جدار عين الحلوة وشتائم مغناة أيضا!
بقلم: سليمان الشيخ
لا زالت الحلقة التلفزيونية التي بثت ضمن برنامج
"بس مات وطن» في الثاني من كانون الأول/ديسمبر 2016 الجاري، على شاشة إحدى القنوات
التلفزيونية اللبنانية، تثير غضبا واحتجاجات وردودا على مواقع التواصل الاجتماعي الفلسطيني،
حيث وصل الغضب حد قيام تظاهرات في مخيم عين الحلوة، والمطالبة من المحطة بالاعتذار
عن الكلمات النابية والركيكة لحنا وأداء، والتي سخرت من معارضي إقامة وبناء جدار وأبراج
على حدود المخيم، وتجاوزت المغناة الركيكة حالة تسجيل وجهة نظر أو رأي، ليتم تجاوز
ذلك إلى استعمال كلمات بذيئة وخارجة من سياق الأدب، إلى درجة استفزت إحدى الكاتبات
في إحدى الصحف اللبنانية، التي وصفت ذلك بأنه "عنصرية مقيتة».
هذه إحدى ترددات الحالة التي أثارها مشروع إقامة
جدار يسور مخيم عين الحلوة، فما هي بعض التفاصيل المتعلقة بهذا المشروع؟
استفاق الرجل من آل السعدي الذي يسكن في غرب
المخيم، على أصوات عمال ينقلون خشبا وحجارة باطون، ليشرعوا في التمهيد لصب الباطون،
وعندما استفسر منهم عن ما يزمعون بناءه، أجابوه إنه أحد أبراج سور أو جدار سيتم بناؤه
حول مخيم عين الحلوة، وذلك لحماية المخيم وناسه من المتسللين وغير المرغوب بهم، من
الخروج والدخول إلى المخيم.
كان يعرف أن المخيم يحوي في داخله، عشرات الهاربين
من ملاحقات أجهزة الدولة من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين وغيرهم، ارتكبوا مخالفات أو
تعديات أو جرائم، وهم يواصلون الدخول والخروج من المخيم الذي لا تزيد مساحته عن نحو
1 كيلومتر مربع، ويسكنه حسب بعض التقديرات نحو مائة ألف نسمة.
المعروف أن المخيم من جهاته الأربع، محاط بأسلاك
شائكة وحواجز ثابتة للجيش اللبناني منذ سنوات عديدة، إلا أن هذه الأسلاك من السهل قصها
والعبث بها عند الحاجة، لذلك ارتأت السلطات اللبنانية إقامة جدران من الباطون المسلح،
لمنع التهرب والتهريب بالأشياء وبالممنوعات وبالعناصر البشرية، كما أنه راجت بعض المعلومات
عن وجود أنفاق تسهل أمر الدخول والخروج، وكما هو متداول إعلاميا فإن الأجهزة الأمنية
اللبنانية وضعت بعض القيادات الفلسطينية من داخل المخيم وفي خارجه في أجواء إقامة الجدار
والأبراج (بين أربعة أو تسعة).
استهول الرجل من آل السعدي الأمر، كون البرج
المنوي إقامته في غرب المخيم، يقع بمحاذاة بيته، حيث يطل عليه مباشرة، ولا يبعد إلا
أمتارا قليلة عنه، فأخذ يصيح ويستنكر غاضبا، وحمل سلاحه وتجمع حوله عشرات من السكان،
ليصل الأمر إلى الجهات الأمنية اللبنانية والفلسطينية معا، فجاءت لجنة وعاينت الإنشاءات
وخرجت بقرار يبعد البرج عدة أمتار عن البيوت، إلا أن الأمر أخذ يتفاعل داخل المخيم
وخارجه، ليصل إلى قيام تظاهرات واعتصامات داخله، ليطلق بعض السكان على الجدار اسم "جدار
العار»، فتوسعت حركة الاحتجاج وأخذت تلقى أصداء لدى قوى سياسية لبنانية عديدة، وخرجت
الصيحة من مخيم عين الحلوة ومن مخيمات فلسطينية أخرى في لبنان، ذكرت بأنه بدلا من منح
الفلسطينيين حقوقا كثيرة منعوا منها منذ سنوات، كحق العمل والتملك ومطالب اجتماعية
وإنسانية أخرى، فإن الفلسطيني الذي يخوض معارك يومية مع وكالة الأونروا من أجل الاستشفاء
والتعليم والتوظيف وخدمات اجتماعية أخرى، ها هو الفلسطيني في مخيم عين الحلوة يمكن
أن تسد بوجهه الأبواب، ليصبح رهينة الجدران والأسوار.
لماذا غرب المخيم؟
لماذا يتم التركيز على المنطقة التي تقع في الجهة
الغربية من المخيم، أي الجهة التي تواجه البحر؟ وكانت قد أقيمت فيها وعليها عدة طرق
ومسالك، تربط منطقة الجنوب بمدينة صيدا، ومن ثم إلى مدينة بيروت، علما أن الجدار كان
من المقرر له أن يلتف حول جميع جهات المخيم. وحسب التقارير التي تم نشرها فإن ارتفاعه
يصل من أربعة إلى ستة أمتار، موزعة بين الباطون والأسلاك الشائكة، كما أن طول كل برج
كان مخططا لارتفاعه أن يصل إلى تسعة أمتار.
أما عن أهمية المنطقة الغربية من المخيم، فهي
كونها تحاذي طرقا ومسالك يتنقل عليها اللبنانيون وغيرهم من بيروت باتجاه الجنوب وبالعكس،
ومن بقية المناطق اللبنانية الأخرى، كما أن تجارة ومواسم الزراعات والصناعات في الجنوب
جميعها، تسلك في تصديرها الطرق نفسها، كما أن الجيش وقوى الأمن وقوات الطوارئ الدولية
والمقاومة، جميعها تسلك في تنقلاتها الطرق ذاتها.
من هنا تنبع أهمية المنطقة الغربية أو الجنوبية
الغربية من المخيم، لأن هذا الشريان الحيوي إذا ما تم تعطيله من أي قوة خارجه على القانون،
فإنها تقطع شرايين مهمة في المسالك والمعابر وسرعة تنفيذ ومعالجة مشاكل عديدة. على
كل فإن الزوبعة التي ثارت تمت تهدئتها بالإعلان عن إرجاء تنفيذ مخطط بناء الجدار والأبراج،
ريثما يتم الوصول إلى حلول معينة لمشاكل وقضايا المطلوبين في المخيم، والذين يمثلون
عبئا وخطورة كبيرين، ليس على الشرعية اللبنانية ومهامها الأمنية، بل وعلى ناس المخيم
والأمن فيه.
٭ كاتب فلسطيني
المصدر: القدس العربي