القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

تفاصيل من يوميات 35 ألف فلسطيني نكبوا للمرة الثانية أربع سنوات على انتهاء حرب البارد

تفاصيل من يوميات 35 ألف فلسطيني نكبوا للمرة الثانية أربع سنوات على انتهاء حرب البارد: ماذا الآن؟ ماذا غداً؟

سعدى علوه

يقف أحمد وظهره إلى باب غرفة الجلوس في منزل جده في المنطقة المحاذية لمخيم نهر البارد. يقول ابن السنوات الست «تخيلي أن هذا الباب هو لبيت «بنات يعقوب» الأثري في الصفورية بالقرب من الناصرة في الجليل الفلسطيني المحتل»، ثم يتابع بثقة العارف «إذا نظرت، وظهرك إلى باب بيت «بنات يعقوب»، إلى سور الدير المقابل، دير «ستنا حنا»، والدة السيدة العذراء، ورجعت بنظرك مئتي متر نحو بيت «بنات يعقوب»، في تلك النقطة يقع بيتنا».

يرسم احمد خريطة دقيقة لنقطة وجود بيت العائلة كما رسَّخها بذهنه جده سليم، أبو علاء غنيم، الذي هُجّر من الصفورية عندما كان في الثامنة من عمره.

ما زال أبو علاء يحفظ البيت وتفاصيله، وتفاصيل القرية وأزقتها وبيوتها الترابية، وحتى «الأراضي البور فيها» حيث «كان السيد المسيح يلعب وهو صغير، وبالقرب منها كانت البئر التي شرب منها، وكنا نحن، بعد قرون على صلب السيد المسيح، نلعب في الأماكن عينها ونشرب من المياه نفسها»..

ذاكرة أبو علاء متوقدة، وهي لم تساعده فقط على تعريف أبنائه وأحفاده بموقع بيته، الذي لم يعد موجودا، وإنما أيضاً في تحديد شكل ونوعية حجارة البيت عبر فيلم فيديو أهداه إياه فلسطيني يحمل جواز سفر أوروبي سمح له بزيارة الصفورية. يومها، أشار أبو علاء إلى كومة من «الحجر القديم الغشيم»، وقال «هنا كان بيتنا وهذه حجارته».

قبل حرب مخيم نهر البارد التي دارت في أيار 2007، زار وفد أجنبي أبا علاء في منزله في المخيم الجديد المتاخم للبارد. استقبل الرجل ضيوفه على «سطيحة» واسعة تطل على حديقة مزروعة بأكثر من عشرة أنواع من الأشجار المثمرة، تزنرها أشجار حور «تصل إلى حدود السماء».

قال أبو علاء لزواره وهو يشير إلى الطوابق الثلاثة التي تعلو الشرفة «أنا أعرف أن هذا البيت في النهاية ليس لي، وهذه الأشجار ليست لأبنائي، وخشب الحور سيعود لجيراننا اللبّنانيين إن شاء الله».

كان الرجل السبعيني يحدد مصير رزقه بعد عودته وذريته إلى الصفورية «سنترك كل شيء لأهل البلد الذين استضافونا، ونعود بالثياب التي علينا»، قال لهم.

بعد ثلاثة أيام على «حرب البارد»، تحققت نبوءة أبو علاء، لكن بطريقة مغايرة. نزح، وأهل بيته، عن منزلهم بـ«الثياب التي عليهم»، لكن ليس إلى فلسطين، بل إلى ممر في إحدى مدارس مخيم البداوي.

لم يرث «جيرانه اللبنانيون» المنزل بطوابقه الثلاثة و«جنينته» المثمرة. دمرت الحرب «شقا العمر» ولم تترك إلاّ «كراج سيارتين» بعدما أحرقتهما.

في خضم الحرب، حين كانت المعارك تتركز على المخيم القديم، تسلل أبو علاء وزوجته إلى الضفة الجنوبية من نهر البارد حيث يمكنه رؤية منزله على الضفة الشمالية. أدى مشهد الطوابق الثلاثة المدمرة إلى إرسال الحاجّة إلى العناية المركزة «أنا قويت من وقت النكبة، وأعادني الدمار إلى بيتنا المكوّم في الصفورية».

