توضيحات لا بد منها بخصوص علاقة حماس بالربيع
العربي
بقلم: ياسين عز الدين
في ضوء الحملة الإعلامية المكثفة الموجهة لتشويه
صورة حماس والتي تكلمت عنها في المقال السابق أود هنا توضيح بعض الحقائق التي يجب
التركيز عليها (حيث لا أنصح بالخوض في التفاصيل والقصص المختلقة فهي كثيرة والرد
عليها لا ينتهي بل قد يعطيها بعض المصداقية):
أولًا،حماس ليست المكتب السياسي وليست خالد مشعل،
لأن البعض يتصور أن مشعل يحلم بالقرار ليلًا فتتبناه الحركة في اليوم التالي،
وبالأمس عمل صفقة مع النظام السوري، واليوم تخلى عنه وباع نفسه لقطر.
حماس ليست هكذا فهي حركة لها قواعد متجذرة في
المجتمع الفلسطيني، وبعض مؤسسات حماس موجودة من قبل انطلاقة حماس نفسها، مثل الكتل
الإسلامية في الجامعات والتي يعود تأسيس بعضها إلى أواخر السبعينات، فقرار الحركة
لا ينفرد به مشعل ولا مكتبه السياسي ولا يستطيعون ذلك لو أرادوا.
ثانيًا، وعليه فوجود حماس في سوريا لم يكن مجرد
المكتب السياسي، وعلى فكرة مشعل وأعضاء المكتب السياسي توجهوا إلى قطر عام 1999م وليس
حديثًا، بعد أن طردهم النظام الأردني بطلب من الاحتلال الصهيوني.
سوريا مثلت لحماس قاعدة خلفية مكنتها من اسناد
نشاطها داخل فلسطين، وهنا أضرب مثلًا وهو وجود العديد من الأسرى من أبناء حماس
سجنوا بتهمة التدرب في قواعد جبهة أحمد جبريل وفي إيران ولدى حزب الله، وهذا
الكلام يعود للتسعينات وما بعدها، وما خفي أعظم.
وما تمثله سوريا لا يمكن أن تعوضه قطر لا
جغرافيًا ولا ديموغرافيًا، فسوريا تمثل نقطة تواصل حيوية مع الأردن والضفة الغربية
(حيث يعيش فيهما حوالي نصف الشعب الفلسطيني)، ووجود نصف مليون لاجئ فلسطيني في
سوريا يوفر غطاء لأي تحركات تنظيمية للحركة، وكل هذا غير موجود في قطر.
وحتى مصر لا توفر ذلك وخصوصًا في الوضع الحالي،
فمن ناحية جغرافية هنالك صحراء سيناء تفصلها عن غزة، كما أن التواصل سيكون فقط مع
غزة، ووضع حماس داخل غزة قوي مما يجعلها قادرة نسبيًا على الاستغناء عن قواعد
خلفية على عكس حماس في الضفة الغربية، والأهم من ذلك هو حجم التحريض داخل مصر على
حماس والفلسطينيين بدون أن تستخدم الحركة مصر كبديل عن سوريا، فما بالكم لو فكرت
بهذا الخيار؟ وهذا في رأيي أحد أسباب الحملة الإعلامية ضد حماس في الإعلام المصري
حيث يراد لها أن تحرم من استخدام مصر كقاعدة لها.
ثالثًا،موقف حماس من الثورة السورية: كان في
البدء هنالك محاولة من المكتب السياسي التوسط لدى النظام من أجل قبول مطالب
الثوار، وفق قاعدة أن يربح الجميع: النظام يبقى والشعب يحقق مطالبه (أو أغلبها)
وتحافظ حماس على قاعدتها الخلفية.
لكن النظام لم يتجاوب مع وساطات الحركة وصعد في
إجراءاته ضد الشعب السوري، مما أوجد شرخًا بين قاعدة الحركة وقيادتها التي راهنت
لبعض الوقت أن النظام سيحسبها "صح" ويقبل بالحلول السلمية، وعندما يئست
منه قررت أن تفارقه وحصل الذي نعرفه.
حماس فقدت قاعدتها الخلفية في سوريا ولم تعوض
عنها لحد الآن، وهي خسرتها ليس لأن قيادتها أعلنت الخصام مع النظام بل لأن الوضع
الميداني في سوريا لا يسمح بمواصلة الأمور كالسابق، وحتى لو توافق النظام والثوار
وقالوا سنسمح لحماس بأن تمارس عملها كالمعتاد، فهذا أمر غير ممكن، فاستمرار القتال
في سوريا وتدمير سوريا يجعل ذلك غير ممكن، فسوريا ضعيفة ومدمرة لن تستطيع تقديم
شيء لفلسطين.
