القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

ثورة الأنترنت لن تتوقف عند حدود فلسطين!

ثورة الأنترنت لن تتوقف عند حدود فلسطين!

الأحد، 27 آذار 2011
ماجد كيالي - المستقبل

بات للفلسطينيين "سلاح" جديد، يمكن لهم استخدامه في كفاحهم من اجل حقوقهم، وهو شبكة الانترنيت بتفرعاتها، وأهمية هكذا سلاح تكمن في أنه متاح للجميع، فهو سلاح فردي وجمعي بنفس الوقت، فضلا عن أنه سهل، وغير مكلف، ولا يتضمن تبعات معينة، لا مادية ولا جسدية.

عدا عن كل ما تقدم، فنحن نتحدث هنا عن سلاح شرعي، وعلني، وديمقراطي، وسلمي، وهو سلاح مؤثر إلى درجة انه يحيّد الآلة العسكرية الإسرائيلية، ويجعلها غير ذات قيمة في مواجهته، وأنه يخترق كل الحدود والتحصينات والحواجز، الجغرافية والبشرية والسياسية.

معلوم أن الفلسطينيين اكتشفوا شبكة الانترنيت مبكرا، ولكن وعيهم لأهمية استثمارها في كفاحهم ازداد بعد ثورتي الشعب في تونس ومصر، حيث باتت لها أهمية خاصة عندهم. فعدا عن أنها وسيلة إعلامية تسهم بالتعريف بقضيتهم، وتفضح السياسات الاستعمارية والعنصرية والتسلطية التي تنتهجها إسرائيل ضدهم، وتوسّع من التضامن الدولي معهم، فهي أيضا باتت بمثابة وسيلة توحيد لهم، بعد أن افتقدوا المؤسسات والمرجعيات والإطارات الجمعية.

هكذا فمع هذه الشبكة العنكبوتية، وتفرعاتها من فيسبوك وتويتر ويوتيوب وسكايب وغوغل، ذات الأبعاد التواصلية والتفاعلية، يحاول النشطاء الفلسطينيون إعادة بناء مجالهم المجتمعي والسياسي، بالصوت والصورة والكلمة المكتوبة، وإن على الشبكة الافتراضية، بعد أن حرموا منها على ارض الواقع، بسبب وجود إسرائيل، وجمود الحال السياسية في الساحة الفلسطينية، وطغيان حال الاختلاف والانقسام فيها.

وتفيد الإحصاءات بأن ثمة 600 ألف مشترك فلسطيني في شبكة الانترنيت العنكبوتية، ومعظم هؤلاء لهم صفحات على مواقع الفيسكوب، وثمة مئات من المجموعات، على هذه الشبكة الاجتماعية. وفي تقرير نشره مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني فإن 57 في المئة من السكان الفلسطينيين (في الضفة وغزة) ممن سنهم فوق العاشرة يستخدمون الحاسوب، و32 في المئة منهم يستخدمون الانترنت. وكانت صحيفة"وول ستريت جورنال" نشرت تقريرا أفادت فيه أن قطاع غزة هو صاحب الرقم القياسي لمستخدمي الانترنت في العالم العربي (حتى أكثر من إمارات الخليج). ("معاريف"،8/3).

الواقع أنها ليست تلك هي المرة الأولى التي يحاول الفلسطينيون فيها التعويض عن الواقع بالمجال الافتراضي، للتحايل على التمزيق القسري لمجتمعهم، وعلى شتاتهم، وعلى السلطات المتحكمة بهم، ففي مرحلة سابقة ظهرت منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الكيان السياسي المعنوي الموحد لهم، وهاهم أمام سلطة، أو أمام دولة، من نوع افتراضي، أيضا، في الضفة والقطاع، أي تحت هيمنة الاحتلال.

طبعا، لا يعني ذلك أن الفيسكوب، وما شابهه، يمكن أن يحلّ محل الإطارات السياسية، أو محل المؤسسات في المجتمع، أو محل النضال الشعبي ضد الاحتلال على الأرض، لكن القصد هنا لفت الانتباه إلى حقيقة مفادها أن الفلسطينيين كانوا، على الدوام، محكومين بالواقع الافتراضي، وأنهم ظلوا يسعون لتحويل الحالة الافتراضية إلى واقعية.

