القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

تل الزعتر.. مجزرة لا تُنسى تاريخ لن يمحى



ياسر علي/ كاتب وشاعر فلسطيني

في الذكرى السادسة والأربعين لمجزرة تل الزعتر، نستعيد الذكرى التي لا تغيب، نستذكر التفاصيل كي لا تضيع..

تظن أنك تعرف الكثير عن المخيم والحصار، لكنك كلما التقيت أحداً من أبناء الحصار، تكتشف ضحالة معرفتك. كل شخص كان في الحصار، عاش حصاره ومأساته ونكبته.

أنا أكتب عن أوائل الخارجين وضياع أخي بين القتلى وأخي الآخر مع المقاتلين في الجبال.

صديقي وجاري، يتذكر كيف ربطوا قريبه الممرض بين سيارتين انطلقتا في اتجاهين متعاكسين وفلخوه نصفين!

صديقي الآخر يحكي لي قصة أبناء أخته الذين فقدهم أثناء الخروج، ورجعت فتاة فرنسية تبحث عن أهلها في تل الزعتر، فرافق قصتها لأنها من عمر ابنة أخته.. لعلها تكون هي!

كل محاصر له قصة. كل شهيد له قصة. كل ناجٍ له قصة. وعلينا أن لا ننسى هذه القصص، بل نحييها ونوثقها.

تل الزعتر لم يكن حصاراً ومجزرةً لأبنائه فقط، بل كان نموذجاً لما يُخطط للفلسطينيين في الشتات، وما مجزرة صبرا وشاتيلا سوى تنفيذ آخر لهذه المجزرة بالأيدي نفسها..

52 يوماً من الحصار، 55 ألف قذيفة، 72 هجوماً مدمراً. حنفية ماء واحدة. مئات الشهداء الذين ما زالوا محتجزين تحت ركام المكان، وآلاف المفقودين في ركام الزمان.. ومئات الحكايات نُشرت وآلاف غيرها لم تنشر.

صحيح أنني كنت طفلاً في تل الزعتر، إلا أنني ما زلت أجمع هذه التفاصيل كل يوم، أُركّب القصص والحروف من ذاكرة المنكوبين على المكان الذي زرته عشرات المرات. فصرت أعرف الكثير عن المخيم وفيه..

تعلمت من تل الزعتر الكثير، وغيري أيضاً تعلم أكثر:

1- أنْ لا أثق بعدوٍ أبداً، لا بتل الزعتر، ولا بصبرا وشاتيلا ولا بأوسلو.

2- إنّ المقاومة خيار أوضح وأصح من الاستسلام.. بدليل أن نسبة الناجين بين الذين حملوا السلاح وخرجوا في الجبال رغم أنهم انكشفوا وقاتلوا، أكبر من نسبة الناجين من المدنيين الذين خرجوا وفق الاتفاق السياسي. ونفس الأمر حصل في صبرا وشاتيلا، حيث استمرت المجزرة في الأماكن المدنية، وخاف المجرمون من الأماكن التي واجهتهم، ولو بخجل، فلم يدخلوا المخيم، وبقيت المجزرة على أطرافه.

3- إن الصمود هو الخيار النهائي والجدار الأخير، ولا مجال للاستسلام، وأعتقد أن ما فعله رجال مخيم جنين ورجال غزة استفاد من دروس تل الزعتر وصبرا وشاتيلا.

4- إن الرجال مواقف، وأن القادة المخلصين والأبطال الصامدين سيخلدهم التاريخ، أما تجار السياسة فإلى مزبلة التاريخ.

5- إن الشعب والمقاومة يد واحدة، ودور المدنيين في أثناء الحصار كان مهماً جداً في تثبيت صمود المخيم (نحن كأطفال، كنا نصنع الشمع ليستلمه منا منظمو الإنتاج ويوصلوه إلى حيث يجب، وتحديداً مستشفى الهلال في المخيم)..

6- أن محاسبة المتقاعسين التي لم تتم ساهمت بالفساد، ومعاقبة أبطال المخيم كانت قمة الفساد.

7- إن الشهداء أحياء عند ربهم، لكنهم يُقتلون مرتين: مرة حين يُقتلون بالرصاص، ومرة أخرى حين لا نسترد حقهم أو نحفظ إرثهم أو ندفن جثامينهم بما يليق ببطولاتهم.

8- أثبت شعبنا أنه كالعنقاء، في كل مرة يخرج من بين الدمار أقوى من السابق، ليصنع مستقبلاً مشرقاً.. وأبناء تل الزعتر المنتشرون في العالم شكلوا عدداً من النماذج المشرقة التي نفتخر بها أمام العالم.

أخيراً ودائماً، سيبقى مخيم تل الزعتر أيقونة في التاريخ الفلسطيني، وذكرى لا تُنسى وتاريخ لا يمحى.