جرح
غزة النازف ألهب مخيمات الشتات
بقلم:
هبة الجنداوي
بين
أزقة المخيم الضيقة التي تشهد على اللجوء منذ ستين عاماً ونيّف، كان لقصيدة
الانتفاضة وقعٌ مختلف هنا.. تلك الأزقّة كانت تقرأ قصيدة الكرامة التي كتبتها غزة،
فانتفضت تزدحم بأهلها رافعين راية النصر و الصمود، التي يتمسك بها اللاجئ
الفلسطيني أينما وجد. فمن مخيمات الجنوب الى الشمال والبقاع وبيروت، انطلقت
الحناجر تصدح عالياً بعبارات النصرة لغزة حيناً وبالتكبيرات لإنجازات المقاومة
الفلسطينية في أحيان كثيرة..
اللاجئ
هنا رغم ما أصابه من وهن الغربة التي قضّت مضاجعه وسلبت الكرامة منه، إلّا أنّ
النخوة والأخوّة لم تفارقه أبداً، فمشاهد القتل والدمار والأشلاء الملقاة هنا
وهناك ألهبت مشاعره.. وصور الطفولة المعذبة في غزة التي قاست من الألم ما يقاسيه
اللاجئ هنا أو أشد، كانت كفيلة بأن تجعل من مشاعر المعاناة والفقر عنده، سراب...
المخيم
ينبض بغزة
"ولا
ممكن نتخيّل إرهاب ووحشية أكثر من هيك! ناويين يبيدوا شعبنا هدول! مفكرين غزة راح
تركع!".. كلمات خرجت من الحاجّة أم أحمد وهي تستذكر مجازر دير ياسين وما
ارتكبه اليهود من قتل وتدمير أيام النكبة عام 1948 ومجازر صبرا وشاتيلا في لبنان
عام 1982. ومجاعة اليرموك في سوريا.. كأنها في سرّها تقول "الفلسطيني وين ما
يروح معتّر".. لكن الرضا بقضاء الله تعالى وقدره لا مهرب منه...
لم
يسلم الفلسطينيون لا في فلسطين ولا لبنان من مجازر اليهود، كل كان له نصيب من
وحشيتهم لكن في كلّ مرة كان شعبنا يسطّر صورة للصمود يرهب به قادة العدو، وبصبره
يُبهر من حوله، حتى أنّ صبر أيّوب بات يُقال عنه "زي الفلسطيني"!
إنّ
الناظر الى تلك المخيمات من بعيد يظن أنّ من يعيش فيها هم أحياءٌ أموات فقدوا
الأمل والحياة كما فقدوا مقومات العيش الكريم! لكن الناظر إليها عن قرب يجد صورة
مختلفة تماماً.. يجد أناساً تحب الحياة وتتمسك فيها، لأنّها بذلك تتمسّك بحق
العودة، وبالثوابت الوطنية. ورغم انعدام الأمن ونشوب الفتن وغياب الكهرباء والماء
بشكل متواصل، والاكتظاظ الشديد.. إلّا أنّ ذلك لم يجعل لليأس في قلوبهم قيد أنملة،
فتراهم يخرجون من خلف جدران المخيم ومن تحت أسلاك الكهرباء المتناثرة، يطالبون بفك
الحصار عن غزة مندّدين بالمجازر البشعة، ويجمعون التبرعات من المساجد والبيوت
والمحال، داعين لهم بالنصر والتمكين..
هكذا
هو الفلسطيني، يحرم نفسه لقمة العيش ليعطيها لأهله الذين يعانون أكثر منه، يتبرّع
لهم بما يستطيع من مال وذهب وهو في أمس الحاجة إليها، في ظل قلّة الأشغال والبطالة
المنتشرة في المخيمات.. يعلّم أطفاله أنّ أطفال غزة هم أولى أن نعطيهم العيدية
وننصرهم ولو بالقليل، حتى يكبروا وهم يحملون هم الوطن الجريح في قلوبهم.
صور
من المخيم
تمشي
بعض الوقت في شوارع المخيم لتوثيق بعض المشاهد، فتجد أناشيد المقاومة الفلسطينية
تصدح من ناحية، والأعلام الفلسطينية ترفرف على وقعها من ناحية أخرى مجسّدةً أيقونة
الوطن الصامد المقدام...وترى المساجد في أوقات الصلاة تصدح بالدعاء لغزة، تنهمر
الدّموع حارة من عيونهم الناظرة بشوق نحو النصر الرباني.
وفي
مشهدٍ آخر.. تسأل طفلاً لم يكمل سنواته العشر بعد عن حلمه فيجيبك بكلمات تحسبه قد
سبق عمره بسنوات، "أن أكون في غزة الآن، أشعر بما يشعرونه أصمد معهم.. أقاوم
معهم، أنزف وأستشهد معهم"...
إنّ المسألة أكبر بكثير من مجرّد تضامن مع غزة،
إنها قصّة الوجع الواحد، وجع اللجوء، والمعاناة، والتشريد، والتهجير.. إنّها قصّة
الصّمود التي سطّرها اللاجئ الفلسطيني في مخيمات غزة والضفة والشتات، جعلت للجرح
النازف مواجع من أماكن مختلفة تنبض حب الوطن.. والمقاومة!
المصدر:
شبكة العودة الإخبارية