مع بداية العام 2000، قبض أبو علاء تعويض تقاعده من عمله كمدرّس «كومة مصاري» من «الأونروا». وسَّع المنزل، وأكمل تعليم الأولاد، واشترى ثلاثة مولدات كهربائية بخمسة وستين ألف دولار، ومحطة لتكرير المياه باثني عشر ألف دولار. حاول الحاج، عبر مشروعي توزيع الكهرباء والمياه على المخيم، تأمين عمل لابنه، ومدخول للعائلة، كضمانة لشيخوخته مع الحاجة، زوجته.

وأثمر المشروعان أرباحاً في العام 2007. «قبضت خمسة ملايين ليرة في جيبي للمرة الأولى، واشتريت بها وقود المازوت للمولدات، في اليوم عينه الذي اندلعت فيه مواجهات مخيم نهر البارد»، يقول.

يومان من المعارك في المخيم كانا كافيين لينزح الرجل مع عائلته بـ«ثياب النوم» إلى مخيم البداوي. ومع وهلة القصف، لم تعرف أم علاء أنها استبدلت علبة مصاغها الذهبي بألبوم الصور، إلا بعدما غادرت البارد.

اليوم، يقول أبو علاء انه لا يعرف كيف صنّف القيمون على إعادة الإعمار في البارد منزله ووضعه. يعرف انه يسكن مع عائلته وابنته المطلقة مع طفلين، وحفيد له من ابن يعمل ناطوراً في طرابلس، في «كراج» البيت ومستودعي مولدات الكهرباء ومحطة تكرير المياه، بعدما رممت لتؤوي الأسرة التي فضلت العودة إلى حيث كان «منزلها» على «شنشطة» النزوح.

لملم أبو علاء ما استطاع من أثاث قديم ومن أوان «على قد الحال»، لستر الأسرة التي لم تجد «فراشاً» واحدة من «عفشها» القديم.

35 ألف قصة: هكذا بدأت

تشبه قصة أبي علاء وأسرته، الذين يعتاشون من أربعمئة دولار في الشهر يرسلها ابنه المغترب في الخليج، قصص حوالى خمسة وثلاثين ألف نسمة، هم عدد سكان مخيم نهر البارد، القديم منه والجديد. وتشبه يومياته مسار يومياتهم منذ أن استفاقوا ذات صباح على حادثة هجوم عناصر «فتح ألإسلام» على حاجز الجيش اللبناني عند تخوم المخيم، وما تبعها من أحداث دفعوا ثمنها أكثر من مسببيها، ومما كانوا يتوقعون.

جاءت الحرب على «فتح الإسلام» لتهجّر فلسطينيي البارد بعد ستين عاماً على نكبتهم ألأولى، وبقسوة ربما لا تقل بتأثيراتها المعنوية والمادية عما خبره جدودهم وآباؤهم.

خرج فلسطينيو البارد في العام 2007 بثيابهم، بعضهم نزح بملابس النوم. لجأوا إلى أقارب وعائلات في مخيم البداوي، ثم إلى المحال و«الكاراجات» والمدارس حين عجزت البيوت عن استيعاب أكثر من ثلاث أو أربع عائلات معاً. وعندما امتلأ البداوي عن بكرة أبيه، «فاضوا» عنه إلى المحيط الشمالي من عكار إلى طرابلس وأكملوا نحو مخيمات بيروت والجنوب، وصولاً إلى التجمعات الفلسطينية في البقاع.

وما تحملوه خلال الحرب، التي استمرت حوالى ثمانية عشة شهراً، لم يكن إلا مقدمة متواضعة لما سيعانون منه لاحقاً.

