القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

ثورة التغيير.. وثورة العودة

ثورة التغيير.. وثورة العودة

معن بشور

أول من فهم الأبعاد الحقيقية لمسيرة «الشعب يريد العودة إلى فلسطين» التي انطلقت من داخل فلسطين ومن خارجها هو تل أبيب وحلفاؤها، في واشنطن وغير واشنطن، الذين لم يخفوا ذعرهم مما جرى وبدأوا بإطلاق التهديد والوعيد شرقاً وغرباً، وكيل الاتهامات يميناً وشمالاً... من دون أن ينسى البعض في لبنان أن يشير أيضاً إلى توقيت مشبوه لهذه المسيرة...

فعلاً كان التوقيت «مشبوهاً»، والمسؤول عن الشبهة هنا هو العدو الصهيوني الذي اختار 15 أيار 1948 يوماً لإعلان كيانه الغاصب، فاختار بالمقابل شباب فلسطين والعرب أن يكون اليوم نفسه، وبعد 63 عاماً، هو أيضاً يوماً للعودة يبذلون في سبيلها المهج والدماء، علماً ان التحضير لهذه المسيرة بدأ منذ ثلاثة أشهر ونيّف، وتحديداً بعد انتصار ثورتي تونس ومصر لكي يكون لشباب فلسطين ثورتهم أيضاً، ثورة بدأت لإنهاء الانقسام واستمرت لتكريس حق العودة.

وفعلاً كان نتنياهو محقاً حين عبّر بعد ظهر يوم الأحد الفائت عن مخاوف حكومته مما جرى في بيت ياحون وقلنديا، في مجدل شمس ومارون الراس، بل بما جرى حول سفارة الكيان الصهيوني في القاهرة وعلى ارض مدينة الكرامة الأردنية، بكل رمزية هذه المدينة في ضمير أمتنا ومقاومتها..

فعدونا يدرك أن مسيرة العودة تبدأ بخطوة، وان الخطوة التي بدأها عشرات الآلاف من شبان فلسطين ممن كان العدو يراهن على نسيانهم لأرضهم وحقوقهم، ستتلوها حتماً خطوات تضمّ الملايين من شباب الأمة يزحفون سلماً إلى ارض فلسطين من كل الحدود والمعابر، يحملون بيدٍ علم بلادهم، وباليد الأخرى حجارة تتناسل من حجارة الانتفاضة الأولى 1987 تماماً كما يتناسل اليوم جيل الشباب العائد من رحم العائلات التي أجبرت، يوماً، على النزوح من أرضها وديارها.

سيطلق يومذاك جنود العدو الخائفين من حجارة الشباب، ومن زحفهم السلمي، رصاصهم القاتل، كما فعلوا بالأمس داخل فلسطين وفي الجولان وجنوب لبنان، وستحاصر الدماء الطاهرة البريئة المجرمين الصهاينة من كل حدب وصوب، وسيرتبك حلفاؤهم أدعياء حقوق الإنسان، ويتلعثمون، وستشرّع المحاكم الوطنية والدولية أبوابها لمقاضاة المجرمين المتجددين، وسيزداد عدد الصهاينة الراغبين بالهجرة المعاكسة من ارض فلسطين ليصبح بالملايين (هناك إحصاءات أميركية تقول إن عدد هؤلاء بات اليوم أكثر من مليوني إسرائيلي راغب في مغادرة الكيان الصهيوني).

وسيسطر الشعب الفلسطيني، ومعه أبناء أمته وأحرار العالم، نموذجاً في ثورات التحرير قلَ نظيره، فقد رأينا ثورات تحرر أرضها بالكفاح المسلح، وثورات تحررها باللاعنف والحراك الشعبي، لكن ثورة فلسطين لم تعدم وسيلة من وسائل ثورات الشعوب إلا واعتمدتها حيث تعانق الكفاح المسلح مع الانتفاضة مع العمل السياسي والديبلوماسي والإعلامي والقانوني مع الزحف الشعبي، فارتسمت بذلك مسيرة للتحرير، قد تكون المسيرة الأخيرة في عصر لم يعد فيه استعمار استيطاني إلا في فلسطين، وليس فيه شعب، يقيم أكثره، مضطراً، خارج أرضه، سوى الشعب الفلسطيني.

غير أن أعظم ما في ثورة العودة التي انطلقت في 15 أيار 2011، هو تلك العلاقة العميقة بينها وبين ثورة التغيير في الأمة، فهي بنت تلك الثورة وهي أمها في آن..

فثورة العــودة هي بنــت ثورة الأمة ووليدة حراكها التاريخي لأن الثورة الأوسع نجحت في أن تقدم نموذجاً لشعوب لا تخاف، ولحركة تتسع دوائرها أفقياً وعمودياً، ولأن تلك الثورة أسقطت كذلك «الحزام الأمني» للكيان الصهيوني المتمثل بغالبية النظام الرسمي العربي الذي من فرط تواطؤه مع العــدو، واستســلامه لمشيئته، ومشيئة حلفائه في الغرب، أشاع استرخاء تاريخياً لدى هذا العدو حين ظن انه بوجود «حرس رسمي» كهذا من أنظمة متهالكة فإنه سيعيش طويلاً ككيان غاصب.

فجأة تبدد هذا الاسترخاء الصهيوني وسقطت أنظمة، كانت الحجر الزاوية في الإحساس الصهيوني بالأمان، كنظام كمب ديفيد في مصر، وكنظام «الضغط الرسمي» على القيادة الفلسطينية للذهاب إلى اوسلو بعد منفاها الأخير في تونس، وفجأة انتبه شباب الأمة إلى سلاح ماضٍ لا يمكن لأحد ان يقاومه وهو سلاح المسيرات الشعبية المسلحة بالإيمان والشجاعة والنفس الطويل... فولدت من رحم ثورة التغيير في الأمة براعم ثورة العودة في فلسطين.

وثورة فلسطين بالمقابل هي أم الثورات، ليس بسبب عمرها المديد الذي يتجاوز القرن ونيف من دون توقف، بل أيضاً لأن شعب فلسطين قد قدم من التضحيات، وما زال، ما فاق كل التوقعات، وقد أظهر من البسالة والإقدام والكفاءة والقدرة على المواجهة ما جعله نموذجاً يقتدى به لدى شعوب الأمة وأحرار العالم...

يروي الصديق العزيز محمد أبو ميزر احد المؤسسين في حركة (فتح) انه ذهب في السنوات الأولى للثورة الفلسطينية إلى الصين بوفد فتحاوي، يرأسه الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) ـ والذي نرى بالمناسبة في ثورة 14 يناير التونسية ثأراً لاستشهاده من تواطؤ النظام السابق مع المخابرات الإسرائيلية على اغتياله ـ، حين طلب الوفد من شو إن لاي، احد كبار المسؤولين الصينيين آنذاك، تزويده بتجربة الصين في حرب التحرير الشعبية، ضحك القائد الصيني قائلاً: تأتون إلينا لتتعلّموا منا ونحن ما زلنا حتى الساعة نتعلم من ثوراتكم وحروب تحريركم، إن ثورة الريف المغربي بقيادة المجاهد عبد الكريم الخطابي هي نموذج نقتدي به، وكذلك الثورات والانتفاضات التي شهدتها بلادكم فلسطين طيلة النصف الأول من القرن (العشرين).

ولنستعد لمسيرة العودة المقبلة، مسيرة الملايين نحو فلسطين.