القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

تمكين حق العودة

تمكين حق العودة

عبد الستار قاسم

لأول مرة بعد ثلاث وستين سنة يخرج إحياء حق العودة من الساحات المغلقة والمهرجانات الخطابية إلى الميدان في مواجهة العدو الذي شرد الشعب واغتصب الوطن. منذ أن حلت النكبة بشعب فلسطين، والدموع تنهمر مع كل إحياء للذكرى حزنا على ما ألم بالشعب، وحنينا للوطن، وتطلعا نحو العودة. لقد قال الشعب شعرا كثيرا، وألقى خطبا تكاد لا تُحصى، وأصدر تصريحات وبيانات لا عدّ لها. وقد حاول القادة السياسيون مع كل إحياء للذكرى أن يبدعوا بخطبهم الرنانة التي تتغزل بالوطن السليب، وأن يطمئنوا كل مستمعيهم أن لا تنازل عن حق العودة، وأن يوم الرجوع قريب.

الذكرى الثالثة والستون كانت بنمط مختلف، ونكهة جديدة أضفاها عليها شباب فلسطين الذين لم تطأ أقدامهم الأرض، ولا صنعوا فيها ذكريات، ولا عايشوا دفئها وفيض خيراتها. لقد أبى شباب فلسطين التجمع في ساحات الخطابات، وأيقنوا أن العودة تتطلب ما هو أكثر من بيان الكلام وذرف الدموع واسترجاع الذكريات. لقد خرجوا إلى خطوط المواجهة ليؤكدوا بالدم والتضحيات التزامهم الوطني الثابت بحق شعب فلسطين في العودة. وقد كان يوم 15/ايار/2011 ثورة حقيقية في تاريخ فلسطين لأن حق العودة قد بدأ يأخذ مكانته المقدسة الصحيحة في المسيرة الفلسطينية نحو التحرير واسترجاع كامل الحقوق. وقد أعطت هذه الذكرى دروسا وعبرا أذكر منها:

على المستوى الفلسطيني

من الممكن تعداد النقاط التالية الخاصة بالمستوى الفلسطيني:

1- أثبت تدفق الآلاف من شباب فلسطين في لبنان وسوريا والأردن والضفة الغربية وغزة أن القضية حية باقية، وأن الزمن لا ينحت من جسدها، ولا الاتفاقيات، ولا الاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا تحالف أنظمة عربية مع الصهاينة. هناك التزام فلسطيني شعبي ثابت وراسخ باستعادة الحقوق الوطنية، والإرادة معقودة على تطوير العمل الفلسطيني نحو تحقيق ذلك الهدف. وقد ظهرت شجاعة المتظاهرين المهاجمين في التحدي والتصدي للرصاص، وهذه شجاعة تعبر عن نفسها أضعافا لو تمكن هذا الفلسطيني من حمل السلاح.

2- وبات من الواضح أن الوعي الفلسطيني بالقضية الفلسطينية مرتفع جدا، وأن سنوات تغييب الوعي وتحييد الفلسطيني وإلهائه بقضايا معيشية وظرفية لم تنجح، وبقي الفلسطيني مواكبا لقضيته واعيا بذاته، ومدركا لحجم التضحيات المطلوبة.

3- لقد تجاوز الفلسطينيون في هذه الذكرى الأطر الفصائلية والحزبية، وجمعتهم أمهم فلسطين، ولم يرتفع شعار أو علم إلا لفلسطين. ولعل في هذا ما يدفع شباب فلسطين إلى مزيد من العمل والتعاون من أجل توحيد الشعب الفلسطيني حول أهدافه الوطنية الثابتة.

4- انهارت من الناحية العملية كل مشاريع التسوية مع الكيان الصهيونية، وفقدت الاتفاقيات مع الصهاينة صلاحيتها لمعالجة القضايا الفلسطينية الأساسية.

5- الأهم من كل هذا أن حق العودة عاد إلى مكانته الصحيحة. لقد تجاوز قرار مجلس الأمن 242 حق العودة، وتجاهلت الاتفاقيات مع الصهاينة الثابت الفلسطيني الأبرز وهو حق العودة، لكن نشاطات هذه الذكرى شكلت تحديا واضحا للعالم وللقادة العرب والفلسطينيين الذين أزاحوا قضية اللاجئين إلى مؤخرة القضايا التي يمكن أن يدرسها المفاوضون.