تركوا في مخيمهم « شقا» العمر، ومصادر الرزق ومصاغ نسائهم. هل لهم الحق بالمطالبة أيضا بالذكريات والعلاقة مع المكان؟ هل طغت الرغبة بالعودة إلى مخيم البارد، في مرحلة أولية، وكوسيلة للملمة الحياة والنفس، على «حلم» العودة إلى فلسطين المحتلة؟ هل يحق لهم ذلك؟

لا تشي المنطقة المحاذية للمخيم القديم اليوم، بالمعاناة المستورة خلف الأبواب المغلقة، على الرغم من أن الأمكنة كلها ما زالت تحمل بصمات الحرب في مبانيها وطرقاتها وبيوتها المخردقة بالرصاص، ومحالها التي لم تستعد روحها وتجارها وروادها. لكن كل ذلك كوم، وما يغلق عليه فلسطينيو البارد أبوابهم، وقلوبهم، كوم أخر.

تؤكد ذلك أرقام المتهافتين على مركز الإرشاد الأسري التابع لمؤسسة «بيت أطفال الصمود» الذي يقدم الدعم النفسي والمعنوي لسكان البارد سواء في المنطقة المحاذية للمخيم القديم، أو في مخيم البداوي، حيث ما زال أفراد حوالى ألف وثلاثمئة وخمسين عائلة نازحة من البارد يعيشون في محال وكاراجات وبيوت مستأجرة.

يؤكد مدير «بيت أطفال الصمود» الدكتور قاسم عينا أن هناك ألفا وتسعة مرضى يتلقون الدعم النفسي في مركز المؤسسة في البداوي، بالإضافة إلى 227 مريضا جديدا. أما في البارد فيبلغ عدد المستفيدين من الخدمة النفسية خمسمئة وسبعة وثمانين مريضاً، بالإضافة إلى 133 فتاة و66 صبيا، معظمهم من الأطفال.

تتنوع معاناة الأطفال، الذين يمنحون الأولوية في الدعم النفسي، بين مشاكل قلة التركيز، وزيادة حركة، ومشاكل في النطق والعجز عن الاستيعاب ...

ويلاحظ القيمون على تلك المراكز في أماكن انتشار نازحي البارد ان البالغين يتجاهلون معاناتهم النفسية، ويحاولون التأقلم معها، مولين الأهمية للقصار والأطفال والنساء من بينهم، إلا أن ذلك تصرف خاطئ.

ليست مجرد وحدات السكنية

يقسّم عضو اللجنة الشعبية في مخيم نهر البارد أحمد عبده الوحدات السكنية في المخيم القديم والمنطقة المتاخمة له وفقاً لوضعها المعماري وواقع العائلات النازحة.

توجد خمسة آلاف و322 وحدة سكنية يعاد إعمارها في المخيم القديم بعد توزيعها على ثمانية رزم. تحتوي المنطقة المتاخمة للمخيم القديم ستمئة وواحدة وستين وحدة سكنية مدمرة بشكل كامل، وتعيش سبعمئة واثنتان وعشرون عائلة في «الغرف الحديدية»، أو تلك المبنية من الخفان، وهي ما اتفق على تسميتها بـ«البراكسات». يصل عدد العائلات التي عادت إلى المنطقة المتاخمة للبارد القديم إلى ألفين و476 عائلة يقطن افرادها في بيوت مدمرة بشكل جزئي، أو في «كاراجات» ومحال، أو يستأجرون بيوتاً صالحة للسكن.

ما زال هناك ألف و350 عائلة يعيشون في مخيم البداوي، من بينهم حوالى ستمئة عائلة يقطنون في «كاراجات ومحال مستأجرة»، بالإضافة إلى سبعمئة وست وعشرين عائلة ينتشرون ما بين بيروت والبقاع وصيدا.

عندما عقد المؤتمر الخاص بإعادة إعمار مخيم نهر البارد بجزأيه القديم والجديد، أوكلت «الأونروا» بمهمة إعادة إعمار المخيم القديم بعد تأمين التمويل من الدول المانحة، فيما تولت الدولة اللبنانية مسألة إعادة إعمار المخيم الجديد، الذي عُممت الجيش اللبناني تسمية جديدة ورسمية له عرفت بـ«المنطقة المحاذية لمخيم نهر البارد القديم».

