تقارب
حماس ومصر: إنجاز التهدئة ومواجهة تنظيم الدولة
بقلم:
عدنان أبو عامر
بصورة
مفاجئة، بدأت العلاقات بين حماس ومصر تشهد تطوراً إيجابياً تدريجياً، حيث أشادت أوساط
عسكرية مصرية يوم 25 يونيو بدور حماس في غزة، وسيطرتها على عمليات التهريب عبر الأنفاق،
وتشدد بقوة على منع تسلل العناصر الجهادية السلفية في كلا الاتجاهين من وإلى سيناء،
معربة عن ارتياحها لسلوك حماس الأمني تجاه مصر خاصة بمنطقة الأنفاق الحدودية.
هذا التصريح
المفاجئ، جاء عقب إلغاء محكمة الأمور المستعجلة المصرية حكم اعتبار حماس منظمة إرهابية
يوم 6 يونيو، بعد أن قضت يوم 28 فبراير باعتبارها جماعة إرهابية، مما فاقم التوتر بين
حماس ومصر.
سامي
أبو زهري الناطق باسم حماس رحب يوم 6 يونيو بقرار المحكمة المصرية، واعتبره تصحيحاً
لخطأ سابق، وتأكيداً على تمسك القاهرة بدورها القومي تجاه القضية الفلسطينية، وأن القرار
سيكون له آثاره الإيجابية على صعيد علاقة حماس والقاهرة.
الدور
السعودي
أسامة
حمدان مسؤول العلاقات الدولية في حماس، وصف "للمونيتور" قرار المحكمة المصرية
بأنه "خطوة في الاتجاه الصحيح نحو الفلسطينيين، وبداية لعلاقة جديدة تجاه حماس،
لأننا نتحدث عن علاقة استراتيجية تتعلق بدور مصر تجاه القضية الفلسطينية، في ضوء سياسة
حماس الثابتة بعدم التدخل في شؤونها".
فيما
أكد عبد الله الأشعل وكيل وزارة الخارجية المصري الأسبق، "للمونيتور" وجود
"بوادر جادة تظهر رغبة مصر بتحسين علاقتها بحماس، لأن التغيّر الحاصل في موقفها
تجاه الحركة، يشير لوجود قناعة مصرية رسمية بضرورة تحسين الأوضاع المعيشية في غزة،
بعد فشل إقصاء حماس من المشهد السياسي، مع وجود أصوات داخل النظام المصري تدعو لاستمرار
دور حماس في المنطقة".
هذا التغير
الإيجابي التدريجي من قبل مصر تجاه حماس يؤكد أن السعودية من خلال لقاء جمع وزير خارجيتها
عادل الجبير مع نظيره المصري سامح شكري يوم 16 يونيو في جدة، لعبت دوراً واضحاً في
تعزيز تقاربهما، عبر تحذير الرياض للقاهرة بأنها ستخسر دورها في غزة، عبر ملفي المصالحة
بين حماس وفتح قبل استقالة حكومة التوافق، أو التهدئة بين حماس وإسرائيل، لو استمرت
القطيعة المصرية مع غزة، لاسيما عقب الدفء في علاقات حماس مع السعودية عقب تولي الملك
سلمان الحكم.
التحسن
في علاقات حماس والقاهرة امتد لمعبر رفح، حيث أعلنت مصر بصورة مفاجئة، فتح المعبر أسبوعاً
كاملاً على غير العادة بين يومي منذ 13-19 يونيو، ثم 3 أيام 23-25 يونيو.
المونيتور"
علم من مسئول في حماس، رفض كشف هويته، أن "لقاءات رسمية جمعت حماس ومصر، الأول
في مطار القاهرة الدولي يوم 26 مايو جمع موسى أبو مرزوق وعماد العلمي عضوي المكتب السياسي
لحماس، خلال عودتهما لغزة من تركيا، مع عدد من ضباط جهاز المخابرات المصرية، والثاني
بداية شهر يونيو في قطر، دون تحديد موعد دقيق، والثالث يوم 14 يونيو بين أبو مرزوق،
مع قيادات مصرية كبيرة".