على المستوى العربي

في خضم الثورات العربية، تبرز النقاط التالية:

1- أكد الشعب العربي في لبنان والأردن وسوريا ومصر أنه مع الحق الفلسطيني، وأن هذا الشعب لا يتنكر لقضايا الأمة بصورة عامة، ولا يفقد البوصلة القومية والوطنية الصحيحة لصالح مشاريع تسووية تخون العهد وتدوس على دماء الشهداء.

2- أشعرت الثورات العربية الفلسطيني بالقوة. لم تخرج جيوش العرب للقاء العدو، لكن الفلسطيني بات يدرك أن كل الأحاديث حول غدر الأمة العربية للفلسطينيين ليس إلا مجرد خزعبلات تصنعها الأنظمة خدمة لإسرائيل وأمريكا. شعر الفلسطيني بالقوة لأنه رأى علمه يرتفع في تونس وفي مصر وفي لبنان، وسمع الثوار في الميادين يرفعون أصواتهم ضد إسرائيل وأمريكا.

3- لقد تم فتح جبهة الجولان أمام الشعب، واخترقت جماهير المتظاهرين الحواجز لتتعانق مع الشعب العربي في الجولان المحتلة.

على المستوى العالمي

من الممكن تسجيل النقاط التالية على المستوى العالمي:

1- لقد كانت مواجهات هذه الذكرى أهم بكثير من كل أدوات الإعلام العربي والفلسطيني على الساحة الدولية، وأعظم أثرا. تشكل قضية اللاجئين أهم عنصر في إقناع العالم بعدالة قضية شعب فلسطين، ومن المفروض التركيز عليها لتوعية شعوب الأرض بالإرهاب الصهيوني وإرهاب الدول التي تدعم إسرائيل. ذهبت الأنظمة العربية والقيادة الفلسطينية بعيدا في التركيز على دولة هزيلة تعمل وكيلا أمنيا لإسرائيل وتركت قضية اللاجئين. المواجهات التي حصلت حظيت بتغطية إعلامية عالمية، وحملت رسالة واضحة وهي أن الفلسطينيين ليسوا إرهابيين يقتلون الأطفال والنساء، وإنما لاجئون يعيشون في ظروف صعبة على مدى عشرات السنين لأن إسرائيل طردتهم من بيوتهم وممتلكاتهم في فلسطين.

2- من المحتمل أن إسرائيل والدول الغربية قد باتوا يدركون أن لا حل للقضية الفلسطينية إلا بتلبية الثابتين الفلسطينيين الوحيدين وهما حق العودة وحق تقرير المصير، وأن كل محاولات القيادات العربية والفلسطينية تجاوز هذين الثابتين سستبوء بالفشل.

3- قد يدرك العالم الآن بعد الثورات العربية، وتقدم مكانة حق العودة أن السياسة بالنسبة للفلسطيني ليست فن الممكن وإنما الإصرار على ما هو ممكن. لقد حاول العالم غرس ذلك التعريف الانهزامي في عقول العرب والفلسطينيين، لكن الجماهير تثبت أن الإصرار على ما هو ممكن سيقود إلى النصر، وأن فن الممكن ليس إلى مجرد فن الهزيمة أمام إسرائيل والدول الغربية.

الخلاصة

إحياء الذكرى الثالثة والستين للنكبة ليس إلا مجرد مقدمة، وسيتم البناء عليها في السنوات القادمة بخاصة أن الأوضاع العربية ستشهد مزيدا من التطور والتطوير. سيكتسب الشعب الفلسطيني مزيدا من القوة، وسيحظى بالمزيد من دعم الشعوب العربية وقوى المقاومة على الساحتين العربية والإسلامية. وبالتأكيد سيعمل الجمهور الفلسطيني على دراسة نتائج هذه الهبة لتمكين حق العودة، وسيستخلص العبر التي تجعل من حق العودة عنوانا حاضرا في كل النشاطات المحلية والعربية والدولية.