يسكن في المنطقة المحاذية حوالى عشرة آلاف فلسطيني من أصل 35 ألفاً هم عدد سكان البارد تقريباً، بالإضافة إلى بعض العائلات اللبنانية.

بعد جرف المخيم القديم بسبب تدميره بالكامل، قسمت «الأونروا» المكان إلى ثماني رزم، وفق عضو اللجنة الشعبية في المخيم احمد عبدو، الذي يؤكد انه لم يتم تسليم الجزء الأول من الوحدات السكنية من الرزمة الأولى من المخيم القديم حتى اليوم.

يبلغ عدد الوحدات السكنية في الرزمة الأولى خمسمئة وثماني وحدات. هناك وعود بتسليم مئة وأربع وحدات مع نهاية آذار، على ان تتم إعادة ثلاثمئة عائلة مع نهاية أيار أو أوائل حزيران المقبل.

كل هذا، وقد مرّت أربع سنوات على انتهاء حرب البارد. فمتى يعود سكان الرزمة الثامنة مثلاً؟

ومع الكشف عن مساحات الوحدات السكنية التي يعاد إعمارها، لن يحلم احد من سكان المخيم القديم بالعودة إلى منزل بمساحة منزله القديم نفسها. فمن كان يمتلك بيتاً بمساحة مئة متر فسيعود إلى «علبة إسمنتية» لا تزيد مساحتها على ستين متراً، ومن كان يسكن في شقة تمتد على مئة وخمسين متراً، ستكون له شقة لا تزيد على ثمانين متراً.

يضحك صاحب احد محال الأدوات الكهربائية في البارد وهو يقول انه أوصى على أدوات خاصة بالوحدات السكنية في المخيم القديم. «يعني برادات وغسالات وغازات وافرانا... يمكن إدخالها من مساحة ثمانين متراً فقط»، في إشارة إلى عرض الأبواب والممرات التي تفصل بين الشقق ومطالع السلالم. حتى الأحجام يجب ان تكون متناسبة مع مساحة المطابخ «يعني كله مصغر. لقد ولّت الأيام حين العائلة الفلسطينية تحوّل مطبخها إلى غرفة جلوس، أو تقتني براداً يتسع لاحتياجات العائلة الكبيرة... صار لازم نقتصد بكل شيء».

يمتد المخيم القديم على مساحة تقدر بأقل من واحد على خمسة من الكيلومتر المربع. تبلغ مساحته بالتحديد 192 ألف متر مربع (الكيلومتر المربع يبلغ مليون متر مربع). كان يعيش في المخيم خمسة آلاف و222 عائلة فلسطينية. وكانت الفراغات من شوارع وبور لملاعب الأطفال تشغل 14 في المئة من مساحة المخيم القديم. اليوم، ووفق المخطط الجديد تضاعفت مساحات الشوارع وما خصص للحدائق إلى 38.6 في المئة «وهذا جيد» وفق عبدو، لكنه قضم من مساحات المنازل، خصوصاً أن قراراً صادرا يمنع البناء أكثر من أربعة طوابق في المخيم. وبالتالي لا إمكان للتوسع عمودياً كما كان يحصل قبل الحرب حيث كانت الأبنية تصل إلى ست وسبع طبقات»»

يرى عبدو، وهو مهندس، «ان الهندسة المعمارية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة النمط الاجتماعي للناس، فكيف يسكن الفلسطينيون في مطبخ لا يمتد على أكثر من مترين، بينما لا تتسع غرف النوم للخزائن والأسرة وغيرها من الضروريات. فمن أين يمر السكان؟».

يفوق عدد شكاوى العائلات من ضيق مساحات المنازل الموعودة المئة شكوى «هذا ولم ير الوحدات غير قلة من الموعودين بالعودة قريباً».

