جلّ البحر: نكبة مزدوجة.. من الطبيعة والدولة
محمد غزالة - البناء
اقتُلع الشعب الفلسطينى من أرضه نتيجة مؤامرة العصر، ليصبح الشتات اليهودي مستوطناً أرض فلسطين من دون وجه حق، وأهل الأرض الحقيقيون، يعيشون الشتات في أصقاع الدنيا، وكأن هدف المتآمرين على هذا الشعب، أن يبقى قابعاً في دائرة الحرمان، ليس حرمانه من أرضه فحسب، إنما من حق العيش بكرامة على أي أرض تستضيفه.
للمؤامرة على الشعب الفلسطيني أوجهٌ متعددة، تحيل حياته إلى مأساة حقيقية، كما يحصل في المخيمات الفلسطينية في لبنان، ولاسيما الواقعة في الجنوب. ومما لا شك فيه، أن ابناء الشعب الفلسطيني في لبنان، ومع كل مناسبة، يؤكدون على العلاقة المتجذرة التي تجمعهم واللبنانيين دولةً وحكومةً وشعباً، ويشعرون بأنهم على أرض موطنهم الثاني، من حيث الود والتعاطف والمساندة، ودعم قضيتهم الأساس في العودة إلى ديارهم في فلسطين. إلا أن معاناتهم في المخيمات، والتجمعات التي يقطنونها، تستفحل يوماً بعد يوم في الجانب الحياتي الاجتماعي، منذ أن وطأت أقدامهم هذه الأرض.
على ان الاعتصامات الاحتجاجية والمطلبية، ونداءآت الاستغاثة باتجاه المنظمات والهيئآت الدولية والانسانية، التي حَمَلت ملف الرعاية الاجتماعية للشعب الفلسطيني في الشتات، تبقى مجرد صرخات صُمَّت لها آذانُ العالم.
ففي مطلع الأسبوع الجاري، شهدت مدينة صور تحركاً فلسطينياً بمشاركة هيئاتٍ سياسيةٍ ونقابيةٍ واجتماعيةٍ جنوبية، دعماً للحقوق الإجتماعية والمعيشية لأبناء المخيمات الفلسطينية على الأراضي اللبنانية. أتى هذا التحرك المطلبي، بعدما شهد ملف المطالبة إهمالاً مُتَعمَداً في تنفيذ الوعود التي قُطعت للجان الفلسطينة المتابِعة للملف الإجتماعي الفلسطيني، من قبل منظمة«الأنروا» وهي الجهة الدولية المفترض أن تكون الراعية للشئون الفلسطينة في لبنان، كما دعت الحكومةَ اللبنانية إلى تعزيز الحياة الاجتماعية الكريمة في المخيمات.
إلى هذا، فإن مسلسل النكبات التي تحل بأبناء هذا الشعب وتصيبه في استقراره وأرزاقه ومأواه تتوالى فصولا، حيث تعرّض تجمعٌ سكنيٌ فلسطيني في منطقة «جل البحر» إلى الجهة الجنوبية من شاطئ بلدة العباسية، قضاء صور، إلى أمواج عاتية ناجمة عن سوء الأحوال الجوية التي تعرّض لها لبنان هذا الأسبوع، حيث ينتشر في محاذاة الشاطئ أكثر من 300 مسكن، يؤلّفون التجمّع السكني الفلسطيني منذ حلول النكبة على أرض فلسطين، فانهارت عشرات المنازل، وتصدع عددٌ آخر، جرّاء الأمواج العاتية، ما أحدث نكبةً حقيقيةً لأصحابها، الذين لجأوا إلى العراء دون مأوى آخر، والهلع يصيب السكان الآخرين من حدوث كوارث مماثلة مستقبلاً.
«البناء»..إطلعت على أرض الواقع،على حجم الأضرارالتي أصابت سكان التجمع، فكان لها لقاء مع أمين سر اللجنة الشعبية في التجمع السكني «حمد درويش» الذي أشار إلى «حجم الكارثة التي حلّت بالعديد من سكان التجمع، الذين فقدوا منازلهم، وهم الآن مشردون بعضهم في العراء، والبعض الآخر يقطن عند أقارب أو جيران». وقال درويش لـ«البناء»: «إن ماحلّ بنا هو تكرارٌ لما حصل مع سوء الأحوال الجوية لوجودنا بمحاذاة الشاطئ مباشرة. نحن هنا منذ مجيء آبائنا من فلسطين، وليس من مكان آخر لنا، وليس بمقدورنا الذهاب الى أماكن اكثر امانا، نتيجة الظروف التي نعيشها، وهذه هي ظروفنا الاجتماعية التي نسعى إلى تحسينها مع الأخوة في الدولة اللبنانية، والمسؤولين المعنيين، الذين نقدرهم ونحترمهم».
وتحدث درويش عن مذكرةٍ تقدم بها الى مدير عام «الأونروا» في لبنان «لومباردو»، سلّمها إلى مدير منطقة صور فوزي كسّاب والجهات المعنية، لرفع الظلم والخطر اللذين يهددان الأطفال، أهاب فيها لهذه الجهات «إنقاذهم من الموت الدّاهم منذ أكثر من 60 عاما، والمعاناة من الأمواج العاتية»، آملا «إيجاد حلٍّ لهذا الواقع، من خلال تأمين غطاءٍ قانوني، من أجل إعادة ترميم وإعمار المنازل المتضررة، والمساهمة المادية لرفع الأذى عن السكان»، كما طالب بـ«بناء السواتر الإسمنتية، للحماية من أمواج البحر، وتدعيم المنازل المهدمة، محمِّلا المسؤولية لهذه الجهات، إن لم ينصتوا إلى صوت الاستغاثة، وحثّهم على أن يكونوا على مستوى المسؤولية الموكلة اليهم في ما يتعلق بإغاثة اللاجئين الفلسطنين».
أما السيدة فاطمة، من سكان المخيم، فقالت لـ«البناء»: «أنا أسكن وأسرتي المكوّنة من تسعة أفراد في منزل متواضع يأوينا، يقع في محاذاة الشاطىء، ونعيش اليوم هلعاً رهيباً، في ما لو ضربت هذه الامواج منزلنا كما حدث مع جيراننا».أما «نكد أحمد» الذي هوى سقف منزله و يقطن الآن عند أحد الأقرباء فقال: «ليس بوسعي بناء منزل في مكان آخر، بسبب تردّي أحوالي المادية من جهة، وبسبب منعنا من البناء أو إعادة الترميم من قبل الدولة اللبنانية من جهة أخرى.