أحمد
يوسف، المستشار السياسي السابق لإسماعيل هنية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، أبلغ
"المونيتور" أن هناك "مؤشرات إيجابية في علاقة حماس ومصر تدلل على أن
المرحلة المقبلة ستشهد قيام القاهرة بدور كبير في الملف الفلسطيني، عبر وقف الحملات
الإعلامية المصرية ضد حماس، وفتح معبر رفح".
كان واضحاً
أن أجندة تلك اللقاءات الثلاث التي جمعت حماس ومصر خلال أقل من أسبوعين، تركزت في ثلاثة
مطالب أساسية: وقف الحملات الإعلامية بين الجانبين، تأمين الحدود بين غزة وسيناء، محاولة
العمل المشترك ضد تنظيم الدولة الناشط في الأراضي المصرية.
حماس
من جهتها، وافقت على المطلبين الأوليين، بوقف الحملات الإعلامية التي تشكو منها القاهرة،
وزيادة ضبط الحدود المشتركة، لكنها أحجمت عن الانخراط في الحرب التي تشنها السلطات
المصرية ضد تنظيم الدولة، لأن الحركة ترفض التدخل في شئون الدول الأخرى.
يبدو
مثيراً أن تزامن المصالحة بين حماس ومصر يترافق مع مواجهتهما لخصم مشترك يتمثل بتنظيم
الدولة، ففي حين يقوم الجيش المصري بشن حرب لا هوادة فيها على التنظيم في سيناء، تحاول
حماس البحث عن أقل الخيارات كلفة في مواجهته.
وقف
التصدع
محمود
كريم، أول سفير مصري لدى السلطة الفلسطينية، في تسعينات القرن الماضي، أكد يوم 18 فبراير
أن وسائل إعلام مصرية تزج حماس في أحداث مصر للإساءة إلى غزة، وتسعى للخلط المتعمد
بينها وبين تنظيم داعش والقاعدة، للتشهير بحماس، وتوريطها في أعمال العنف، لكن مصلحة
مصر أن تصالح حماس، لأنها تختلف عن داعش، كما قال كريم.
دوافع
التقارب بين حماس ومصر، يرتبط بصورة أو بأخرى في الحراك الحاصل خلف الكواليس بين حماس
وإسرائيل حول تهدئة مرتقبة في غزة، حيث يسعى الوسطاء من قطر وتركيا والاتحاد الأوروبي
بين غزة وتل أبيب والدوحة لإبرامها، فيما تبدو القاهرة غائبة عن هذا الحراك، وهو ما
يضع علامة استفهام كبيرة حول مستقبل الدور المصري في الملف الفلسطيني.
ولذلك
أعلن خليل الحية عضو المكتب السياسي لحماس يوم 12 يونيو أن مصر توقفت منذ فترة، لم
يحددها، عن متابعة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين الفلسطينيين والإسرائيليين الموقع
في أغسطس 2014 عقب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة.
ورغم
التوتر الذي طغى على العلاقة بين مصر وحماس منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو
2013، وما تبعه من إغلاق معبر رفح، وإقامة المنطقة العازلة على حدود رفح جنوب غزة،
والقطيعة الكاملة بين الجانبين، لكن حماس كانت معنية بإبقاء شعرة معاوية مع المصريين،
لأن بدائلها الإقليمية صعبة وضيقة.
ولذلك
جاء رد فعل حماس على أحكام قضائية مصرية جديدة يوم 16 يونيو ضد عدد من أسرى وشهداء
الحركة، هادئاً وغير منفعل، بالقول إن الحركة لن ترد على هذه الأحكام، ولا معنى لها،
كما جاء على لسان صلاح البردويل القيادي البارز في حماس، رغبة منها بعدم توتير الموقف
مع القاهرة التي تشهد العلاقة معها تحسناً ملحوظاً.
حماس
تعلم جيداً أن مصر هي بوابتها الأولى وشبه الوحيدة إلى العالم الخارجي، ومعبر رفح هو
أنبوب الأوكسجين لأكثر من 1.8 مليون فلسطيني في غزة، مما يحتم على حماس أن تكون العلاقات
قائمة مع القاهرة.
المصدر:
المونيتور