رابعًا، رأت قيادة حماس مثلما رأت قاعدتها
الشعبية أن الحل الوحيد لما يحصل في سوريا هو حصول الشعب السوري على مطالبه، وبما
أن النظام متعنت ولا يقبل بأي حلول سلمية، فالحل الوحيد المتبقي هو الإسراع
بالإطاحة بهذا النظام.
إلا أنه يجب أن ندرك أن حماس لا تملك الإمكانيات
لمساعدة الثوار السوريين، ولنضع النقاط على الحروف نشير إلى أن كتائب القسام ليست
جيشًا نظاميًا ولا تملك إمكانيات عظيمة بالتسليح.
معجزة القسام في فلسطين هي أنها الكف الذي استطاع
الصمود في وجه المخرز، أنها استطاعت أن تصنع من لا شيء قوة عسكرية تستطيع الصمود
في وجه المحتل، القسام بدأ قبل عشرين عامًا وهو يملك بضعة مسدسات وبندقية مهترئة
كانت تتنقل بين قطاع غزة وجنوب الضفة الغربية، هذه معجزة القسام وليس أنه يملك
الفيالق وأسراب الطائرات وسلاح المدرعات.
وللعلم فإن غالبية مقاتلي القسام في قطاع غزة
(والتي تشير التقديرات إلى أنهم لا يتجاوزون العشرين ألفًا على أكثر تقدير) هم
متطوعون غير متفرغين، أي لديهم أعمالهم اليومية التي يذهبون إليها، وفي عطلة نهاية
الأسبوع يذهبون للتدرب على السلاح أو المرابطة الليلية على حدود قطاع غزة.
ولا أظن أعداد المتفرغين للقسام يزيدون عن بضع
مئات بل حتى قد يكونوا بضعة عشرات لا أكثر، فكيف بالإمكان إرسال قوات من القسام
للمحاربة في سوريا أو مصر؟ هنالك متطوعون ذهبوا من غزة بمبادرات شخصية، بعضهم مؤيد
لحماس وبعضهم ربما كان عضوًا في القسام، لكنهم ذهبوا على عاتقهم الشخصي، ونحن لا
نتكلم عن أكثر من بضعة عشرات من كافة التنظيمات والتوجهات، مثلهم مثل غيرهم من ذهب
من الضفة أو الأردن أو تونس او ليبيا.
أما تنظيمًيا فحماس لا تملك إرسال قوات، وهي لا
تريد أيضًا أن تدخل في صراع أكبر من حجمها، رغم أن مصلحتها هو انتهاء الثورة بأسرع
ما يمكن وهزيمة النظام.
خامسًا، حماس تتبع سياسة منذ تأسيسها وهي عدم
الدخول في صراعات الدول العربية الداخلية، لأنها صراعات لا تنتهي ولأن التدخل
الخارجي عادة ما يزيد الطين بلة (مثل تدخل حزب الله في القصير ومثل تدخل منظمة
التحرير في الصراع الطائفي في لبنان بالسبعينات)، وحتى الأنظمة التي تسيء لحماس
وتحاربها فقد حرصت الحركة أن لا تدخل في صدام معها.
فنرى رغم عداء النظام الأردني ورغم طرده لقيادة
حماس عام 1999م وبدون سابق انذار، وبطلب صهيوني، إلا أن الحركة حريصة على عدم
الدخول في صدام مع النظام وأكثر حرصًا على عدم التورط بدعم الحراك الشعبي الأردني
المناهض للملك رغم أن نجاح الحراك في صالح حماس، لكن مجرد دعمه ولو معنويًا سيقوض
الحراك ويقوي النظام.
ومثل ذلك علاقة حماس مع نظام مبارك وعندما انطلقت
الثورة المصرية سكتت حماس بشكل مطبق، لأن الكلام وقتها كان سيدعم النظام وسيهيج
المؤيدين له وعموم الشعب المصري ضد حماس وضد الثورة وضد الشعب الفلسطيني، فكان
السكوت من ذهب.