ويكمن تفسير ذلك في أن الفلسطينيين غالبا ما يشعرون بأنهم يعيشون في زمان افتراضي، وفي مكان افتراضي أيضا، فكل مؤسساتهم وأحلامهم افتراضية؛ وبما أن الزمن الحالي هو زمن انترنتي (افتراضي أيضا) فقد انخرط الفلسطينيون فيه بحماسة بالغة، في محاولتهم للبحث عن الزمان والمكان الواقعيين، كما في محاولة منهم لإيجاد ذاتهم وهويتهم، وإلا فما معنى مصطلح فلسطينيي 48؟ وما معنى فلسطينيو الداخل وفلسطينيو الخارج؟ وما معنى فلسطيني لاجئ (وهو يقيم في ارض أمته العربية الافتراضية أيضا)؟ وما معنى الشعب الفلسطيني حقا؟ وما معنى سلطة وطنية تحت الاحتلال؟ وما معنى منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد لهذا الشعب؟

الآن، يحاول الفلسطينيون عبر فيسبوك وتويتر (وغيرهما) توحيد مجالهم الاجتماعي، وإعادة تعريف أهدافهم الوطنية، ووعي التمايزات والأولويات بينهم، ربما في مسعى أولي لتوليد رؤيا، أو مسار، قد يفضي إلى رؤيا بشأن صوغ مستقبل مشترك، يضمن وحدة الشعب ووحدة الأرض. ومعلوم أن مشكلة الفلسطينيين، في تعريفهم لذاتهم، ومحاولتهم لاستنهاض أحوالهم، وتحقيق الاجماعات بينهم، لا تقتصر على وجود إسرائيل، فثمة، أيضا، حال التمزق والتخلف العربيين، والحدود العربية، والسياسات السلطوية العربية، وكذا الحرمان من جواز السفر، ومن الهوية، وثمة، أيضا، القيود الفصائلية، التي حرمت أو حدت من التواصل والتفاعل فيما بينهم.

هكذا بات الفلسطينيون، على اختلاف أماكن تواجدهم، يتواصلون ويتفاعلون ويتشاركون معا في شبكات انترنتية واحدة، فتجد الفلسطيني في مناطق 48 يشترك في شبكة واحدة مع الفلسطيني في مخيم حندرات (في أقصى شمال سورية)، ومع فلسطيني آخر في استراليا وغير ذلك في أوروبا وفي أمريكا اللاتينية. ويبدو من ذلك أن هذه الشبكة وحّدت الفلسطينيين أكثر مما وحدتهم الفصائل، أو بعد أن فرقتهم الفصائل. والأهم من ذلك، وبفضله، بات الفتحاوي يشترك في ذات الهموم مع آخر حمساوي وشعباوي وحزباوي (من الجبهات أو الأحزاب المتعددة)، متجاوزا الإطارات الفصائلية الضيقة، والمنغلقة على ذاتها؛ كما بات المستقلون يعبرون عن ذاتهم، بنوع من الاريحية والاعتزاز بالنفس.

لا يعني ذلك أن ليس ثمة اختلاف في الأولويات والهموم بين الفلسطينيين، في كافة أماكن تواجدهم، وعلى اختلاف انتماءاتهم أو خلفياتهم السياسية والفكرية، فهذا أمر طبيعي، وإنما القصد من ذلك أن هؤلاء الفلسطينيين باتوا أكثر قدرة على التواصل والتفاعل والوصول إلى توافقات في ما بينهم، أكثر بكثير مما تتيحه الإطارات السياسية الموجودة، والتي أضحت إما مستهلكة وعاجزة ومتقادمة، أو إنها أصبحت مجالا للاختلاف والانقسام والاحتراب.

اللافت أن السلطات الفصائلية لاتبالي تماما بشبكات التواصل الاجتماعي بين الفلسطينيين، ولا تهتم باستنتاج العبر مما جرى في تونس ومصر، في حين تبدي إسرائيل اهتماما كبيرا بها، لاسيما أنها أخرجت نوعا من الانتفاضة على السلطة في الضفة وغزة، أي على فتح وحماس (في منتصف مارس/آذار الماضي).

وماذا يعني ذلك؟ هذا يعني أن هذه الشبكات، التي تجاوزت السلطة والفصائل، يمكن أن تصنع انتفاضة ثالثة، من نوع آخر، حيث ثمة تحليلات إسرائيلية تحذر من أن رياح الثورة والتغيير، التي هبت على العالم العربي، لن تقف عند حدود فلسطين؛ فماذا ستفعل إسرائيل في مواجهة طوفان من ثورة شعبية سلمية، وهادئة، ذات ملامح ديمقراطية، وعلمانية، وعابرة للحدود؟ لعله من المفيد تجربة ذلك، فعلا.