وسأل بعض المشتكين عن كيفية صعود المسنين والمرضى والمعوقين أربعة طوابق من دون مصعد...

قيل الكثير عن ورش عمل «تشاورية» مع أهالي المخيم للاتفاق على طبيعة الوحدات السكنية وورش الإعمار. إلا أن عبدو يسخر من ذلك كلام، ويقول انه موجه للإعلام أكثر منه للناس، موضحا أن بعض من شاركوا في الورش لا يمثلون الناس.

لا يرى سكان المخيم القديم بوعد إعادة الدفعة الأولى من السكان، أي ما مجموعة 108 عائلات، سوى حملة ترويجية توحي بأنه يتم إعمار المخيم وإعادة الناس إليه. «لكن من يدقق بالتفاصيل؟»، يسأل رجل تمكّن من رؤية شقته الموعودة، ما أدى إلى انهيار زوجته لضيق المكان ورداءة البناء والتجهيزات».

ويتحدث أهالي البارد عن مشاكل كثيرة بين «الأونروا» والمقاولين والمتعهدين، متسائلين عن السبب الذي يمنع اللجوء إلى القانون الذي يعاقب بغرامة تصل إلى 14 ألف دولار عن كل يوم تأخير، وملمحين إلى المحسوبيات التي تتفوق على ما يبدو على القانون. وتطال تلك المشكلات منازل 25 ألف نسمة من أصل 35 ألفاً هم مجمل سكان المخيم.

المنطقة المحاذية للمخيم القديم

عندما أُرسلت دراسات إعادة الإعمار إلى فيينا، كانت تضم خمسا وثلاثين قرية لبنانية إلى إعادة إعمار المنطقة المحاذية للمخيم، وتولت الدولة اللبنانية مسألة الإشراف على الصندوق الائتماني الخاص بإعادة الإعمار.

يومها قيل ان حصة المنطقة تبلغ 122 مليون دولار، لم يصل منها، وفق معلومات سكان المنطقة المحاذية، أكثر من خمسة ملايين دولار من إيطاليا. خصصت الهبة الإيطالية لما يعرف «بالبرايمات»، وهي المناطق الملاصقة مباشرة للمخيم القديم والتي نالت حصة كبيرة من الدمار الكلي أو الجزئي، وهي «البرايمات» المسماة (A B C D E) .

ما زال الجيش اللبناني يضع يده على «البرايم» (أ)، ويتحدث الفلسطينيون عن نية شبة معلنة لبناء قاعدة عسكرية بحرية للجيش اللبناني في المكان، على الرغم من تقديمهم أوراقاً ثبوتية للمركز العسكري المسؤول عن المخيم في القبة، تؤكد شراء الفلسطينيين نصف مساحة الأرض المعنية، مشيرين إلى أن النصف الأخر استملكته «الأونروا» بهدف إقامة المدارس.

ويستشهد مالكو أراضي «البرايم أ« بطلب قدمه الجيش اللبناني إلى الحكومة اللبنانية في كانون الثاني المنصرم يطلب استملاك الأرض. وبذلك، توقفت كل جهود إعادة إعمار هذا الجزء من المنطقة التي كانت تضم حوالى 25 مبنى سكنيا، ويضم المبنى أكثر من وحدة سكنية، لا يعرف أصحابها وسكانها حتى اليوم أي شيء عن مصيرهم.

وإلى جانب «البرايم أ«، هناك الأبنية المشيدة على الأملاك العامة العائدة للدولة اللبنانية ومنها الأملاك النهرية الواقعة بمحاذاة نهر البارد. يمتد شريط المنطقة من مصب النهر في البحر إلى سكة القطار في المخيم وتضم حوالى 150 وحدة سكنية بعائلاتها.

يتفهم الفلسطينيون القانون، لكنهم يسألون عن الواقع قائلين «هناك تسويات تضعها الدولة اللبنانية لمواطنيها الذين يشغلون مساحات عامة، فلماذا لا نُعامل بالمثل؟ وبالقانون، يستفيد شاغل الأرض لأكثر من 15 سنة من حقه بالتسوية».