وصدرت خلال الثورة المصرية تصريحات وحملات
إعلامية شرسة ضد حماس من قبل إعلام السلطة وأدواتها المخابراتية التي تتلبس بلبوس
سلفي، تتهم حماس بالتخلي عن الشعب المصري في ثورته وأنه لا يجوز السكوت وغير ذلك
من كلام مستفز كان هدفه بالدرجة الأولى استدراج حماس نحو إطلاق مواقف مؤيدة للثورة
وتكون بذلك قد قدمت ذريعة للنظام أمام الشعب المصري أن هنالك أيادي خارجية فعلًا
تحرك الثورة.
في سوريا الأمور كانت في البدء هكذا لكن إجرام
النظام وتجاوزاته وحجم الاستقطاب لم يترك مجالًا لحماس أن تبقى ساكتة، وخاصة أن
سكوتها كان يحسب أنه لصالح النظام وهو ما لم ترده الحركة، وبالتالي كانت مجبرة على
اتخاذ موقف فاتخذت الحركة موقفًا يتسق مع نفسها ومع مطالب قواعدها الشعبية.
سادسًا، نستنتج مما سبق أن حماس ليست قوة
إقليمية، على الأقل بالمعنى المادي هي ليست كذلك، بل هي حركة مقاومة محدودة
الإمكانيات لكنها تمتلك قوة أدبية وجماهيرية شعبية ممتدة من المحيط إلى الخليج، وأحد
أسرار قوتها هو عدم دخولها في صراعات عربية عربية، مما أعطاها مصداقية لدى الجميع،
فترى خصومًا كثيرين في الوطن العربي وحتى خارجه، يختلفون على كل شيء إلا دعم
فلسطين ودعم حماس، وهنا اكتفي بالاستشهاد بموقف حمدين صباحي الذي دافع مؤخرًا عن
حماس ورفض الهجمة الموجهة ضدها.
حتى عندما اضطرت لاتخاذ موقف ضد تدخل حزب الله في
القصير حرصت أن تكون بلغة متوازنة، فكانت حاسمة برفضها التدخل وطلبها منه الخروج،
لكنها بنفس الوقت لم تحرق كل خيوط التواصل مع الحزب.
فحماس لا تملك قوة لمواجهة الحزب عسكريًا (وللعلم
الكثير من مكاتبها ومؤسساتها تقع في الضاحية الجنوبية ببيروت) لكنها قادرة على
إحراجه ووضعه في الزاوية، وسحب حجة دفاعه عن المقاومة، وهي تحاول فيما يبدو أن
تضغط عليه ليوقف تدخله في لبنان، وفي رأيي أن هذا يخدم الثورة السورية أكثر من قطع
العلاقات نهائيًا مع الحزب لأن ذلك سيشجعه على المضي قدمًا بالتدخل في سوريا وليس
الخروج منها.
سابعًا، عندما تقول حماس أن بوصلتها ضد الاحتلال
وفقط ضده، وتبني على ذلك موقفها من تدخل حزب الله في القصير أو غير ذلك، فهي صادقة
وليس أصدق من ذلك دخولها في ما يسمى بمحادثات المصالحة مع السلطة، رغم عدم ثقتها
بها ورغم إيمانها بأن ما تقوم به السلطة في الضفة يرقى إلى الخيانة والتعاون مع
المحتل.
والسبب الوحيد الذي يجعلها تسير في هذا الدرب هو
عدم رغبتها بتحويل الصراع من فلسطيني صهيوني إلى فلسطيني فلسطيني، وحرصها على أن
لا تشتت نفسها في صراعات داخلية (قدر الإمكان)، وذلك رغم أن قيادة الحركة بالكاد
تستطيع منع قواعدها الشعبية من التفكير بهذا الاتجاه لأن الواقع أحيانًا كثيرة
يكون أقوى من القرارات.
خلاصة الأمر أن حماس ترى لنفسها دورًا واحدًا وهو
تحرير فلسطين، وكما يقولون رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه فهي وإن كانت تتضامن مع
قضايا الأمة العامة ومع طموحات الشعوب العربية والإسلامية، وخاصة ما تشكل قضايا
إجماع لدى هذه الشعوب، إلا أنها لا تملك رفاهية التفكير بتقديم مساعدات فعلية
(وتحديدًا في المجال العسكري) لهذه الشعوب، وهذا أمر يستوعبه أكثر الناس باستثناء
أبواق المخابرات وهواة السياسة والإعلام، ومن يكثرون متابعة الإعلام الفلولي على
اتساع العالم العربي.