واسعة في منطقة الأغوار الجنوبية، وقد "استردها" نظرياً بموجب معاهدة وادي عربة، لكن "إسرائيل" احتفظت بها بموجب عقد إيجار طويل يربطها بالدولة الجارة!

مصر خسرت شبه جزيرة سيناء في حرب ،1967 وقد "استردتها" نظرياً بعد حرب 1973 لكن منقوصةَ السيادة بموجب اتفاق "كامب ديفيد" الذي مزقها إلى ثلاث مناطق يتفاوت فيها الوجود العسكري المصري الرقيق، وحظر فيها إنشاء مطارات وموانئ عسكرية، وأرغم مصر على "استضافة" 2000 جندي تابعين لحلف "الناتو" لمراقبة الوضع على نحوٍ يؤمّن أمن "إسرائيل"!

هكذا يجري "تعريب" النكبة لتشمل العدد الأكبر من عرب الجوار على امتداد المشرق.

العرب، لاسيما عرب المشرق، معنيون، إذاً، شأن الفلسطينيين، بتذكير أنفسهم بالنكبة التي ضربتهم منذ 65 عاماً، ومازالت. وإذا كانت "إسرائيل" تحظر على سكانها العرب استخدام كلمة "نكبة" في أحاديثهم وأدبياتهم، فإنها ما فتئت تذكّر سكان الضفة الغربية وقطاع غزة بأن النكبة مازالت حيّة، متحركة ومتمادية في حاضرنا من خلال الاستيطان بما هو عملية قضم وهضم متواصل للأرض العربية بكل خيراتها ومواردها.

وإذ تنوء فلسطين، من النهر إلى البحر، بثقل الاحتلال الصهيوني الاستيطاني الاقتلاعي، يتكشّف المشهد السياسي الفلسطيني عن مأساة مزمنة ومتمادية هي عجز القيادات والقوى الوطنية عن توليد جبهة تحرير وطني ببرنامج سياسي وكفاحي متكامل ومقاومة ميدانية ومدنية فاعلة لمواجهة العدو الصهيوني وحلفائه بنَفَس طويل على مدى جيل أو جيلين. فمنظمة التحرير عجزت عن تجسيد الجبهة والبرنامج والمقاومة المرتجاة، إذتحوّلت مجرد سلطة أو نظام ينضاف إلى جملة السلطات والكيانات التي تشكّل فيما بينها النظام العربي الرسمي الذي أخفق بدوره في تحويل العرب، مذّ قيام جامعة الدول العربية العام ،1945 قوةً إقليمية وازنة ومتماسكة.

من عمق هذا الوهن العربي الشامل، تفجّرت انتفاضات شعبية في أقطار عربية عدّة، وواكبتها آمال عريضة بأن تتحول تدريجاً إلى حركة نهوض واسعة ومتجذرة. لكن سرعان ما انزلق أصحاب الانتفاضات إلى صراعات ساخنة على السلطة، ضاعت معها المبادئ والأهداف الأصلية والأصيلة للانتفاضات الواعدة عند إطلالتها.

إن نظرة متأنية إلى المشهد العربي الراهن تكشف حالاً محزنة من الاحتدام والاضطراب والاشتباك والتناحر بين قوى الثورة المرتجاة. ولعل أسوأ جوانب المشهد المحزن لوحة الصراع الساخن بين القوى العروبية والقوى الإسلامية، ثم ذلك الصراع الساخن أيضاً بين القوى الإسلامية نفسها وجنوح بعضها إلى التعامل والتعاون مع قوى خارجية كانت دائماً متربصة بالأمة ووحدتها وتحررها ونهوضها وارتقائها.

كل هذه المخاطر والتحديات والمعوّقات تجعل من عالم العرب اليوم منطقة صراع مفتوحة وسائبة بين قوى دولية نافذة وقوى إقليمية غير عربية صاعدة، لا تتوانى عن أن تتخاصم أو تتصالح على حساب العرب، أرضاً ومواردَ ومصالح ومواقع.

في غمرة مخاض العرب الطويل، تنعقد الآمال، رغم قسوة الظروف والتحديات، على القوى الحية في الأمة، ترتجي منها أفكاراً وبرامج ومناهج نهضوية للخروج من المحنة. كما ينعقد الرهان على القوى الحية في مصر، كبرى دول العرب، لابتداع الفكر والنهج والآليات والقيادات النهضوية القادرة على إنجاب استراتيجيا متكاملة وإرساء تجربة جديدة في العمل الوطني والسياسي والاجتماعي لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، وحكم القانون، والعدالة، والتنمية، واعتماد خيار المقاومة في مواجهة أعداء الأمة.

الخليج، الشارقة، 18/5/2013