يضاف إلى عقدتي «البرايم أ« والأملاك العامة، حي المهجرين الذي يخاف سكانه من كيفية إعادة إعماره، إذ كشفت الخرائط الموضوعة لإعادة إعمار الحي بتمويل نروجي عن مساحات تبدأ بثمانية وثلاثين متراً للشقة (!) لتصل إلى حوالى ثمانية وخمسين متراً كحد أقصى.

ورغم «التخوف» من شكل ونوعية الشقق المنوي إعادة إعمارها في حي المهجرين، يرى سكان المنطقة المحاذية للمخيم ان أوضاع هؤلاء تعد أفضل من حالهم، إذ لم يقبض أي من أصحاب المنازل المدمرة كلياً أو جزئياً فيها أي تعويضات جدية حتى الآن لترميم منازلهم أو إعادة إعمارها.

وتم توزيع الهبة الإيطالية على 495 عائلة بمعدل وسطي لا يتعدى الألفين وسبعمئة يورو للعائلة الواحدة، أي ما مجمله حوالى مليون يورو من قيمة الهبة البالغة خمسة ملايين يورو.

ويشير الأهالي إلى أن المباني المهدمة كلياً غير مشمولة بالهبة، مؤكدين وجود اثنين وخمسين وحدة سكنية مهددة بالانهيار، وتحتاج إلى ترميم جذري وهندسي.

ويلفت عبدو إلى أن قراراً اتخذ بتلزيم ترميم هذه الوحدات إلى شركات ومتعهدين وليس منح الأموال إلى العائلات، سائلا عن السبب في ذلك وعن الهدر عبر أرباح المقاولين التي ستتقطع من الهبة.

ويوضح عبدو أن الموازنة الموضوعة للترميم لا تغطي أكثر من ستين في المئة من الكلفة المفترضة، مع ان القيمين على إعادة الإعمار تعهدوا بتأمين سبعين في المئة منها. وينتقل عبدو إلى سلم الشروط الموضوع للعمل مشيرا إلى ان المبلغ المرصود لا يغطي أكثر من شرط أو شرطين فقط «والباقي على الله».

يتحدّث الفلسطينيون عن هدر كبير لأموال الترميم وإعادة الإعمار على الدراسات والإنفاق الإداري ما بين رواتب وتنقلات.

«الوثيقة ـ الفخ»

وتبقى كل تلك التفاصيل «ثانوية» مقارنة بما يرشح عن مسودة الاتفاق الموضوعة لتنظيم سكن الفلسطينيين العائدين إلى مخيم نهر البارد القديم. إذ يبدو من الوثيقة ان الدولة ستعامل الفلسطيني كمستأجر وإن من دون بدل مادي، عبر عقد «يوقع بين الحكومة اللبنانية وبين عائلة اللاجئ الفلسطيني بعدما استملكت الدولة اللبنانية في 29/1/2009 ، مجموعة الأراضي التي تشكل مخيم نهر البارد».

وتصف الوثيقة الدولة اللبنانية بـ«المالك الوحيد للوحدات السكنية»، ويتعين على كل لاجئ أن يقدّم، ووفق الوثيقة، طلبا للانتقال إلى الوحدة السكنية التي تبنى مكان منزله السابق، على ان يضع لبنان بتصرفه وحدة محددة يتعهّد بإستعمالها فقط للإقامة الخاصة من قبل العائلة المستفيدة.

ويعلن الفلسطينيون عن رفضهم تلك الوثيقة معتبرين ان تسريبها لم يكن إلا لمراقبة ردود الفعل و«جس» النبض، إلا أنهم مازالوا يجهلون ما سيتم تطبيقه منها.

في الواقع، ما زال أهالي البارد يجهلون تماما صورة غدهم، بتفاصيله كلها.

أما تفاصيل يومهم، فلا يبدو أنها تعني أحداً.

المصدر : جريدة السفير اللبنانية 31/3/2011